يبدو أن انفتاح البحرين الثقافي على العالم أجمع، في ظل الاستراتيجيات التي تدفع نحو استقطاب المثقفين وتنمية الموارد الموجودة في البلد من شباب ناشئين في قطاعات الفن والشعر والأدب، قد جعل من الحراك الثقافي بابا مفتوحا على مصراعيه ليفد إليه الجميع، مستغلين الأجواء العامة في النمو والارتقاء بما لديهم من مواهب.
كاسا ديل آرت غاليري، قدّم مؤخرا فنانتين شابتين بموهبتهما وتجربتهما الجديدة على الساحة الفنية، مستغلا بذلك حالة الانفتاح والقبول لكل التجارب الناشئة في مجتمع أخذت الثقافة تعيد تشكيل معالمه من جديد.
التجربة التي قدمتها ثاجبة نجيب ونوف خنجي هي الأولى لكلتيهما، بعد فترات عمل متفاوتة في عدد من المشاريع المختلفة على مدى السنوات الماضية، ليتشكل مع هذا التراكم الدافع والخبرة المناسبة لتقديم مجموعة أعمال أمام جمهور الفن ونقاده.
ويدور المعرض حول عنوانين محوريين، إذ قدمت ثاجبة فكرة حول البيئة، وهو ما نتج بسبب «عملي كمصممة داخلية طوال 9 سنوات مضت في دبي، ومنذ انتقالي للبحرين ومشاهدتي لتفاصيل العمارة الإسلامية وطبيعة العمارة في البحرين. رسالتي هي أن الماضي موجود بتجاور المساجد مع البنايات الحديثة».
أما نوف فتدور فكرتها «عن المجتمع العربي بكل ما فيه من غموض في العلاقات الشخصية والأشياء التي يمر بها الفرد، والتي نتجاهلها ونحس أنها لا تؤثر على الشخصية رغم ان لها تأثير كبيرا كالعلاقات الشخصية والعاطفية.
وتضيف معلقة على هذه الفكرة «من هنا، كانت فكرة معرضي الذي حمل اسم 12 خطوة، عبارة عن برنامج من 12 خطوة، لتخطي الضغط العاطفي، فكانت كل لوحة هي خطوة لتخطي الحالة، وهي كلها رسالة واحدة».
تجربتان مختلفتان هما اللتان قدمتهما الفنانتان، وبما هو واضح أن كل تجربة تعكس خفية وتجربة وانفعال خاص بالفنانة، إذ وجدت ثاجبة أن معرض «دنيتي» الذي قدمت أعماله «مرتبطة بجزء مني في كل قطعة منه، يمثلني، مثل قطعة محمد التي قدمتها حينما ولد قريبي واسمه محمد، وهو أيضا اسم والدي، فكل قطعة موحية بالنسبة لي لأنهم مثل أولادي، وكل من يرى الأعمال يعرف أن هذه الأعمال تمثل ثاجبة وهذا الأسلوب الجنوني في العمل الذي يأخذ من شخصيتي».
نوف وجدت أن كل فنان «يعيش علاقة بينه وبين العمل الذي يقدمه، فأعمالي مرتبطة بظروف مر بها الكثيرين، لكنها أشياء شخصية يجب أن تخرج للكثيرين لأن الجميع يمر بهذه الظروف، وبالتحديد للرجال الذين يتصفون بطبيعة خاصة في مجتمعنا وهي أنه لا يمكن للرجل أن يعبر عن مشاعره» مضيفة « الرجل يمر بهذه المراحل لأنه لا فرق بينه وبين المرأة في هذا الموضوع، وبهذه الطريقة يستطيع الشخص تغيير طريقة تفكيره وتفاعله، لأن ذلك يهدم حواجز الحوار بين الرجل والمرأة، وتكون العلاقة طبيعية بين الأطراف».
