شعار «لا ديمقراطية من دون ضرائب» قد يصلح مادة للتدريس الأكاديمي، لكنه بعيد عن الواقع العربي كبعد النخب المثقفة عن الجمهور.
البعض يتحدث عن الضريبة بكونها أداة لتوزيع الثروة والعدالة الاجتماعية، لكنه يغفل الواقع المر والخاطئ الذي تعيشه المجتمعات الخليجية والعربية والخلط القائم بين الديمقراطية والضريبة.
لنعكس النظرية ونسأل، هل العمل بنظام ضريبي يعني أوتوماتيكياً التمتع بالديمقراطية؟
هناك عدد من الدول العربية تأخذ بالنظام الضريبي مثل الجزائر، الأردن، مصر، المغرب، لبنان، لكن هل دفع الضريبة يعني أن الديمقراطية بخير؟
الربط بين الديمقراطية ودافعي الضرائب، يعني حسب ما هو معمول به في الدول الاسكندينافية والأوروبية عموماً المشاركة في القرار والمحاسبة لمن يتولى منصب وظيفة عامة، ومن شأن هذا التزاوج أن يعطي الصلاحية والسلطة للمواطن الشريك أن يقول للوزير ولرئيس البلدية ولرئيس الوزراء ورئيس الدولة أيضاً: نحن من يدفع الضريبة وعليك أن تتحمل مسئولية وظيفتك. فهذا المواطن قادر على محاسبة ومحاكمة وعزل الوزير والمسئول... طبعاً هذا في الغرب، أما عندنا فالأمر يختلف من حيث المفهوم ومن حيث التطبيق... فما نفع الديمقراطية إذا لم تخلق بيئة صالحة وصحية للشفافية والمحاكمة والمحاسبة، وما نفع الضريبة إذا انحصرت فقط بدور «الجباية»؟ فالأهم هو كيفية تطبيق النظام الضريبي وكيفية الإنفاق الذي تمارسه الدولة.
خبراء الاقتصاد ينظرون إلى الضريبة كأداة لتوفير الأموال اللازمة لتغطية نفقات الدولة ولتحقيق قاعدة العدالة الاجتماعية، وإعادة توزيع الدخول بين فئات المجتمع بهدف تقليل حدة التفاوت بين مستويات الدخول وتمويل الخدمات العامة من الضريبة لمصلحة الطبقة الفقيرة والمعدومة.
إنما هل تلك المبادئ مطبقة بالفعل في ديار العروبة؟
الواقع يقول إن الحجم الكبير للضرائب في الأردن على سبيل المثال يؤثر سلباً في حياة الناس، وهو نظام غير عادل؛ فقد وضع لخدمة طبقة الأغنياء وخصوصاً لمجموعة رجال قطاع عام جنوب البلاد، إضافة إلى أن الإعفاءات الجمركية غالباً ما تعطى للنواب والوزراء والمتنفذين. والأهم من كل ذلك أن الضرائب المفروضة على المواطنين لا تنفق بشكل شفاف ولا يدري هذا المواطن أين وكيف تنفق الضريبة التي تجبى من أفراد المجتمع.
الإشكالية التي يقع فيها الكثير من الدارسين والباحثين العرب أنهم يأخذون شعارات الغرب ويسقطونها على المجتمعات العربية، وهذا مكمن الخطأ... فشعار لا ديمقراطية دون ضرائب يفترض أولاً المساءلة والمحاسبة، وثانياً وجود وعي حقيقي عند المواطن بفهم العلاقة التي تربطه بالدولة التي ينتمي إليها إنما في إطار المعايشة الميدانية لبعض التجارب يلحظ المراقب أن الدول ذات الأنظمة الريعية، «دولة الرفاه الاجتماعي» مثل الكويت والبحرين واللتين تأخذان بالديمقراطية، تدور في أروقتها النخبوية نقاشات حول ضرورة تصحيح مفهوم الديمقراطية من خلال إقامة «الدولة الضرائبية»، فالباحث ناصر محمد سند الفضالة في كتابه الحديث «الحالة والحال: فرضيات أولية لتصويت الصراع السياسي إلى أطره الاجتماعية» يشير إلى نشوء «مفهوم الديمقراطية الخدمية» وهو نقيض للتجارب الديمقراطية التاريخية، ومن وجهة نظره فإن الدولة الريعية لا تجد نفسها مضطرة لإشراك أفراد المجتمع في عمليات صنع القرار، ويستشهد بالمفكر صموئيل هنتغتون بقوله «كلما قَلّتْ الضرائب قَلّتْ حاجة الشعب للحصول على تمثيل» ويخلص إلى نتيجة أنه لا ضرائب بدون تمثيل سياسي، ولا تمثيل سياسي بدون ضرائب! فبدون المشاركة الضريبية يفشل المجتمع في خلق ثقافة مساءلة نيابية، وبغياب الضريبة يغيب عامل العدالة الاجتماعية، وفي ظل انعدام الضرائب الحكومية، تزدهر الثقافة الريعية.
وفي هذا السياق كان للزميل الكاتب عبداللطيف الدعيج أكثر من وقفة، وبضرورة أن تتولى الحكومة فرض الضرائب وتحصيل الرسوم من الخدمات أو تسعيرها وفقاً لتكاليفها الحقيقية وفرض الضرائب كما يرى، وبالتالي دفع الأجور والرواتب وفقاً لدرجة العطاء والإنتاج هي بداية بناء شخصية المواطن الواعي والملتزم بالدفاع عن مؤسسات الدولة وأملاكها لأنها حصيلة جهده ونتاج عمله ومساهمته.
وإذا ابتعدنا قليلاً عن الساحة الخليجية، واتجهنا إلى المغرب العربي، أي إلى الجزائر، حيث الديمقراطية والضريبة تجتمعان تحت سقف واحد، إنما بالتحليل الأخير، بقيت الديمقراطية تمارس وفق أهواء السلطة الحاكمة وبعيداً عن مفاهيم المساءلة والمحاكمة للموظفين الكبار ورؤساء الوزراء والدولة، وبات المواطن الجزائري مهموماً بلقمة العيش والتعليم والصحة، وهي من حسنات الضريبة التي ينعم بها 36 مليون نسمة، حيث يستفيد بالكامل من خدمات التعليم حتى المرحلة الجامعية والرعاية الصحية (الضمان الصحي) وبالكامل وهما أهم خدمتين يحتاجهما المواطن العربي الغلبان، وهو ما أبعده عن الانخراط في العملية الديمقراطية، ولم تعد أولوية بالنسبة إليه، بل باتت أمراً ثانوياً لقناعته بالعجز عن التغيير.
في الكويت تقوم الدولة بالإنفاق والصرف على المواطن، فتكفل له الوظيفة والتعليم والصحة والسكن والزواج وتيسير القروض، أي أنه وفق التعبير الدارج، مكفول من المهد إلى اللحد، وبالتالي تحويل هذا المواطن الذي يعتاش على حساب الدولة إلى دافع ضريبة مسألة في غاية الصعوبة والخطورة، لذلك كان الربط بين الديمقراطية والضريبة في غير محله ومكانه، فنواقص الديمقراطية في تجربة الكويت قد تكون في مكان آخر... فلنبحث ونفكر
إقرأ أيضا لـ "حمزة عليان "العدد 3120 - الثلثاء 22 مارس 2011م الموافق 17 ربيع الثاني 1432هـ