العدد 3131 - الأحد 03 أبريل 2011م الموافق 29 ربيع الثاني 1432هـ

الأخطاء والكبوات والنتائج

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

هذه ملاحظات كانت حصيلة النظر لمشهد الحراك التاريخي العربي السياسي الحالي.

الملاحظة الأولى تتعلق بالشعارات السياسية التي طرحتها لافتات المسيرات والاعتصامات. فالشعارات الناجحة تحتاج أن تركِّز على الأولويات المفصليَّة الكبرى، وأن تكون وطنية جامعة تقبلها أغلبية كبيرة من مكوِّنات المجتمع، وأن لا تغفل أهمية التوازنات والثوابت الإقليمية أو القومية وكذلك أهمية تعاطف الخارج معها، وألا تصاحبها مظاهر رمزيِّة فئويَّة يُشْتَمُّ منها الطائفية أو العرقية أو القبلية، وأن على الأخص لا تصطدم بمرتكزات تاريخية ودستورية قامت عليها الدولة وتوافق عليها المجتمع عبر سنين طويلة. ولذلك فإن شعاراً بالغ الخطورة من مثل إسقاط النظام قد يكون طرحه ملائماً في قطر عربي معيَّن، إذ تتوافر فيه أغلب المتطلبات السَّابقة الذكر، ولكن طرحه غير ملائم في قطر عربِّي آخر بسبب عدم توفُّر أغلب تلك المتطلبات.

مثال آخر هو طرح شعار سياسيٍّ فرعي آني مربك للحراك السياسي ومعقِّد له، بينما يعرف الجميع أن تحقُّق ذلك الشِّعار سيكون تحصيل حاصل إذا تحقَّق مطلب آخر ولكنه مفصلي كبير من مثل المطالب الدستورية أو القانونية - فإذا كنت تطالب بنصٍّ دستوري يلزم أن تكون الحكومة في المستقبل حكومة منتخبة فما الحكمة من الدخول في مماحكات وصدامات مع هذه الجهة أو تلك؟ أليس في ذلك ممارسة عبثية في المسرح النضالي السياسي وانتهاء بالفروع على حساب الأصول؟

الملاحظة الثانية تتعلق بشروط الدخول في الحوارات والمفاوضات بشأن المطالب. أن يوضع شرط تحديد زمن معقول لفترة الحوار فهذا مقبول، حتى لا يدور الحوار حول نفسه لسنين طويلة. أن توضع قائمة بالنقاط التي ستناقش، حتى لا يضيع الحوار في متاهات لا أول لها ولا آخر، فهذا معقول أيضاً. أما أن توضع شروط فرعية كثيرة، يمكن مناقشتها وتحقيق بعضها في أولى جلسات الحوار، هذا في الوقت الذي يموج الشارع بأحداث يومية قد تنحرف عن مساراتها لهذا السبب أو ذاك، فإن الشروط قد تصبح عقبة تؤجِّل الدخول في الحوار الجدِّي المطلوب وتضيِّع الوقت وتؤدّي إلى ملل وتعب الجماهير المساندة للحراك السياسي.

وتتعقِّد الأمور أكثر عندما يطالب البعض بضمانات لنجاح الحوار، وخصوصاً إذا كانت تلك الضمانات ستكون دولاً خارجية أو شخصيات أجنبيَّة. والواقع أن الحراكات السياسية التي لا تعتمد على حيوية الجماهير كضامن وحيد لنجاح أيِّ حوار أو تفاوض، ولا تؤمن بقدرة تلك الجماهير للعودة للشارع عند تعثُّر الحوار أو التفاوض، إنَّما تعبِّر عن إفلاسها وعقمها وضعف علاقتها بجماهيرها.

الملاحظة الثالثة تتعلق بالخلط بين حقِّ حريَّة التعبير وبين حقِّ حريَّة الفعل. أن تمارس الحقَّ الأول، حقَّ التعبير الحر عن شعاراتك السياسية ومطالبك، بشرط عدم السقوط في الشتم والجرح والابتذال، فهذا مكفول في الدساتير وقوانين حقوق الإنسان. أمَّا حرية الفعل كسدِّ طريق بالحواجز أو احتلال باحة أبنية، فإنه اعتداء على حقوق الآخرين، وبالتالي لا يمكن ممارستها.

الملاحظة الرابعة تتعلق بالسماح بالدخول المفاجئ للمسرح من قبل الموتورين الطائفيين أو الثوريين الحالمين أو الانتهازيين الرَّاكبين موجات الغير. وسواء أكانوا من المتنطِّعين للقيادة المفاجئة أو من الكتبة المملوءة نفوسهم بالحقد والكراهية لهذه المجموعة أو تلك أو ممَّن يطلُّون على شاشات التلفزيون المحلية والإقليمية والعالمية ليتَّهموا ويشتموا، فإنهم جميعاً يشوِّهون ويدنِّسون مطالب سياسية شرعية ومعقولة، هي في صالح الجميع، ليقلبوها إلى مطالب فئويَّة مختلف عليها ومشكوك في نيَّة من رفعوها في الأصل. هؤلاء ينطبق عليهم قول بليغ للشاعر الإنجليزي سامويل كولرج: الشَّخص الذي يبدأ بحبِّ المسيحية أكثر من حبِّه للحقيقة ينتقل إلى حبِّه لمذهبه أكثر من مسيحيَّته، لينتهي بحبِّه لنفسه أكثر من كلِّ الآخرين: فالذين لا يهمُّهم الحق مهما كان ناصعاً، ولا تهمُّهم أحوال الآخرين مهما كانت مفجعة ينتهون بأن يكونوا من المتعصِّبين الذين وصفهم الشاعر جون كيتز بأنهم ينسجون بأحلامهم جنةً لمذاهبهم وطوائفهم.

