العنوان مستوحى من نداء وجهه الفيلسوف الألماني كارل ماركس، دعا فيه عمال العالم إلى الاتحاد في وجه الرأسمالية التي تنهب قوة عملهم، متوصلا إلى هذه النتيجة بعد دراسة معمقة للاقتصاد السياسي الأوروبي أساسا، وبعد تشخيصه للعلاقة بين رأس المال والعمل المأجور، و»القيمة المضافة» التي يولدها ذلك العمل، ويلتهمها رأس المال.
جير ماركس، فيلسوف القرن العشرين، رغم أنه عاش في القرن التاسع عشر (1818-1883)، استنتاجاته الاقتصادية لخدمة برامجه السياسية التي لخصها في كراسه المكثف «البيان الشيوعي».
ما يدعو إلى استذكار شعار ماركس «يا عمال العالم اتحدوا، فليس هناك ما تفقدونه سوى أغلالكم»، ويجعله يطفو على سطح الذاكرة هو نتائج انتخابات الكويت الأخيرة، وما تلاها من لقاءات عقدها أمير الكويت مع أربعة من رؤساء مجلس أمة سابقين، هم من رجال الأعمال الكويتيين البارزين.
وليست الصدفة المحطة وحدها هي التي تضع رئاسة المجلس في يد أحد تجار الكويت، بل ربما أصبح ذلك بمثابة العرف الذي يأخذ به أعضاء مجلس الأمة الكويتي، نظرا لما يتمتع به التاجر الكويتي من ثقل سياسي، وانسجاما مع حجم الدور الذي يمارسه ذلك التاجر في العملية الانتخابية برمتها. العملية متكاملة إذا، ولقاء الأمير برؤساء المجالس هو تعبير عن رغبته في استشفاف رأي قطاع رجال الأعمال في تشكيل الحكومة المقبلة. ليس القصد من وراء هذا القول الذهاب إلى استنتاج مفاده الإعجاب المطلق بالتجربة البرلمانية الكويتية، ولا التقديس المبالغ فيه لدور التاجر الكويتي السياسي، بقدر ما هو لفت نظر التاجر البحريني إلى مسألة في غاية الأهمية وهي، أنه في مقابل حضور التاجر الكويتي القوي في العملية السياسية، نلمس حضور التاجر البحريني الباهت فيها، إن لم نمعن في تشاؤمنا فنذهب إلى القول بغيابه الملموس، كفئة اجتماعية، عنها، وابتعاده عن دورتها في معظم مراحلها. بالطبع تقف وراء الظاهرتين، البحرينية والكويتية، عوامل تاريخية، لها علاقة بتطور العلاقات بين فئات المجتمع المختلفة، بما فيها العائلات الحاكمة، ليس هنا مجال الخوض فيها.
لقد كان للتاجر البحريني بعض العذر، ولا نقول العذر كله، فليس هناك مطالب تنتزع بالسبل الهينة، والصعوبة لا تعني، هنا بأي شكل من الأشكال العنف، بقدر ما هي استخدام القنوات الشرعية وممارسة الضغوط السياسية من خلالها... نقول بعض العذر أبان سيادة قانون أمن الدولة، وما أدى إليه من ممارسات قمعية، فإن هذا العذر لم يعد قائما بعد المشروع الإصلاحي، وأجواء الديمقراطية التي رافقته، بغض النظر عن الشوائب التي تعتري أساليب تطبيقها.
