العدد 2448 - الثلثاء 19 مايو 2009م الموافق 24 جمادى الأولى 1430هـ

مناورات إسرائيلية... وقلق لبناني

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

مخاوف كثيرة تقلق اللبنانيين قبل اقتراب موعد الانتخابات النيابية المقرر في 7 يونيو/ حزيران المقبل. المخاوف متنوعة الأشكال والألوان وتشمل مجموعة ملفات إقليمية وداخلية ترمي بثقلها على المواطن وتدفعه نحو المزيد من الانتباه لكل المتغيرات الدولية التي يمكن أن تترك تأثيرها على المعادلة المحلية. وبسبب ترابط الملفات وتعددها بدأ يرتسم في الأفق السياسي اللبناني ذاك السؤال القلق عن احتمال عدم حصول انتخابات في موعدها المقرر والاكتفاء بالتمديد للمجلس الحالي إلى حين توافر فرصة مناسبة للاقتراع.

الكلام عن إلغاء الانتخابات أو تأجيلها أو تعديل موعدها أخذ يلقى القبول من المجموعات المترددة التي لا تتوقع الكثير من نتائجها. فهذه المجموعات لا ترى فائدة من انتخاب مجلس نيابي جديد مادامت الملفات الإقليمية مجمدة أو عالقة وتنتظر إشارات ضوئية دولية وإقليمية للبدء في معالجتها. فما الفائدة من إجراء انتخابات إذا كان مصير بيروت موقوف على حل الملف النووي الإيراني أو خريطة العراق السياسية أو مشروع السلام في «الشرق الأوسط» أو توافق «حماس» و«فتح» على حكومة وحدة وطنية.

بهذا المعنى السياسي يرى الكثير من المراقبين أن الانتخابات باتت مرهونة بالإطارات الإقليمية ومدى تقارب أو ابتعاد الأطراف عن شبكة التفاهمات والتنازلات المطلوبة لترسيم خطوط التماس وتوزيع المواقع والأدوار. حتى الآن لاتزال الأطراف اللبنانية الرسمية والشعبية تؤكد أن الانتخابات النيابية ستعقد في موعدها وليس هناك ذريعة سياسية لتأجيلها.

رئيس الجمهورية أكد التزامه الموعد القانوني مشيرا إلى أن الظروف لاتزال مناسبة. رئيس مجلس النواب أكد الأمر نفسه في اعتبار أن المنطقة تعيش مرحلة استقرار. كذلك اتجه رئيس مجلس الوزراء نحو تعزيز القناعات التي تشجع على الاستمرار في العملية السياسية.

إصرار السلطة في مواقعها الرئيسية الثلاثة على عدم وجود مبررات كافية تمنع إجراء الانتخابات في موعدها القانوني ليس كافيا لإقناع اللبنانيين بالانفراج القريب. فالبلد الذي انكشفت ساحته في حرب 2006 لم يعد في مكان يسمح لأهله تصديق كل ما يقال رسميا لكون آليات السياسة في لبنان تتحكم بها مجموعة مراكز قوى لا تكترث كثيرا للحسابات الداخلية.

حسابات اللبنانيين تعطي دائما أهمية قصوى للمتغيرات الدولية والإقليمية ومدى انعكاساتها السلبية والإيجابية على المعادلة المحلية. مثلا عدم اتفاق «حماس» و«فتح» على هيكلية جديدة للحكومة الوطنية الفلسطينية يعني استمرار الحوار في القاهرة على آفاق مفتوحة على تداعيات سيكون لها تأثيرها على أمن المخيمات في لبنان. وعدم تفاهم أوباما مع نتنياهو على مشروع حل سلمي على أساس الدولتين يفتح الباب الإقليمي على مجرى رياح ساخنة في الصيف المقبل. وإصرار حكومة أقصى التطرف في تل أبيب على فكرة تهويد القدس وتوسيع المستوطنات يفترض وجود احتمال مشروع ترحيل للفلسطينيين ما يعني أن موضوع العودة لايزال في طور التأجيل والتسويف والتخدير. وعدم وضوح صورة الانفتاح الأميركي على المحور السوري - الإيراني والتباس فكرة «اليد الممدودة» وغموض شكل طاولة حوار «وجها لوجه» كلها عناصر تأزيم إقليمية قد تنتشر مفاعيلها السلبية على ساحة مفتوحة على احتمالات شتى.