هؤلاء جميعاً لديهم قدرة عجيبة على قيادة الحراكات السياسية النظيفة المبهرة إلى جحيم الطائفية أو إلى الضَّياع والهرج والمرج السياسي. هؤلاء يمتصُّون رحيق الشباب الطاهر المضحِّي النّبيل لينتجوا عسلاً كريه الرائحة بمذاق العلقم.

الثورة العربية الكبيرة المبهرة ستستمر. سترتكب الأخطاء وتتعثر ولكنها ستقوم من كبواتها وستواصل السَّير. شعوب العرب يجب أن تتذَّكر الحكمة الإلهية من أن الزَّبد يذهب جفاء وأمَّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. ومنذ قرن وجَّه الشاعر رديارد كبلنج رسالة إلى ابنه، منها قوله: «إذا كنت ستواجه النَّصر والهزيمة بنفس العزيمة... فإنك ستملك الأرض وما فيها، وفوق ذلك ستكون رجلاً»

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 3131 - الأحد 03 أبريل 2011م الموافق 29 ربيع الثاني 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 33 | 3:34 م

      لك جزيل الشكر دكتور

      دكتور أنت قدوتي. ليت كلام العقلاء أمثالك يُسمع. أتمنى ان يكون لك عمود في هذه الجريده بشكلٍ دوري. لك جزيل الشكر وكل الاحترام.

    • زائر 29 | 1:00 م

      كنا نتمنى منك دور اكبر

      انا من الأشخاص الذين يحترمونك كثيرا يا سعادة الدكتور ، وكم تمنيت ان يكون لك دور اكبر في الإيام السابقة من اجل تقريب وجهات النظر ومد الجسور ، وحسب متابعاتي اليومية للأحداث اعتقد انك كنت تستطيع ان تلعب دورا اكبر وان تبذل جهدا اكبر ربما كان سيساهم ذلك بشكل كبير في حللة الأزمة قبل ان تصل الى ما وصلت اليه . عندما استرجع شريط الأحداث في ذاكرتي دائما اتسائل عن امور كثيرة كان بالإمكان فعلها ولا ادري لماذا لم تحدث او لم يتم العمل عليها ؟!! لله الأمر من قبل ومن بعد .

    • زائر 23 | 6:35 ص

      كنا نتمنى على البعض الإستماع لك ولأمثالك من أصحاب الخبرة

      مشكلتنا هي أن البعض ممن دخل على الخط وهو لا يملك الخبرة والرأي الثاقب والمشكلة الأكبر أنهم
      رأوا في أنفسهم أنهم فوق الإستشارة وطلب المعونة في الرأي. لذلك صار كل مجموعة تطرح
      شعار أو اقتراح وتأتيهم مجموع تسير وراءهم دون التمعن فيما يطرحون.
      أقدر للشباب حمساهم وقوتهم وتضحيتهم وتفانيهم
      ولكن تبقى الخبر ناقصة ومن شاور الناس شاركهم عقولهم ومن استبد برأيه هلك

    • زائر 21 | 5:28 ص

      جحيم الطائفية

      رحم الله امرء اهداني عيوبي، لطالما اهدانا الله عقولا نيرة نستضيئ بها، ونرسم الدرب الجميل انشاء الله معهم نرعى احلامنا ونبني آمالنا بصوت عقولهم، يهون علينا اصوات الطائفية النتنة التي مازالت تصدح وتسمع صداها وآخرها تلك اللافتات المقيتة التي انتشرت ليقرأها طلابنا في المدارس وابنائنا الذين نخاف عليهم من هذا الوباء واذا بهم رغم انوفنا يزجون ابنائنا الى هذه النار فماذا نفعل يا والدنا ان نفعل لكي لا نسمح لابنائنا الطلبة في المدارس بأن تكون مادة لحديث نفوسهم ولا نعرف مخرجات هذا الحديث.

    • زائر 18 | 3:28 ص

      رحم الله والديك وشكرا

      إذا كنت ستواجه النَّصر والهزيمة بنفس العزيمة... فإنك ستملك الأرض وما فيها، وفوق ذلك ستكون رجلاً

    • زائر 17 | 3:25 ص

      Bahraini

      Thanks DR. that was a very clear message, keep it up. and thanks again.

    • زائر 12 | 1:52 ص

      اللؤلؤة

      كم انت كبير يا دكتور
      ((وجَّه الشاعر رديارد كبلنج رسالة إلى ابنه، منها قوله: «إذا كنت ستواجه النَّصر والهزيمة بنفس العزيمة... فإنك ستملك الأرض وما فيها، وفوق ذلك ستكون رجلاً»))

    • هشام حمزة | 12:55 ص

      شكرا

      صح لسانك يا دكتور
      كنت وما تزال رمزا نضاليا واعيا

    • زائر 3 | 12:02 ص

      سلمت يمناك

      هذا رأيي أيضا ..

اقرأ ايضاً