يُخطئ من يعتقد أن السجن هو تلك الغرفة الضيقة التي تسوِّرها أربعة حيطان، وبها مِخرَزٌ أوحَد يُسمّى مدخل. هذا الوصف محدود وقاصر. أما الحقيقة الأوسع التي رَفدتنا بها الحياة والتجارب فهي أن كلّ شيء يحصرك ويحدّ من فكرك وضميرك وسلوكك فهو سِجن. فإن حاصَرَتك الفكرة فأنت سجينها. وإن حاصرتك الأهواء فأنت سجينها. وإن حاصرتك الطائفة (وهي أخطرها) فأنت سجينها. وهكذا دواليك. وإذا ما سلَّمنا نحن بذلك فهذا يعني أن لفظة السجن ومعناها أوسع من الحبس الجسدي بين جُدران أربعة.
كل المخنوقين وراء جُدُر عندما يخرجون إلى الفضاء الطلق والمفتوح فإن أوّل ما يقومون به هو رفع الرأس ثم الشَّهِيق بعينين مغمضتين تليها زفرة قوية. هذا أيضاً حال المحبوسين وراء الأفكار ووراء الطوائف. فهم في الأصل مخنوقون محبوسون، يفتقرون إلى فكر أوسع وإلى الاندماج في مجتمعات أكبر تَسَعُ إلى ما هو أبعد من الأب والأم والابن والأخ وشريك المذهب والطائفة، بل ليصل الأمر إلى الاندماج مع النُظَراء لهم في الخلق فضلاً عن شركاء الوطن.
اليوم في البحرين، ونحن نكابد أزمة اجتماعية/ سياسية نتمنى زوالها (وحتى في غير البحرين أيضاً) بات الجميع يتحدّث عن الطائفية وموبقاتها وخطورتها على الناس والوطن. لكن المشكلة ليست في ذلك الحديث فقط، وإنما في أن بعضاً من أؤلئك المتحدثين هم طائفيّون حتى النخاع دون أن يُدركوا أنهم فعلاً كذلك في الوقت الذي يُحذّرون الناس فيه من الطائفية. وربما يُدرك بعضهم أنه فعلاً طائفي لكنه يتدثر بالشعار فقط لتحقيق أغراض مُحدّدة ومكاسب في السياسة وأخرى وسط الجماهير للتسيّد على الرئاسة والزعامة. وفي كلتا الحالتين هو يُمارس عملاً غير مسئول في حق البلد والناس وفي حق الشأن العام.
كيف تعرف أنك طائفي إذاً؟ باختصار، عندما تكون سُنِّيَّاً/ شيعيّاً/ كاثوليكيّاً... إلخ وتنظر إلى ظِلِّك المذهبي فقط، ولا تطالِب إلاّ بما ينفع طائفتك حصراً وتنتصر لِمَن يلُونَك في المذهب/ الطائفة بصوابهم وخطاياهم وبلائهم، ثم تزيد على ذلك بانتقاص حقوق الطوائف الأخرى وازدرائها وتسفيهها دينياً وسياسياً واجتماعياً فإنك لا تخرج عن هذا الوصف: أنتَ طائفي. وعندما تكون كذلك (وأنت فعلاً كذلك) فإنك في النتيجة خطر اجتماعي يُهدِّد السِّلم الأهلي.
هناك شروحات أخرى للطائفية أو حولها وبمفهومها الضيق والواسع والجدلي. هنا أستذكر وصفاً دقيقاً للمفكر والسياسي العراقي حسن العلوي عندما سُئِل عن علاقته بـ إياد علاوي زعيم القائمة العراقية أذكره فقط لتعضيد حالة وصفيّة للموضوع الطائفي وأنواعه والحديث بشأنه. العلوي قال «علاوي رجل نقي من الطائفية مئة في المئة، (أمّا) أنا (العلوي) (فـ) لستُ نقياً، أنا طرف طائفي؛ عندما أشعر أن الشيعة مهضومون أدافع عنهم حتى الموت، وعندما أشعر أن السُّنة مظلومون أدافع عنهم حتى الموت».
