نجم الفنان التشكيلي البحريني محمد المهدي قد بزغ بعد أن حازت تجربته الفنية استحسان لجنة التحكيم في معرض البحرين السنوي للفنون التشكيلية، كي يكون أحد الفنانين الذين يحوزون تكريم رئيس الوزراء سمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة بجائزة الدانة، التي تعد أهم جائزة في مجال الفن التشكيلي في البحرين، يعود مجددا بتواصل مع التجربة ذاتها، التي أخذت في التطور شيئا فشيئا، معلنا أن بصمته في مجال الفن ستظل محفورة على الجدران لفترة أطول.
المهدي بعد نجاح تجربته في الرسم الطفولي، أخذ يطور هذه التجربة، مستعينا بالرموز التي اخترعها وطورها، وأسلوبه الخاص في نشر الأشكال على مساحات اللوحة السابحة في الفضاء، عاد لجمهوره في 19 مايو الجاري بمعرض أقيم في البارح غاليري، ليتشارك مع محبي الفن أسلوبا اتصف بإحساس جديد من السعادة والحب والأمل.
«الوسط» التقت الفنان التشكيلي محمد المهدي للتعرف على آخر ما توصل إليه عبر تجربته الفنية، والتي يقدمها بين معرضه في البارح ومعرض آخر يقام له في دبي بالتعاون بين البارح غاليري و إكس في إيه غاليري.
في البداية، الفنان محمد المهدي يعود لتكرار تجربته الفنية بأريحية وسعادة أكثر مما بدت عليه في بداية تقديمه لهذه التجربة، فهل هذا التكرار نتيجة لأن هذه التجربة قادتك للحصول على جائزة الدانة، وفيما لو لم تكن قد فزت بها، فهل كنت ستواصل في تقديم هذه التجربة؟
- مواصلتي على هذه التجربة ليس لأنني فزت بالجائزة، فقد اتخذت هذا الأسلوب لأنني مقتنع به كأسلوبي الخاص، حتى أنني قبل فوزي كنت استخدمه وقدمت به أعمال لمعرض الوزارة الذي سبق المعرض الذي فزت به، أنا مقتنع به لأنه جزء من شخصيتي.
منذ متى بدأت في هذا الأسلوب ومتى أحسست أنه الأسلوب الأنسب لك والذي ستستمر في العمل من خلاله وتطويره؟
- بدأت هذا الأسلوب منذ نحو 3 سنوات، وذلك بالتحديد بعد معرض «الوجوه» الذي أقمته بالتعاون مع الفنان حسن الساري في جمعية البحرين للفن المعاصر، وعلى مدى ثلاث سنوات استمريت في العمل على نفس التجربة، رغم أنني بدأت بتجارب مختلفة إلى أن استقريت على هذا الأسلوب، فكانت تجربتي الأولى في معرض «الوجوه» هي البداية، ومن خلال هذه التجربة اكتشفت أن هذا الأسلوب موجود، ولن أتمكن من التميز من خلاله بسبب وجود كثيرين يمارسون الرسم بهذه الطريقة.
متى كانت نقطة الانتقال والبداية مع هذا الأسلوب الذي يصور رموز الطفولة في مشاهد مختلفة؟
- بعد معرضنا المشترك في جمعية البحرين للفن المعاصر قررت البحث عن تجربة خاصة بي، أتميز بها، فبحثت عن ذلك بشكل مستمر حتى اكتشفت رسومي القديمة التي كنت أرسمها حينما كنت صغيرا، والتي كانت مخفية بين جدران خزانة ملابسي، فاتخذته كأسلوب.
وواصلت على هذه التجربة رغم أن هناك أشخاص آخرين يقدمون أعمال بأسلوب طفولي؟
- هناك الكثير ممن يقدمون الرسم بالأسلوب الطفولي ولكن كل شخص بحسه.