حالة الهامشية السياسية المعاصرة التي يعاني منها التاجر البحريني لها أسبابها، قبل مبرراتها، والتي يمكن تلخيص أهمها في النقاط التالية:
1 . الأوهام التي ما يزال يعلقها التاجر البحريني على السلطة وإداراتها المختلفة، حيث يتوقع منها أن تأخذه في الحسبان عند توزيعها للحصص السياسية على فئات المجتمع المختلفة. ويبدو أن السلطة، هي أول وأكثر من أدرك هذه الأوهام، فوجدناها لا تكف عن دغدغة عواطف ذلك التاجر، بوضع بعض العظام على أطباقه، والاحتفاظ باللحم لمن ترى لديهم درجة أعلى من الولاء، أو لمن تريد أن تستخدمهم في معاركها ضد التجار أنفسهم. الدلائل على ذلك كثيرة، وجردة سريعة لأسماء بعض الوزراء وفئة من أعضاء مجالس الشورى، ولا نقول الكل، تكشف صحة هذا القول.
2 . التشظي داخل الكتلة التجارية ذاتها، التي تتنازعها الكثير من عناصر الخلاف، وتدفع إلى الخلف، كل عوامل الاتحاد. هناك الصراعات العائلية المتوارثة من أجيال قديمة، وهناك الانشطار الطائفي الذي غذته القوى الخارجية في السابق، وتغذيه القوى الداخلية في الوقت الحاضر. هذا التشظي بات يلمسه المواطن في حالات كثيرة، من بين أهمها، انتخابات المجالس البلدية، الانتخابات النيابية، انتخابات مجالس إدارة الشركات.
العنصر الطائفي يطفو على السطح، كما يطفو القذى على العين، عند تأسيس الشركات وترشيح أعضاء مجالس إدارتها، حيث تؤخذ في الحسبان «الكوتا» الطائفية، بدلا من الكفاءات الإدارية أو المهارات المهنية.
3 . فقدان المؤسسة السياسية، التي بوسعها أن تعبر وبصدق عن مصالح التجار، وهنا لا بد من التوقف بكل جدية أمام الصورة المشوهة التي نجح إعلام السلطة في غرس معالمها في ذهنية المواطن حول التاجر البحريني، والتي بدى فيها هذا التاجر بشعا، همّه الوحيد تحقيق أعلى نسبة من الأرباح، ضاربا عرض الحائط، بكل ما هو سوى ذلك. هذه الصورة غير المطابقة للواقع، حفرت نفسها عميقا في الشارع السياسي البحريني، دون أن تواجهها صورة مشرقة أخرى من صنع التاجر نفسه.
لم يتحرك التاجر البحريني بالمستوى المطلوب، ولا بالسرعة المناسبة التي تغير من معالم تلك الصورة المزيفة، الأمر الذي قزم من دوره السياسي، وجرده من إمكانية المساهمة السياسية البناءة في عملية الحراك السياسي التي عرفتها البحرين، وعلى وجه الخصوص، على امتداد السنوات السبع الماضية من عمر المشروع الإصلاحي.
هذه الحالة السياسية الراهنة غير المرضية تطلب من تجار البحرين مراجعة أوراقهم التي يلجون بها هذه الساحة التي ستلتهب قريبا بفضل اقتراب موعد انتخابات الدورة الثالثة للمجلس النيابي، التي نأمل أن يبادر التجار إلى الاستعداد لها في مرحلة مبكرة كي يقطفوا الثمار التي يستحقونها منها.
والخطوة الأولى على هذا الطريق هي بروز كتلة تجارية سياسية موحدة، ومتحدة في آن، ترتفع عن الصغائر التي من شأنها شق صفوفها، وتشخص بشكل علمي الدور الذي ترى نفسها أهلا لممارسته، وترسم على نحو دقيق خطوط التحالفات التي تريد أن تنسجها، بعيدا عن أية ضغائن مسبقة، أو أوهام وردية غير مطابقة للواقع. لأن اتحاد تجار البحرين في وجه منافسيهم وتكتلهم أمام أعدائهم هو أمضى سلاح يمكن أن يشهروه من أجل تحقيق أفضل الانتصارات، ليست الآنية والقصيرة المدى، فحسب، وإنما المستمرة ذات البعد الاستراتجي أيضا.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2448 - الثلثاء 19 مايو 2009م الموافق 24 جمادى الأولى 1430هـ