يُضيف حسن العلوي «طائفية علاوي هي عدم حُبِّه للدخول في الصراعات، وطائفيتي على العكس، هي الصراع ضد الطائفية، هو لديه حياد طائفي وهذا حياد سلبي، أنا ليس لديّ حياد طائفي، أنا أدخل إلى جانب الشيعة في كتاب الشِّيعة والدولة القومية، وأتكلم عن مصابهم، وإلى الآن أتكلم عن مصاب الشيعة، وأتكلم عن مصاب السُّنة وكيف هُمِّشوا» بعد الاحتلال الأميركي للعراق في أبريل/ نيسان من العام 2003. (انتهى).
وما بين هذه المفاهيم، سواء الحياد الطائفي السلبي أو الطرفيّة الطائفية وغيرها من العناوين، فإن اللازم الأول والأخير هو قتال ذلك الداء الاجتماعي حتى الموت. إنه حقاً واجب عيني وليس كفائي. الجميع مُطالَب بأن يقوم بشيء ما في تلك المعركة. ولا يستهجنَنَّ أحد حجمه أو درجات الانتماء الطبقي ما بين عوام وخواص رغم أنني صرت أعجب من دور العوام الذي فاق في أحيان كثيرة دور خواص المجتمع ووجهائه في كثير من المناطق والأحياء.
فخلال متابعتي لأزمتنا المُرَّة هذه توصّلت إلى حقيقة ثابتة، وهي أن الأفراد الذين تُحرّكهم الفطرة أصبحوا أكثر وعياً من الأفراد الذين يمتهنون السياسة ويرتقون المنابر. قبل ليلتين استمعتُ لإحدى الأمهات المُحرّقيات العزيزات على قلوبنا جميعاً وهي تتحدث بحرقة متناهية عن الوضع الاجتماعي الآن وكيف كانت هي تعيش في خليط مذهبي لم يتنبَّه لفروقاته أحد. وكيف كان السُّني يحتمي بالشِّيعي، والأخير بالسُّني في حوالك الزمان. وكانت توصِي مَنْ هُم حولها بأن الشِّيعي ليس له غِنى عن السُّنّي وكذلك العكس.
هذه الأم التي حرّكتها الفطرة وذاكرتها السليمة والمسالمة هي ما تحتاجه البحرين اليوم أكثر من أي سياسي أو رجل دين لا يُحسن الخطاب ولا يُراعي حتى حقوق الطوائف والناس ولا جيرتهم. فالقراءة تمد العقل فقط بلوازم المعرفة، أما التفكير فيجعلنا نملك ما نقرأ مثلما كان يقول الفيلسوف الإنجليزي جون لوك
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3130 - الجمعة 01 أبريل 2011م الموافق 27 ربيع الثاني 1432هـ
المخدرات حقيقة
نحن نقول بان المخدرات مضرة بالجسم هذه حقيقة ولكنها في نفس الوقت مكسب الى من يتاجر بها وهي ايضا كيف لمن يتعاطاها وهذا لا يلغي حقيقتها بانها مضرة ولا يختلف اثنان عليها ,, فاذا سلمنا بان الطائفية مضرة وتنخر جسم المجتمع فهي حقيقة ايضا لا يختاف عليها اثنان مهما استخدمت لاغراض مكسبية وتجارية الا انها ستبقى في في الاصل مضرة ..فنحن لا نبرر لمن يستخدموا المخدرات بانها غير مضرة ول لمن يستخدموا الطائفية بانها ليست مضرة
زائر 12
احسنت يا اخي اوجزت الموضوع بهذه الحكمة . اهنيك .
الطائفي هو !
الطائفي هو من يفضل شرار قومه على أخيار قوم اخرين .
الحقيق تزعل
الطائفيه كلمه نبعت من المظلمه التاريخيه. رفعت لافتات( احفاد الحسين.. أحفاد يزيد) هذه الطائفيه حين تخندق المواطنين علي اساس مايؤمنون به. تبين للجميع من يملك الأموال و يسيطر علي الوظائف. بالنسبه للحواجز, فالحواجز الطائفيه نشعر بها عند المرور في أحياء البحرين العنصريه.لا اشعر بان السنه طائفيين و انتم تعلمون بذلك..تم أستغلال الطائفيه من قبل الساسه لتحقيق المكاسب.. شباب البحرين هم من سيهزم الطائفيه عندما يقلبون الطاوله علي المتوهمين و العائشين علي مظلومية التاريخ.