بدأت بهذه الأعمال برسم الذكريات والانفعالات السلبية والذكريات السيئة التي واجهتك في طفولتك مثل حادث السيارة الذي مررت به، والذكريات المؤلمة التي مررت بها في طفولتك، فما سر الانتقال من تلك الحالة إلى حالة أكثر راحة وسعادة في أعمالك؟
- الإنسان يعيش ظروف الفرح والحزن، وهذا وارد لكل إنسان، فأنا أتعايش مع الظرف، ففي الوقت الذي أمر فيه بظروف سيئة، أرسم واكتشف ما يظهر في اللوحة، وحينما أكون سعيد أرسم أشياء مختلفة.
معظم مواضيعك مرتبطة بالذكريات فهل تستحضر الذكريات وتعيد رسمها أم هي الحالة الوقتية التي تمر بها هي ما ينعكس على أعمالك؟
- الذكرى مرتبطة بالحالة نفسية، فمثلا إذا كنت أمر في ظروف سيئة أتذكر أمورا جميلة محاولا الخروج من هذا الظرف، وهذا نوع من العلاج النفسي، وأحيانا حينما أكون سعيدا أتذكر ذكرى سعيدة وأرسمها، وأحيانا أرسم تخيلاتي ولا يرتبط الأمر بظرف أو ما شابه.
الأعمال التي تقدمها مؤخرا تتميز بالتركيز على فترة الزواج، ورمزيّ العريس والعروس الذين تكررا في أكثر من عمل من الأعمال التي قدمتها في المعرض، فما سر تكرار هذه اللحظة في أعمالك الجديد؟
- ذلك يعود إلى كون لحظة الزواج بالنسبة لي من أسعد الذكريات التي مررت بها في حياتي، وأرسمها بعاداتها، بلبس «البدلة» استعدادا للزواج، ورسمت في لوحات الزفة التقليدية للعريس وزفة السيارات.
ما هي اللحظات السعيدة الأخرى التي تجذبك لرسمها، وما سر ظهور بعض الشخوص الأسرية في أعمالك وبعض من المحيط الاجتماعي ممن هم حولك مؤخرا؟
- السعادة تبدأ من الأسرة، وهو أمر اكتشفته مؤخرا، إذ حينما تكون ظروف الأسرة جيدة فالكل سعيد، ومن هنا تبدأ السعادة.
وماذا بالنسبة للطيور والقطط ورموز الحياة البسيطة من حيوانات ووسائل مواصلات التي ترسمها؟
- سيارة النقل التي عليها بقرة تذكرني بأيام القرية القديمة والأشياء الشعبية، وكذلك الحمامة في عشها، والقطط التي أصبحت رمزا للبحرين لا تخلو منها الشوارع، أما عن الحيوانات، فأنا شخصيا أحب الحيوانات، وفي صغري أحب مشاهدة برنامج عالم الحيوانات في التلفزيون وأرسمها، وأعتقد أنني دخل مجال الرسم وتعلمته بسبب الحيوانات.
وماذا عن توظيفك لها في أعمالك، هلي هي رموز تلصقها أم هي جزء من الصورة العامة في مخيلتك، إذ نلاحظ أن بعض الرموز لا تكون متطابقة كليا مع الحدث الذي ترسمه؟
- يتدخل الخيال في بعض الأعمال، من خلال المبالغة، وإضافة أشياء غير واقعية للوحة، لأن اللوحة جزء من خيالي الداخلي.
هل وجود الرموز يشعرك بالراحة والانتماء للعمل لأنك تحبها؟
- وجودها ليس مجرد راحة بالنسبة لي، لأن الحيوان لا يمكن استئصاله من الوجود، فالحيوان موجود مع الإنسان، وهما مرتبطان من خلال تربية الإنسان للحيوان، فأنا شخصيا قد ربيت الحيوانات، وهناك لوحة كبيرة فيها قفص للحمام رسمتها من حبي للطيور، إذ كنت في صغري أربّي الحمام واستيقظ في الليل لأسهر معهم داخل القفص وأطمئن عليهم، فأرتاح حينما أرى الطيور والقطط الملونة، ولكنني أكره القط الأسود ولا أرتاح له.
يبدو ذلك من خلال ربطك بين القط الأسود والشيطان في إحدى اللوحات.
- هذه اللوحة هي وسوسة الشيطان، رسمت فيها الغراب والقط الأسود، وهو رمز تشاؤم عند العرب، وأنا وضعت رمز التشاؤم لدي، وحينما أقول وسوسة الشيطان، يقابله الإيمان والعبادة، حينما نستعيذ من الشيطان فإن خطته تفشل، لذلك ترى الشيطان وشوكته مكسورة والنور ينطلق من قبة المسجد ليكسر سهم الشيطان، وكلها دلالة على الإيمان.
بعد أن بدأت وتطورت في الرسم بهذه الطريقة، كان هناك أشخاص رسموا بهذا الأسلوب قبلك، ولكن هناك من أخذ هذا الأسلوب وقلده أيضا، فهل تعتبر هذا دليل نجاح، وهل تطمح لأن تكون رائدا في هذا الأسلوب؟
- اطلعت على الرسومات الطفولية، واكتشفت أن أكثرها ثابت على الأرض، لكنني كسرت القاعدة وجعلتها متطايرة في فضاء اللوحة، والأشكال حاولت أن أبتعد فيها عن المألوف وأن استخدم الرموز التي صممتها بنفسي والتي وجدتها على جدران خزانتي وبعض الأشكال حصلتها من رسوماتي وأنا صغير، فلذلك طورت هذه الأشكال لتكون أسلوبي المختلف.
هل تعتبر خزنة ملابسك المليئة بالرموز هبة بالنسبة إليك؟
- الخزنة هي مصدر الفكرة.
ماذا عن تقديمك لتجربتك في الرسم الطفولي على الورق وباستخدام الإطار بدلا من الحرية التي كانت فيها أعمالك على الألواح القماشية «الكانفيس» واستخدامك للإكريليك الذي يقرب المشاهد من العمل بشكل أكبر؟
- هذه ليست أول مرة استخدم فيها هذا الأسلوب، إذ استخدمته في السابق في معرض الرواق، بتقديم أعمال على الورق مؤطرة، إذ لا مهرب مع استخدام الورق بعدم استخدام الإطار.
وأنا استخدم الورق وهي مادة ليست بجديدة عليّ، إذ عرضت في الرواق وجمعية البحرين للفن المعاصر ورقيات، ولكن ما هو موجود هو تلوين أكثر في العمل بخلاف الرماديات، وهو دلالة على فترات سعادة كنت أمر بها إذ انقل مزاجيتي في العمل.
هل تعتقد أنك تؤسس بأسلوب رسمك الحالي إلى توثيق التراث من خلال منظور طفولي رصد ملامح البحرين في القرى بملابسهم وعاداتهم البسيطة؟
- رسمت من خلال لوحاتي قرية كرباباد كما كانت في الماضي، حينما كان المسجد والبحر والزراعة كلها بجانب بعضها، وهي من الأمور التي أتذكرها، فنقلتها وأنا أتذكر الفتيات بزيهم القروي «المشمر»، وجماليات القرية، وعدت لتذكرها ورسم البحر والأسر التي ترتاح في سياراتها قرب البحر.
لا أعتقد أنني عشت التراث كما عاشه الرسامين الأوائل في البحرين، فأنا عشت جزئيات من التراث، وأنا انقل ذلك بشكل طفولي وبمرح ارتاح له.
قد تكون هذه الذكريات هي تراث المستقبل بنظرة طفولية؟
- أنا أنقل أجزاء من قريتي كما كانت فيه في الماضي، وتفاصيل بسيطة من القرية في الماضي حينما كان البحر يتلاطم مع البيوت والبيوت نفسها تتداخل مع المزارع.