فوضى إقليمية

كل هذه الفوضى السياسية الإقليمية «المنظمة» تعزز يوميا قناعات مجموعات لبنانية تؤكد احتمال حصول «شيء ما» يعطل إمكانات ترتيب الانتخابات في موعدها القانوني. حتى أمين عام حزب الله السيدحسن نصرالله لم يستبعد احتمال وجود مفاجأة إسرائيلية تسبق المناورات العسكرية التي أعلنت تل أبيب عنها وستبدأ في 31 مايو/ أيار الجاري وتنتهي في 4 يونيو/ حزيران المقبل يوم وصول الرئيس باراك أوباما إلى القاهرة لإلقاء كلمة يرجح أن تركز على التصور الأميركي لمشروع السلام في «الشرق الأوسط».

المخاوف اللبنانية إقليمية في جوهرها ولكنها تكشف عن قلق عام يشير إلى وجود قناعات بعدم جدوى انتخابات لا تقدّم ولا تؤخّر في مسار العملية السياسية المحلية. فالانتخابات النيابية حين تكون مجرد مشهد مسرحي في الإطار الديمقراطي تصبح النتائج المتوقعة لا قيمة سياسية لها إذا كان مصير الناس تتحكم به آليات مرهونة بالتطورات الإقليمية.

هذه «الأشباح» التي تدير السياسة اللبنانية من وراء الكواليس عززت درجة حرارة التوتر في الساحة المحلية وخصوصا بعد اكتشاف مجموعة شبكات تعمل لدى المخابرات الإسرائيلية (الموساد) وتزود العدو المتربص على الحدود الجنوبية بالمعلومات والعناوين والصور. فالأشباح غير المرئية المعطوفة على شبكات المخابرات ساهمت في نشر حال من الانتظار والترقب وتوقع حصول «تطور أمني» قبل اقتراب الموعد القانوني للانتخابات.

هل هناك ضربة استباقية تبادر إليها حكومة تل أبيب المهووسة بالانتقام تحت مظلة إجراء مناورات عسكرية شاملة في مختلف مناطق الكيان؟ الأجوبة مفتوحة مع ترجيح استبعاد الاحتمال لكون الإدارة الأميركية لم تستقر حتى الآن على خيار نهائي.

استبعاد العدوان في الأمد المنظور لا يلغي نهائيا الاحتمال مادامت تل أبيب لم تتوصل بعد إلى الاقتناع بضرورة البحث جديا عن مخرج سلمي للمسألة الفلسطينية. ومجرد عدم توصل الأطراف المعنية إلى صيغة مشروع حل ينظم الاستقرار ويرتب العلاقات الإقليمية يعطي دفعة من القلق للمجموعات اللبنانية المترددة التي لا ترى فائدة من عملية سياسية لا وظيفة لها سوى الترقب وانتظار ما ستنتجه لقاءات ما وراء الكواليس من معالجات وحلول.

هناك الكثير من المخاوف تقلق اللبنانيين قبل اقتراب الموعد القانوني للانتخابات النيابية. والمناورات الإسرائيلية ليست الجانب الوحيد في إطار الصورة الإقليمية في اعتبار أن المحيط الجغرافي والجواري يشتمل على معطيات متنوعة الأشكال والألوان لها مصلحة في تأزيم الساحة اللبنانية لحسابات تتجاوز حدود بلاد الأَرْز. فالقلق لا يقتصر على احتمال حصول مفاجأة أمنية تبادر «إسرائيل» إلى إشعالها وإنما اقتصار المواجهة الإقليمية مرة أخرى على أرض لبنان وحده يرفع من هواجس القلق.

اقتصار الحرب على لبنان من دون شريك يعني إعادة إنتاج معادلة مكررة ومكروهة لدى شعبه وخلاصتها: لبنان يدفع الكلفة المادية والبشرية وغيره يستثمر سياسيا ويقبض بدل أتعابه وتضحياته.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2448 - الثلثاء 19 مايو 2009م الموافق 24 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً