كثير من الأزمات التي يتخبط فيها العالم العربي والإسلامي سياسية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية أو فكرية، مردها إلى تصدع جدران الثقة وغيابها وهشاشتها، حيث إن معظم هذه الأقطار تعيش أزمة ثقة على كل المستويات، مما أصبح يشكل تهديدا حقيقيا لنسيجها الاجتماعي وإغراقها في فتن داخلية طائفية ومذهبية وسياسية على حساب وحدتها وسيادتها واستقرارها، وما هو حاصل في اليمن والعراق والسودان ولبنان خير شاهد على ذلك.
فغياب الثقة وفقدانها أصبح ظاهرة اجتماعية ملفتة للانتباه، تحتاج إلى دراسة وتشخيص، وذلك بتحديد الأسباب وطرق العلاج وعوامل تعميق واسترجاع هذه الثقة الغائبة، وتمتين قواعدها والقناعة الراسخة والثابتة من كل الأطراف المشكلة للحراك السياسي والاجتماعي والثقافي بجدواها وأهميتها وضرورتها وتثبيت دعائمها في النفوس والقلوب قبل الواقع والميدان.
إن الثقة كانت من السمات البارزة التي صاحبت كل حركات التحرر والانعتاق من ربق الاستعمار لدى الشعوب العربية ونخبها السياسية والثقافية، والتي أثمرت آنذاك أخوة ووحدة وتعايشاً وتعاوناً، وإن اختلفت التوجهات الفكرية والايديولوجية، فكانت النتيجة المنطقية لذلك الحرية والاستقلال.
لكن مع بداية بروز الدول الوطنية، وبداية ظهور الانحرافات عن طبيعة الدولة التي أرادها وكان يحلم بها الشهداء والمجاهدون الذين أعلنوا الثورات على امتداد مساحة الوطن العربي، بدأت الثقة تترنح، وبدأ منحناها البياني في الانحدار، مما أفرز الكثير من الانزلاقات والانتكاسات في معظم هذه الأقطار..
وإشكالية الثقة هذه لم تحل إلى الآن بالشكل المطلوب، وبقيت تتجدد إفرازات غيابها بين الحين والآخر، في هذا القطر أو ذاك، وبأشكال جديدة ومظاهر مختلفة.
على المستوى السياسي نجد التيار لا يمر بين السلطة والمعارضة، والعلاقة بينهما إلا القليل النادر تحكمها المصالح الآنية والمنافع الذاتية والمزايدات وتصفية الحسابات على حساب المصالح العامة، هذه العلاقة يسودها التشكيك والتخوين واتهام النوايا والعمالة للأجنبي والأحكام المسبقة ولي الذراع وكسر العظام وإرادات التصفية والإلغاء. على مستوى السلطة: نجد تصارع الإرادات والأجنحة المتباينة والمختلفة باختلاف وتناقض وتصادم مصالحها، وتشكيل لوبيات المصالح وعصب الاستفادة من الريع والمال العام.
على مستوى المعارضة: كذلك لم تشذ عن القاعدة، حيث نجدها في كثير من الأحيان يشوبها الإقصاء والإلغاء وتبادل التهم والتنافس غير الشريف والمصالح الحزبية والشخصية وتعدد ولاءاتها الخارجية، على حساب بعدها الوطني والاستقواء بالأجنبي على أبناء الوطن وضعف المساهمة في تعميق وانتشار الوعي العام، مع تمسكها بثقافة التبرير والتحجج وصناعة الأعذار للتملص من القيام بدورها الإصلاحي كما ينبغي. كل ذلك يتم بعيدا عن التقاليد الديمقراطية الحقيقية التي كان من المفروض أن تسود ساحتنا السياسية، وتكون هي الضابطة لكل هذه العلاقات، إن بين السلطة والمعارضة أو بين المعارضة والمعارضة أو بينهما وبين الشعب، الذي كان ينبغي أن يكون تحقيق مصالحه ورفع الغبن عنه هو الدافع للتنافس وهو المقصود من عمل كل الأطراف المشكلة للمحيط السياسي.
على المستوى الثقافي: قل نفس الكلام، إذ إن تعدد الثقافات في المجتمع الواحد المفروض أن يكون مؤشر تكامل وتنوع ووحدة وقوة وثراء، بدل أن يكون عامل فرقة وتمزيق واختلاف وصراع.
على مستوى الحركات الإسلامية: حتى على مستوى العمل الإسلامي والحركة الإسلامية، نجد أن الثقة تكاد تكون غائبة ومعدومة ومفقودة بين هذه الحركات، حيث إن العلاقة التي كان ينبغي أن تكون علاقة تنسيق وتعاون واجتماع حول المتفق عليه وهو كثير والاعذار في المختلف فيه وهو قليل، نجد البعض منهم يعكس القاعدة، إذ قد يطمئن إلى من هو خارج الدائرة وينسق ويمد حبال التواصل معه ويعمل جاهدا على التقرب منه أكثر فأكثر وهو أمر محمود لاشك، حتى يصل في بعض الأحيان إلى درجة الذوبان والاحتواء، والعكس يفعله مع من يجمعه معهم نفس الهدف والغاية وإن اختلفت الوسيلة.
على المستويات الاقتصادية والعلمية والفكرية والاجتماعية حدث ولا حرج على مظاهر فقدان الثقة في ساحتها
إقرأ أيضا لـ "جمال زواري أحمد"العدد 3122 - الخميس 24 مارس 2011م الموافق 19 ربيع الثاني 1432هـ
عساف خليجي
من اسباب فقدان الثقة استخدام الطرف القوي قوته البنيوية من دفاعات سلطوية كالسلاح والمال واعتماده عليها اعتمادا كليا في اي حوار وتفاهم دون اللجوء الى احترام الطرف الأخر اي الاستهانه به وجعله في موقف ضعيف يستسلم وينهزم او يتراجع خوفا لا قناعة من تفكير واعي ومنطقي والتي هي بالطبع مفقودة عند المتسلطين .