وعبّرت نوف خنجي عن تأثرها وإعجابها بأعمال الفنان بابلو بيكاسوا، معبرة عن ذلك بالقول «أحب التكعيب والتقنيات والطريقة التي يظهر بها أفكاره، فحينما تتأمل أي لوحة من لوحاته تحس أنك تستطيع أن تأخذ شيئا منها ، وأنا أحببت أن أترك لدى كل مشاهد شيئا يستطيع أن يأخذه معه من سعادة أو حزن حينما يرى العمل».
وكان لثاجبة تجربتها المختلفة التي عبرت عنها بالقول «اعتدت الرسم بالألوان فقط، بعد ذلك توقفت، وقررت استخدام أصابعي في الرسم بدلا من الفراشي، وحينما كنت في الولايات المتحدة قررت الاستعانة بأسلوب رسم رخيص، وهو عبر الفحم والطباشير، والآن لم يعد الاكريليك يساعدني لأنني أحتاج إلى خلط الكثير من كل شيء لنقل أفكاري، إذ أعمل بسرعة ودون تركيز على لوحة واحدة وإنما بجنون كما هو أسلوب حياتي في عدد من الأعمال المتفرقة».
وعن توظيفها للأسلوب التكعيبي في إبراز أعمالها تضيف ثاجبة «أحب أن أكسر الأشياء إلى شكلها البسيط، بالنسبة لي كل شيء في شكله البسيط أجمل، لأن التفاصيل لا تهمني، وكمصممة داخلية لا أحب الأمور المعقدة».
وفي سؤال لنوف عن أسباب استغلالها للشكل الطولي في جميع أعمالها تقول: « أحسست أن الشكل الطولي بالنسبة لي مهم لأنني أرسم خطوات، فأحسست أنني بالطول سأوصل الفكرة التي أريدها، لأنها مقاربة للواقع، ويتفاعل معها الإنسان،».
وكانت خنجي قد وظفت إلى جانب الطول ألوان بسيطة وعددها قليل في كل لوحة، وهو ما وجدته نابعا من حبها «لاستخدام لون أو لونين كحد أقصى، إذ أحس بهدوء، وبالنسبة لي الفكرة تظهر بسهولة، فأنا متخرجة من تخصص التصميم الداخلي، وأعمل الآن في مجال الإعلام، ففي كل أعمالي أعرف أن التواصل هو المهم، حينما تدخل غرفة يكون التواصل بينك وبين ما هو موجود مهم، وكذلك في الإعلام والفن، وكل تلك الأمور مرتبطة بتوصيل الفكرة مع المشاهد وأسلوب التعبير عن الفكرة المتقاطعة، فاللونان هما وسيلة لجعل الموضوع بسيطا لأن الرسالة مهمة أكثر من العمل الفني وهناك تفاصيل كثيرة والفكرة والإحساس هما ما يهمانني في العمل».
أما عن تقبل الجمهور أو رفضه لتجارب الفنانتين فعبرت عن ذلك ثاجبة بالقول «لم أخبر أحدا من قبل عن عملي، لأن ذلك شيء شخصي، وحينما كنت حامل، رسمت أعمالا كانت مختلفة وهي قطع مني، والكثير استعجب من هذه الأعمال، وأعجبوا بالألوان، والبعض طلب مني عدم التواصل مع هذا الجانب لأنه لا يناسبني».
من جانبها قالت نوف أنها «أحسست أن الكثير وقفوا وتفرجوا على ما قدمته، فأحسست بأن الناس إذا لم يفهموا الفكرة، سيأخذون انطباعا معهم، وكثيرون قالوا إني كنت غاضبة أو متوترة وأنا أرسم، وخصوصا في عمل محدد، أعطى إحساسا بالإيجابية من خلال الألوان المعبرة وفيه كثير من الطبقات».
العدد 2449 - الأربعاء 20 مايو 2009م الموافق 25 جمادى الأولى 1430هـ