«اليمن قنبلة موقوتة». هذا ما صرح به الرئيس اليمني علي عبدالله صالح في مقابلة صحافية. الكلام صحيح وليس للتخويف، وربما قيل لتحذير دول الخليج العربية من المخاطر المحتملة في حال انفجرت حقول الألغام القبلية والمناطقية في البلاد التي تقع على باب المندب الاستراتيجي.
كلام الرئيس اليمني ربما جاء متأخراً باعتبار أن البلاد دخلت في أزمة عنقودية مفتوحة ومتدحرجة على حالات من التمزق السياسي قد يؤدي في حال تواصلت إلى نشوء دويلات متناحرة في المحافظات الشمالية والجنوبية. صعدة مثلاً أعلنت منذ ثلاثة أيام التمرد على الحكومة المركزية في صنعاء وشكلت ولاية خاصة (حكم ذاتي) وطردت المحافظ وعينت بديلاً يتمتع بعلاقات مميزة مع الحوثيين.
استقلال محافظة صعدة في الشمال قد يكون مؤقتاً وردة فعل على تفرد الرئيس صالح بالحكم لمدة 32 عاماً، وربما تكون الخطوة بداية تصدع اليمن وتشرذمه إلى ولايات مستقلة وحكومات محلية تتمتع باستقلال ذاتي يتحرك في المحافظات على هامش المركز. وهنا بالضبط تكمن خطورة الإعلان عن الحكم المحلي في صعدة، باعتبار الخطوة رسالة سياسية لكل المحافظات التي أخذت تعاني من تشتت الولاءات وضعف الدولة ونهوض قوة القبيلة ودورها الخاص في التحكم بشئون مناطقها.
النموذج الحوثي في صعدة يعطي فكرة واضحة عن مآل «القنبلة الموقوتة» في حال انفجر اليمن وتوزع إلى مراكز قوى متخاصمة تتنافس على فرض نفوذها في منطقة الحكم المركزي. فالبلاد في تلك المرحلة لن تكون سعيدة على الإطلاق كذلك لن تعرف دول الجوار الاستقرار الأمني بسبب تلك الامتدادات الجغرافية - القبلية العابرة للحدود أو تلك الخطوط المتداخلة والمتشابكة بين المحافظات.
المشكلة لن تتوقف بخروج صالح من الرئاسة، كذلك لن تنتهي إذا قدم الحزب الحاكم استقالته من السلطة. هذا النوع من الفراغ السياسي يتطلب فعلاً معالجة دستورية تتبع إجراءات قانونية تعطي مهلة زمنية لعملية الانتقال السلس من ضفة إلى أخرى. فالانتقال ليس سهلاً لكنه ليس صعباً أو من المستحيلات إذا توافرت له تلك الشروط من طرف قوى الاعتراض وتلك الضمانات من طرف الرئيس.
موافقة الرئيس اليمني على التنحي القانوني وضمن ضوابط الدستور تعتبر نوعاً من الاعتراف الرسمي بالفشل وعدم القدرة على الاستمرار إلى نهاية فترة رئاسته. وهذه الخطوة التراجعية تحتاج في المقابل إلى خطوة تتجه نحو التقدم الإيجابي لاحتواء الأزمة المفتوحة والمتدحرجة ومنع القنبلة الموقوتة من الانفجار.
المسألة اليمنية تجاوزت في طورها الراهن منصب الرئاسة وموقع الرئيس صالح ومراكز القوى الحزبية في السلطة. فالرئيس أصبح من الماضي باعترافه الشخصي وهذا الأمر يتطلب من قوى الاعتراض أخذ الحيطة والحذر حتى لا ينزلق اليمن إلى حقول ألغام تعرض وحدته إلى انشطارات مناطقية - قبلية على غرار ما جرى في محافظة صعدة.
المعارضة أيضاً مسئولية وليست رفضاً عشوائياً لكل المعروض والمطروح، وهي تشكل في منطق التسلم والتسليم قوة صاعدة وبديلة. والبديل حتى يتجنب الفراغ الدستوري ويمنع انفجار القنبلة القبلية الموقوتة لابد له أن يمتلك تصورات وخطط عمل وبرامج واضحة في خطواتها المتدرجة والانتقالية.
الرئيس اليمني في خطاباته الأخيرة اعترف بالفشل وأبدى استعداده للتنازل عن منصبه والتراجع عن مواقعه ضمن مهلة زمنية وفي إطار مجلس انتقالي دستوري يضمن قانونياً عملية التسلم والتسليم حتى لا تقع البلاد في فراغ وتتدحرج إلى حقول الألغام وتنفجر القنبلة الموقوتة. فالكلام حتى لو كان مناورة وقيل للمماطلة وكسب الوقت فإنه يتمتع ببعض الصدقية (اللفظية) ويعطي فرصة للحل أو على الأقل لوقف تدهور الأزمة وانجرافها إلى ما يشبه النموذج الليبي.
الرئيس اليمني في عروضه التفاوضية يختلف عن تلك التهديدات بالسحل والسحق والقتل والإبادة التي تفوه بها ديكتاتور الجماهيرية. فالطاغية الليبي لم يعترف بالشعب أو بالخصوم أو بوجود قوى الاعتراض وإنما قدم حلاً وحيداً الموت أو الخنوع والخضوع. وبسبب هذا الحل الدموي أدخل الديكتاتور ليبيا عنوة في دائرة التدويل وأعطى ذريعة للدول الكبرى بالتدخل الخارجي لحماية الناس من الإبادة وعرَّض مصالح البلاد والعباد إلى مخاطر لا يعرف متى وأين تنتهي.
العقيد الديكتاتور لم يعترف أصلاً بوجود الآخر، ورفض أن يعترف أنه يتمتع بصلاحيات حتى يستقيل منها. بينما الرئيس صالح يعترف بقوى الاعتراض وأنه يمتلك مواقع في السلطة وأنه مستعد للتنازل عن منصب الرئاسة وهو يعرض خطة عمل للتفاوض بشأنها. هذا الفارق بين ديكتاتور الجماهيرية ورئيس اليمن لابد أن تلاحظه قوى الاعتراض حتى تتجنب الوقوع في الخطأ الكبير وتبدأ بدفع الأزمة إلى طور الانقسام الأهلي وانشطار البلاد وتقويضها إلى مراكز قوى تتناحر على السلطة المركزية في وقت تكون خريطة البلاد توزعت على الأطراف.
استعداد الرئيس اليمني للتنازل عن صلاحياته خلال 60 يوماً، وعدم امتناعه عن التفاوض على خطة التسلم والتسليم في إطار زمني يشرف عليه المجلس الانتقالي المقترح تأسيسه لضمان وحدة البلاد ومنع انفراط عقدها القبلي - العنقودي وتجنيب انشطارها إلى وحدات (محافظات) تنازع المركز على السلطة... كلها خطوات يمكن الأخذ بها في حال قررت قوى الاعتراض تجنب الاحتمالات الأخرى الدموية والمخيفة.
لاشك أن قوى الاعتراض في اليمن متنوعة المشارب ومتعددة الألوان والموارد وهي قد لا تكون متوافقة إلا على بعض النقاط وتحديداً استقالة الرئيس من منصبه. والاختلاف في توجهات المعارضة لا يمنع التفاهم على بديل دستوري مؤقت يأخذ صلاحيات السلطة من الرئيس في إطار خطة مدروسة ومنظمة تتحاشى الانزلاق نحو مخاطر النموذج الليبي.
هناك فرصة لقوى الاعتراض اليمنية وهي قد لا تكون كافية الآن ولا تلبي الطموح في حده الأقصى، لكنها تفتح الباب أمام حل معقول في حدوده الدنيا. وهذا الفارق بين طاغية الجماهيرية واستبداد الرئيس يعطي القوى اليمنية قنوات اتصال للبحث والتفاهم على مخرج لأزمة شديدة التعقيد والتداخل والتشابك في أسبابها ومسبباتها.
المعارضة لابد أن تأخذ العرض ولا مانع أن تتحفظ على بعض تفصيلاته حين يبدأ الحوار لترتيب آليات التسلم والتسليم. القبول بالموجود ليس ضعفاً ولا يعني تراجعاً لكونه يأتي في سياق اتفاق إطار يبدأ من أعلى الهرم ويتدرج إلى قاعدته. والرئاسة في اليمن أسهل الأمور لأن المشكلة الحقيقية لا تنتهي بانتزاع المنصب وصلاحياته وإنما تبدأ حين تأخذ المعارضة المبادرة وتتحمل مسئولية إدارة أزمات بلاد مهددة بالانهيار وانفراط عنقودها القبلي. المشكلة الحقيقية لا تتمثل في خروج الرئيس من منصبه وإنما حين يسلم تلك «القنبلة الموقوتة» لقوى الاعتراض
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 3125 - الأحد 27 مارس 2011م الموافق 22 ربيع الثاني 1432هـ
عساف خليجي
كل حاكم قال انه صمام الامان وحامي الدولة عجبا كأنه لم يخلق غيره ليتولى زمام الحكم ويدير شؤون البلاد كلام عقيم الشعوب تعلمت من تجاربها ومن الخدع والفتن التي يصنعها النظام حتى يخلو له الجو ويقوم بالفساد والنهب والسرقة بينما الشعب تعب من الصراعات الطائفية المشعلها النظام أو متعب من اللهث وراء لقمة العيش .
كفى ياصالح أكاذيب انت مثل غيرك من المفسدين والعملاء ضد شعوبهم .
و هل "صالح" هو الضمانة لعدم انفجار اليمن!!
أستغرب كثيراً مما تشير إليه يا أستاذي الفاضل وليد ..