تعبير جميل استخدمه الأستاذ الزميل نبيل الفضل، الكاتب الصحافي المبدع في جريدة «الوطن» الكويتية، عندما تكلّم عن الجماعات السياسية المتأسلمة، داخل مجلس النواب، ودورها في إضعاف المجلس، من خلال الاستفادة من المنصب في أمورهم الخاصة، كما تطرّق الزميل إلى المستوى الرديء في الأداء من قبل نواب التيارات الإسلامية، حتى في تناول القضايا وطرحها وعلاجها.
ولا سيّما عندما وصف هذه التيارات، بأنها تحمل حناجر نحاسية، لأنها لا تتعب من الجدال ومن التحدّث بالبطلان، فهي دوما معارضة للطرف الآخر الذي لا يخدم مصلحتها، وهو لم يُغال في القول. إننا في البحرين، نجد نوابنا كذلك، فحناجرهم لا تتعب من الجدال أو الخلاف، إلا فيما يخصّهم.
وعندما قرأنا في الصحف المحلية عن الزيادة التي سيحصل عليها، أصحاب الحناجر النحاسية، فإننا لم نتفاجأ من سكوتهم هذه المرَّة، ومن عدم الاعتراض على الزيادة.
هذه الزيادة التي تطال فئة دون أخرى، ومجموعة معيّنة دون أخرى، ما هي إلا نتيجة سكوت الشارع البحريني على المهاترات، والتجاوزات التي قام بها النواّب، في سقف البرلمان الذي يمثّل الحرية الشرعية للمواطنين بحل مشكلاتهم.
لم نجد الجمعيات السياسية المتأسلمة هذه المرّة تعترض على الزيادة، وإننا لم نجد منهم من يعترض على الزيادة، ويصر بتوزيع الزيادة على الناس قبل النواب.
إن حناجرهم النحاسية كانت لزيادة الطائفية وتأجيجها بين المجتمع البحريني، فهم لم يكونوا أبدا أصحاب حق في طرح المواضيع، إلا أفرادا يُعدّون على الأصابع، من الطائفتين.
ولم نجد هذه الحناجر تجتمع على تحسين الوضع الصحي والتعليمي، والخدمات والمرافق العامة، أو حتى تحسين الوضع الاجتماعي لأبناء البحرين، أو مناهضة التجنيس البشع، الذي أفرز لنا طبقة دخيلة على المواطنين البحرينيين، واختلّت المنظومة الاجتماعية رأسا على عَقِب.
ولكن في المقابل فإننا وجدنا حناجرهم خفتت، وصوتهم كُتم، وذلك لأنهم يريدون تحسين مستوياتهم المعيشية، واتخذوا هذا الخط واضحا منذ دخولهم في المجلس بعد 2002م، فلم يلتفتوا إلى لقمة المواطن، وجُلَّ ما صنعوه، كانت «معونة غلاء» متذبذبة ومن دون معايير!
لم نجد النواب يُصلِحوا أيا من القوانين والقرارات التي تعارض الدستور، وتطوّق حرية الفرد في المجتمع، ولم نجدهم يهتمون بالبنى التحتية ورفع مستوى المرافق العامة، ولم نجدهم أصحاب مسئولية مطلقة لاستجواب أحد الوزراء، بل كان شعار المجلس «وزيركم ووزيرنا»!
يجب ألاّ يقبل النواب بهذه الزيادة غير الشرعية، لأنهم لم يقدّموا إلا الفتات لأبناء الشعب، ولم يكونوا صوتا حرّا يُجاهر بالمطالب، إلا التي تصيبهم بخير، ودليلنا على ذلك هو صوتهم النحاسي، الذي ذهب ولم يعد مع عَد النقود التقاعدية.
أهذا هو المستوى الذي كنا نناشده في نوابنا؟ أهؤلاء هم المطالبون بحقوقنا؟ هل سيقفون هذه المرة اعتراضا على الزيادة؟ أم أن الناس قد ذهبوا إلى من عنده ذهبُ؟!
يجب أن يُراجع النواب أجندّتهم مرة أخرى لأن الله بالمرصاد، لكل من يحصل على أموال الشعب بغير حق، فهم أصحاب التيارات السياسية المتأسلمة، التي دَعت إلى وجوب اتباع شرع الله وتقواه وزهده في يوم من الأيام، وهم المطالبون بالمساواة في الدوائر الحكومية. فأين هم من ذلك الآن؟!
لقد أثبت لنا النواب كل يوم بُعدهم عن مصالح الناس، وقُربهم من حصولهم على مآربهم الخاصة، وما موافقتهم وعدم رفضهم لأموال لا يستحقونها، إلا دليل حي على ماهية الدخول إلى المجلس، والجلوس داخل قبّة البرلمان، فالجشع يتأصّل، وأصبح سمة من سمات معظمهم، فهم موسومون به، ولو أخفوه بعباءاتهم!
القانون يقول إن دورة واحدة في المجلس، تجعل النائب يحصل على راتب تقاعدي بقدر 60 في المئة، أما إذا دخل المجلس بدورتين، فإنه سيجني راتب تقاعدي يقدر بـ 80 في المئة، وهذه الأموال بالطبع ستسدد من أموال الشعب، الذي لم يجن خلال 8 سنوات، سوى زيادة الطائفية، وتأجيج الخواطر، والشق بين الطائفتين، كما أنه يضيف إلى ذلك متابعته للصراخ البذيء وتطاول الأيادي، وسياسة «وزيرنا ووزيركم»!
أما المواطن المسكين، فإنه بعد 40 عاما من الشقاء والعمل المُضني، يحصل على 80 في المئة من راتبه التقاعدي، الذي ربما لا يتعدى عند بعض الإخوان، سوى بضع دنانير، لا تسد حاجته أو حاجة أهل بيته.
وكذلك ننوّه إلى أنَّ قانون التقاعد أيضا لم يكن في صالح المواطن، إذ إن القانون يُطالب المتقاعد، الذي يقل عمره عن 45 سنة، بخصم 5 في المئة من راتبه التقاعدي ومن مستحقاته كذلك، حتى وإن عمل 25 عاما متوالية، أما المتقاعدون من القطاع الخاص، فإن عيونهم تدمي وهم يرون شقاء العمر يسحب أمام عيونهم، فما رأيكم أيها الشعب المسكين؟!
هذا هو حال الدخل المعيشي للشعب البحريني الأصيل، يصطدم بالموازنات والاكتواريين، أما موازنة الدولة فإنها بقرة حلوب «لخَردة» النواب واتباعهم.
إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"العدد 2448 - الثلثاء 19 مايو 2009م الموافق 24 جمادى الأولى 1430هـ