التعليق رقم (2)
أأيدك على ما قلت هذا هو الوضع الحالي وإلا ما جرجت الجموع الغفيرة في المطالبة بحقوقها ومن بعدها تتهم بأنك عميل وخائن للوطن ولك أجندات خارجية أنت أرهابي وطائفي في حين من يلعب بنار الطائفية هو المخلص للوطن وهو ... على الله المستعان
رأي
عزيزي الأستاذ محمد مقالك ممتاز و لكن نعود مرة ثانية للبيضة و الدجاجة. الكاتب حسن العلوي ضرب أمثلة على عدم طائفيته منذ أيام حكم صدام حسين إلى الوقت الحالي في حكم الملالي. غير أنه من المجدي و عدم دفن رؤوسنا في التراب معرفة هل ما تطور عليه الأمر في الدوار يودخول عوام الناس لركوب الموجة دخل في مقالك أم أن ليس له علاقة مباشرة بالشيعة و السنة؟؟
طائفي
أنت طائفي إن: * تمنيت الحصول على وظيفة في جهاز المعلومات المركزي أو وزارة الداخلية بجميع أقسامها.. * إن تكلمت حينما يتم محاربتك في رزقك و رزق عيالك * إن أشتكيت من عدم حصولك على خدمة إسكانية * إن اشتكيت من أنك تحمل أعلى الشهادات و أنت عاطل أو تعمل بأدنى الوظائف و بأبخس راتب * إن سألت عن مصير المدينة الشمالية التي تم وضع حجر أساسها قبل عقد من الزمان * إن تألمت من جراحاتك التي أثخنتك بها .. * إن كنت من الطائفة .. * و أخيرا و ليس آخرا
أنت تعرف من يروج الى الطائفيه
عندما نطالب بحقوق مشروعه يقولون لنا طائفيون .. ماذا بقى
نرجوا من الطائفيين قراءة هذا النص القيم
احسنت اخي الكريم مقال اكثر من رائع.
بالتاكيد الفكرة غلبت الفطرة في الدوار والفاتح
لذلك ايها الكاتب العزيز فطرة هذه الام لم يشوهها صورة في الدوار او عبارة طائفية رغم ان الكثير من في الدوار مخلصين للوطن ولكن الفكرة مشوشة كذلك الحال مع الاخوة في الفاتح لم ترعبهم السلطات كما ارعبتهم الفكرة من الدوار حين اوهمتم هذه الفكرة بان من بالدوار ما قام الا اعلان الحرب على حقوقهم وطائفتهم مع ان القضية بان طائفة من بالدوار او الاكثرية منهم احتموا بالطائفة قبل الحقوق بسبب تهميشهم فانهم حينها يلجون الى الطائفة كملاد اخير وهذه هي سنة الحياة ومن هنا فان الفكرة غلبت الفطرة يا عزيزي
اخونا محمد حقا انك طائفي نقي ونحتاج الى امثالل
في هذا الوطن وخصوصا وبالذات في هذه الايام الحالكة المظلمة الظلومة الظالمة ، وعندما يوجد امثالك في المجتمع فنحن فعلا و قولا بخير ، كثر الله من امثالك لاننا محتاجين لهم الآن في هذا الوطن الحبيب الغالي . "ونون والقلم وما يسطرون "
ـــــــــــــ
رأي جيد اهنئك
يحق لي ما لا يحق لك
يحق لي أن أعيش بكرامتي وانت لا يحق لك ذلك
يحق لي أن انتقي الوظائف أيها أحسن وأنت لا يحق لك الحصول على أي وظيفة
يحق لي أن ألقى أفضل المعاملات حين التقدم لانجاز أي معاملة وأنت لا يحق لك
امور كثيرة تحق لي ولا تحق لك وإذا تكلمت ورفعت صوتك فإنك عميل وليس لديك ولاء لوطنك
وسوف تلقى كل أنواع التهم البشعة الجاهزة المعلبة
ذلك هو مختصر حالنا يحلّ لي ولا يحلّ لك.
أنا مواطن من النوع الممتاز وأنت حتى كلمة مواطن لا تنطبق عليك فالأجنبي يتمتع بأفضل مما تتمتع به
والله يكون بالعون
الى الان لم تعرف الطائفيه
اذهب الى نقاط التفتيش