إذا محمد، العمل الذي تقدمه والذي يتألف من الشخوص والرموز المتناثرة في العمل، من أين يبدأ تكوين العمل، وأين تشعر أن العمل اكتفى من الإضافات، وخصوصا أن أعمالك تمتاز بمساحات راحة كبيرة للبصر، وبعضها يأتي مكتظا بالرموز؟
- أنا أبدأ اللوحة دون فكرة، أخربش وأملأ الفراغات، ومع ملء الفراغات تتكون الفكرة واستطيع وضع المفردات في أماكنها، ومن خلال ذلك أتذكر الموضوع الذي سأضعه في هذه الفراغات وهذا التكوين، أبدأ بلا موضوع وانتهي بالموضوع.
وتترك لنفسك ولإحساسك أن يقود العملية؟
- كل العملية مسألة إحساس، أنا أشتغل بالانطباع الذاتي، وما هو انطباعي ونفسيتي في لحظة الرسم سواء كان مزاجي سيئا أم جيدا، وأرى في النهاية ما يخرج في اللوحة.
هناك نوعان من الأعمال تقدمهما، أعمال تتميز بالراحة وتكون مساحات الراحة والنور أكبر، وأعمال تحمل الشعور السلبي والضيق وتكتظ وتظلم بما فيها، هل ذلك أمر عائد للمزاج أيضا؟
- دائما في الدراما، عند الفرح ينتشر الضوء، وعند الحزن يسود الظلام. السعيد يفتح يديه والحزين يغلقها وينزل رأسه، فهذا هو الرمز التعبيري لذلك، الفرح وفتح اليدين ودخول الضوء، بينما الحزن هو انكماش وانغلاق
أحب الأعمال ذات القيمة الدرامية، وأنا أعتمد على التلقائية في اللون والرمز، أحيانا ادخل اللون الأسود بقوة وهذا جزء من شخصيتي، وأعمالي أكثرها ذكريات من الطفولة وذكريات لفترات متقدمة، فمثلا قدمت المهرج الذي قد يتفاجأ الشخص لوجوده، بينما أنا أتذكر رحلة للبنان وفي أحد المقاهي القهوة الاعتيادية، الذي تفاجأنا فيه بتقديم المقهى لزجاجات الخمر مع القهوة، وأنا أنقل اللحظة التي تعجبت فيها، وخصوصا مع دخول مهرج داخل المقهى، وهي كلها صورة للحظة التي رأيتها.
كما قدمت في مجموعة أخرى رحلتنا للمغرب، وكيف نقلت الرحلة التي كانت ماراثونا في الباص مع مجموعة من الفنانين والمثقفين، والباص وهو يطير على دوار، لأن المساحات في المغرب شاسعة وخضراء، ورسمت الحمير التي كانت منتشرة وهي تتطاير، ورسمت البيوت البيضاء ذات النوافذ الزرقاء.
وماذا عن المعرض الذي تقيمه في دبي؟
- هو معرض أقيم بتاريخ 17 مايو الجاري، قدمت فيه 25 عملا، ومجموعة الأعمال هي ذكريات، إذ اعتمد على ذكرياتي وانطباعاتي وتخيلاتي، وكلها رماديات تختلف في القياس من كبير إلى وسط إلى صغير، وقدمت فيها بالدرجة الأولى الزواج وعاداته وتقاليده ودخول العروس للصالة والحضور المنجذبين إليها، ومن يخدمون الضيوف.
كما صورت الخطوبة في المأتم والنور الساطع، وسعادة العريسين بكل تلك التفاصيل.
والمعرض يقام بالتعاون بين البارح وصالة إكس في إيه غاليري، إذ قدمت لي هيفاء الجشي مديرة البارح كل الدعم اللازم لإنجاح هذا المعرض، وأتمنى أن أوفق في المعرض.
أخيرا محمد، ما سر المنصب الإداري الذي تشغله في جمعية البحرين للفن المعاصر والذي أعلن مؤخرا في الصحف؟
- لا علم لي بتفاصيل هذا الموضوع، ولكنني أؤكد أن لا مناصب إدارية لي، ووقتي الحالي مفرغ فقط لممارسة الفن.
العدد 2449 - الأربعاء 20 مايو 2009م الموافق 25 جمادى الأولى 1430هـ