العدد 2449 - الأربعاء 20 مايو 2009م الموافق 25 جمادى الأولى 1430هـ

حكومة فياض... وفك الارتباط بين السلطة و«فتح»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تحت أي عنوان يمكن تصنيف حكومة سلام فياض التي أقسمت اليمين أمس الأول في رام الله. حكومة وفاق وتوافق. حكومة أزمة وتأزيم. حكومة تصريف أعمال. حكومة تقطيع وقت ومرحلة انتقالية. حكومة أمر واقع. حكومة وحدة وإعادة إعمار. حكومة تفاوض وتعبئة فراغ.

تسميات كثيرة يمكن إطلاقها على الحكومة الفلسطينية الأولى بعد العدوان على غزة وبدء الحوار بين «فتح» و«حماس» في القاهرة والانتخابات الإسرائيلية التي أسفرت عن تشكيل حكومة أقصى التطرف. وكثرة الأسماء لا تعني أن الحكومة قادرة بسهولة على تجسير العلاقات المقطوعة بين مراكز القرار ومواقع القوى في الضفة والقطاع. فالحكومة التي تحتمل توصيفات متنوعة تبدو منذ اليوم الأول لانطلاقتها تطمح للتكيف مع المتغيرات الدولية والإقليمية التي أخذت تحيط بالمسألة الفلسطينية وتضغط عليها من اتجاهات مختلفة.

هناك نقطة إيجابية واحدة تلعب لمصلحة حكومة فياض وهي تتصل بالتوقيت. فالتوقيت جاء بعد زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن وقبل زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى القاهرة في 4 يونيو/ حزيران المقبل. وإعلان الحكومة في هذا الظرف جاء لتعبئة فراغ سياسي بعد أن طالت فترة انتظار نتائج الحوار الفلسطيني في القاهرة. والتأجيل والمماطلة والتسويف كلها معوقات لا تخدم القضية في وقت تظهر في الأفق مجموعة تحولات جزئية وغامضة ولكنها مهمة في لحظتها الراهنة ويصعب إهمالها بذريعة عدم التوصل إلى تفاهم وطني فلسطيني.

التوقيت الذي جاء في سياق الاستعجال لتعبئة الفراغ السياسي قبل وصول أوباما إلى المنطقة يمكن فهمه لأنه يبرر الصيغة التي خرجت بها التشكيلة الوزارية. فمن غير المعقول والمقبول أن تستمر المفاوضات في القاهرة وتتعطل إمكانات إعادة إعمار غزة وتغيب السلطة عن الشاشة الدولية والمسرح الإقليمي وتذهب الاتصالات والجولات هباء في الوقت الضائع بذريعة أن الحكومة الموعودة تستطيع أن تنتظر حتى تستنفد المساعي المصرية وظائفها.

تجميد الوضع الفلسطيني إلى أمد مفتوح لا نهاية له في الأفق القريب بات يلعب دورا معكوسا وأخذ يترك بصماته السلبية على المهمات العاجلة. فالتسويف والتطويل والتأخير وتحول السلطة إلى مراقب ينتظر دوره في موقع المتفرجين كلها عناصر غير جيدة في مرحلة دقيقة تتطلب تجميع القوى وتوحيدها للرد على التحديات التي أخذت تظهر في الداخل والخارج والمحيط الفلسطيني. وبقاء السلطة من دون حكومة شرعية تدير الأزمة وتؤسس شبكة علاقات واتصالات تستجيب لمجموعة مهمات ملحة أخذت تضغط دوليا وإقليميا للرد عليها مسألة تحتاج إلى إعادة نظر حتى لا تصاب القضية بالشلل وتصبح موضوع سجال أميركي - إسرائيلي من دون رأي فلسطيني رسمي وموحد.

التوقيت لاشك يشكل حاجة داخلية ويعطي السلطة نقطة قوة لتلعب دورها في التفاوض والإدارة وإعادة الإعمار. وربما يكون التوقيت هو عامل القوة الوحيد الذي يحمل إيجابيات لتفهم الاستعجال وتبرير الإعلان المتسرع عن تشكيل حكومة انتقالية مؤقتة. إلا أن التوقيت ليس النقطة الوحيدة في المعادلة إذا تمت قراءة المسألة من جهات مختلفة وجوانب متعددة. فهناك الكثير من السلبيات التي أسفرت عنها الخطوة لأنها في مضمونها تتجاوز تلك التحديات الدولية والمهمات الملحة التي أخذت حكومة نتنياهو تطرحها في وجه السلطة الفلسطينية.


تحرير السلطة و«فتح»

النقاط السلبية التي ظهرت على السطح تشير إلى نوع من التموضع الفلسطيني يشي بوجود عناصر ميدانية أخذت ترسم خريطة سياسية لا تتوافق هيئتها مع الفترة السابقة. فهناك حال من الفوضى التي تدل على نمو ظاهرة تطمح بكسر حدة الاستقطاب بين «فتح» و«حماس» وتعيد تشكيل قوة ثالثة متخالفة في جوهرها مع التوجهات الثنائية في الضفة والقطاع. وعملية خلط الأوراق التي بدأت قبل فترة من العدوان على غزة يبدو أنها وصلت الآن إلى طور من التقدم وخصوصا بعد المفاجأة التي أطلقتها السلطة وأعلنت بموجبها تشكيل حكومة تكنوقراطية - حزبية ائتلافية قبل الانتهاء من مشاورات المصالحة في القاهرة. وردود الفعل التي برزت في أكثر من مكان ومن مختلف الأصعدة أعطت صورة مشوشة عن مكونات هيئة فلسطينية أخذت تتخطى تلك التجاذبات الثنائية بين «فتح» و«حماس».

الهيئة الجديدة تحتاج إلى خريطة طريق لترسيم خطوطها التي تبدو ملتسبة في زواياها الحمساوية والفتحاوية. والالتواء السياسي الذي يمكن ملاحظته من تلك التعليقات النقدية التي صدرت بالضد من إعلان تشكيل حكومة فلسطينية يوضح معالم صورة أخذت تتكون ميدانيا خارج الأطر الرسمية وبدأت تتقدم باتجاه الضغط على المؤسسات المدنية والأهلية لتشكيل قوة ثالثة ومستقلة في موقعها ونفوذها. والاحتجاجات التي صدرت عن بعض أجنحة «فتح» وشبكاتها السياسية والنيابية تؤشر إلى نمو حال من الغضب ضد السلطة ومعنى إصرارها على تلزيم سلام فياض أمر تشكيل الحكومة الجديدة. فالتصريحات النقدية تدل على توجهات سياسية أخذت تبتعد عن «فتح» من دون أن تتوافق بالضرورة مع تطلعات «حماس».

ردود الفعل الفتحاوية ملفتة للنظر لكونها تأتي من أهل الدار وترد على تجاوزات إدارية ودستورية وتمثيلية لم يعد بإمكان المؤسسات تحمل تبعاتها وتداعياتها. وأهمية المواقف الفتحاوية تتأتى من كونها تمتلك شرعية شعبية تقليدية تعطي الانتقادات بعدها الوطني والتمثيلي في مرحلة انتقالية دولية وإقليمية تتطلب الكثير من اليقظة والانتباه.

إعلان فياض لحكومته ليس سببا لظهور هذه الكتلة الثالثة التوفيقية وإنما شكل مناسبة لتأكيد وجود تمايزات في المعسكر الواحد. فالإعلان أعطى فرصة للاختلاف والتنوع في الطرف المحسوب على سلطة محمود عباس وأظهر إمكانات حسية لوجود تضاربات في جانب وتقاطعات في جانب آخر. التضاربات أعطت قوة دفع لفك الارتباط التقليدي بين السلطة و«فتح» وحررت الحكومة من التزامات عقائدية وتجاذبات ثنائية مقابل إفساح الفرصة لحركة فتح للابتعاد عن الطاقم الوزاري وأخذ مسافة تسمح بإعادة الهيكلة والتجديد. والتقاطعات أعطت مساحة زمنية لتوسيع المجال الحيوي وتعزيز قدرات «فتح» لاستيعاب المستجدات ما يعطيها قوة للتواصل الإداري والميداني مع أجيال فلسطينية لا تعرف الكثير عن تاريخ الحركة وبرنامجها التحرري الوطني.

فك الارتباط بين السلطة و«فتح» أعطى حكومة فياض المجال للتحرك في هامش سياسي يمكن اعتماده حقل انطلاق للتفاوض على مشروع سلام يقال إن أوباما يعتزم الإعلان عن خطوطه العريضة خلال زيارته للقاهرة. كذلك أعطى توقيت إعلان الحكومة المتسرع فرصة مناسبة لإظهار تلاوين سياسية في المعسكر الواحد ما يمهد الطريق لتشكيل خريطة طريق تؤشر إلى نمو قوة ثالثة غير مرهونة للسلطة ولا تتوافق بالضرورة في توجهاتها مع «حماس».

تسميات وتوصيفات كثيرة يمكن إطلاقها بمناسبة إعلان الحكومة الفلسطينية أمس الأول، إلا أن الأهم من كل تلك النعوت أنها أعطت فرصة للبدء في مرحلة فك الارتباط بين «فتح» والسلطة. وهذا المنعطف في العلاقة التقليدية الملتبسة يشكل للطرفين حاجة ظرفية ومرحلية تلبي طموحات الفصيل الفلسطيني الأول في استعادة مواقعه، ورغبات الرئيس عباس وسلطته المعطلة والمشلولة في تأكيد قدرته على مخاطبة تحديات لم يعد بالإمكان تجاهلها وتركها تتلاشى في الوقت الضائع من الحوار الثنائي في القاهرة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2449 - الأربعاء 20 مايو 2009م الموافق 25 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً