العدد 2448 - الثلثاء 19 مايو 2009م الموافق 24 جمادى الأولى 1430هـ

مشروع «ترميم» الشمالية

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لكي تنجح حملة «ارتقاء»، للنهوض بالمحافظة الشمالية، لابد من تضافر الجهود الأهلية والرسمية معا، فمهما كان حسن النوايا وروح التطوع، فلن يصلح العطّار (وحده) ما أفسد الدهر.

التبعة ثقيلة، والإهمال قديم، ويكفي أن تقطع شارع النخيل من جهة كرّانة وتخرج من جهة الدراز لترى الوضع بلا رتوش. وليس صحيحا تحميل هذا المشروع الجميل فوق طاقته، فما تم حتى الآن إنجاز الجداريات، وهو الجزء الأسهل، إذ لا يحتاج إلى أكثر من توفير الأصباغ ليتقاطر المتطوعون للعمل سراعا. أما المشاريع الأخرى فتحتاج إلى وقتٍ أطول، وإمكانات أكثر حتى تبدأ نتائجها البطيئة بالظهور.

التشجير ونشر اللون الأخضر يحتاج إلى تخصيص مساحات وبذور وريّ ويد عاملة، والارتقاء بالوضع البيئي والصحي والسكني يتجاوز المجلس البلدي إلى إمكانات وزارات الصحة والبلديات والإسكان. وليس صحيحا التعويل على قدرات مجالس بلدية محدودة الصلاحيات، تمر بأسوأ ظروفها بعد تقليص موازناتها إلى الحد الأدنى. من هنا لابد من دعم هذه المبادرة الوطنية رسميا وأهليا إلى أقصى الحدود.

القرية كانت تقليديا هي التي تطعم المدينة عبر العصور، وتوفّر احتياجاتها الأساسية، إلى أن تغيّر نمط الإنتاج الصناعي الحديث. هذه الفضيلة غالبا ما كان يقابلها الجحود، وكثيرا ما كان ينظر سكان المدن إلى غيرهم على أنهم أقل شأنا. وهذه النزعة الفوقية التي تجدها في الأدب منذ العصر الأموي والعباسي، مازالت تتردد في كتابات بعض باعة الأوهام، الذين يدندنون على نغمة «المدينة» و «القرية»، في أصغر بلدٍ عربي، المسافة بين مناطقه لا تزيد عن كيلومتر واحد!

الحملة تُحسن صنعا بإثارة روح الانتماء الحميم للمكان، وخصوصا بعدما تعرضت هذه الروح للتآكل، بفعل عوامل التعرية والاحتكاك والاستهداف والتمييز. وهي عوامل من شأنها خلق مشاعر ومواقف وردود فعل تضر أحيانا حتى بأصحابها، في ظروفٍ يُستلب فيها الوعي.

يجب التذكير مجددا أن الحملة انطلقت من منطقة احتكاكٍ واحتقانٍ دام سنوات، وفي الأشهر الأخيرة كانت مسرحا ليليا لحرق الإطارات وإطلاق مسيلات الدموع، وشهدت سقوط ضحايا وخسائر مادية ومعنوية كبيرة. والاستعداد الفطري للنسيان وتجاوز الآلام، هو ما ينبغي البناء عليه في رسم السياسات المستقبلية ومد جسور الثقة وتغليب لغة الحوار على روح الكراهية والعداء.

الشهور الأخيرة حملت دروسا للجانب الرسمي، ودروسا أخرى للشارع أو لمن يؤثر فيه، بضرورة إعادة التفكير في أساليب العنف والعنف المضاد. فأساليب المواجهة غير الضرورية تحمل كلفة وخسائرَ وأذى للمجتمع بأكمله، دون وجه حقٍ أو تخويلٍ، مهما كانت المبررات وأحقية المطالب وحركات الاحتجاج.

لا أحد يقبل بالظلم والإقصاء والتمييز، ولكن لابد من ترشيد طرق الاحتجاج أو المطالبة بالحقوق، فهل من الصحيح أن أحتج على سياسةٍ خاطئةٍ كالتجنيس مثلا، بإغلاق الشارع وحرق المصابيح وإغراق مناطق كاملة في الظلام؟ وهل صحيحٌ معارضة بعض السياسات بتعطيل إشارة المرور أو حرق محوّل كهرباء في أية قريةٍ بائسة؟ وكيف يحقّ لأقليةٍ قليلة أن ترتهن الشارع بتصرفات غير محسوبة العواقب، يعمّ ضررها وأذاها، ولا تنتج إلا مزيدا من الأذى والابتعاد عن تحصيل المطالب المشروعة والحقوق؟

يمكن لأيّ فردٍ أن يشعل شمعة في زقاق مظلم، أو يزيل اللافتات الممزّقة التي فات موسمها، أو يمتنع عن لصق إعلان على اللوحات الإرشادية في الطريق... ولكن ليتجنب الحديث إن وجد أكواما من وثائق حكومية في حاويات القمامة على قارعة الطريق!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2448 - الثلثاء 19 مايو 2009م الموافق 24 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً