يراهن الزعيم الليبي معمر القذافي الذي يصور مهاجميه باعتبارهم قوى استعمارية على أن حربا طويلة ستتيح له لعب دور الشهيد وتقويض عزيمة الغرب مما يمكنه من التفاوض على الاستمرار في الحكم بشكل ما.
ويقول المحللون إن ذلك يبدو بعيد المنال بدرجة كبيرة في الوقت الراهن.
والقوى العالمية التي بدأت حملة مدعومة من الأمم المتحدة على وعي تام بالتكلفة البشرية لحملة القذافي على الانتفاضة الشعبية المستمرة منذ ستة أسابيع على حكمه.
وتقول المعارضة إن الليبيين الذين عانوا من مظالم حكمه على مدى أربعة عقود لن يفقدوا قوة الدفع.
لكن إذا تمكن القذافي من البقاء مجبرا القوات المتحالفة والمعارضة الليبية على القتال على مدى شهور وهو ما يمكن أن يتسبب في سقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى بين المدنيين فإن فرصه قد تتحسن في إبرام اتفاق يمكنه من الاستمرار في الحكم.
وقد يزيد تصاعد إراقة الدماء من ضرورة البدء في حملة سلام غربية ما يغير حسابات الاستراتيجيات الغربية الحساسة تجاه المخاوف من التدخل الاجنبي في مناطق يغلب على سكانها المسلمون مع استمرار التدخل الغربي في أفغانستان.
وقال عاشور الشمس وهو كاتب وناشط ليبي معارض مقيم في لندن "هذا هو السيناريو الذي قد يمكنه من احراز تقدم". وأضاف أنه يتعين على المعارضة الآن "أن توحد جهودها" للتقدم باتجاه معقل القذافي في العاصمة طرابلس.
لكنه وغيره من المحللين يقولون إن القذافي سيجد من المستحيل تغيير صورته التي رسمها في أذهان الناس إلى صورة الضحية أيا كان الوقت الذي سيستغرقه الصراع.
وقال "محاولة رسم صورة لنفسه باعتباره محاربا من أجل الحرية لن تقنع أحدا. الليبيون يدركون أن هذا هراء".
وما كان من القذافي بعد إطلاق حملة عسكرية ضده إلا أن وصف مهاجميه بالإرهابيين والاستعماريين الطامعين في نفط ليبيا.
وقال "ليبيا تتعرض لعدوان ليس له مبرر وسنقاتل على ارضنا ولن نتركها".
وقال سعد جبار الخبير المقيم في لندن والذي عمل كوسيط في المحادثات مع ليبيا في قضية قصف طائرة ركاب أمريكية فوق لوكربي إن من الواضح رغم تصريحات القذافي أن الرأي العام العربي مؤيد على نطاق واسع حتى الآن للحملة العسكرية.
وقال "سيظهر ذلك للشارع العربي أن المواطن العربي العادي يدخل السياسة الغربية في حساباته فعليا".
وتابع "فكرة أن هذا الهجوم سيحشد الشارع العربي ضد الغرب هي ما يريد أن يصدقه الطغاة العرب الباقون لأنهم هم انفسهم يخشون الانتفاضات".
وتقلصت خيارات القذافي بدرجة كبيرة منذ أن أقر مجلس الأمن الدولي مساء يوم الخميس الماضي فرض منطقة حظر طيران و"اتخاذ كافة الاجراءات المطلوبة لتحقيق ذلك" لحماية المدنيين من قواته.
ويقول محللون يعرفون القذافي الذي تحمل العزلة الدولية لسنوات طويلة إن هدف الحملة المدعومة من الأمم المتحدة يجب ان يكون تغيير النظام إذ أن أي حل نهائي لا يحقق ذلك سيتيح له ثغرات يمكنه استغلالها.
على سبيل المثال يتوقع البعض أن يتبنى القذافي سياسة حافة الهاوية فيدعو إلى محادثات يتوسط فيها زعماء أفارقة لكسب الوقت وزرع الخلافات بين التحالف الذي يناهضه.
وقال جبار "إنه مناور وصلب .. لا يتعين أن يسمح له بالتفاوض على البقاء في طرابلس. إنه يريد تقسيم ليبيا على غرار تقسيم كوريا إلى شمال وجنوب في الخمسينات".
وتابع "الخيار الوحيد الذي يتعين أن يترك أمامه هو أن يرحل".
وحظي هذا الحل بمساندة واضحة يوم الجمعة عندما قالت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون إن الجهد الدولي يهدف إلى الإطاحة بالقذافي غير ان هذا الجهد سيتحرك "خطوة خطوة" أولها وقف العنف ضد المدنيين.
وقالت كلينتون "تصويت مجلس الأمن بأغلبية ساحقة يعكس فيما أرى فهما واسع النطاق بأنه يتعين أولا وقف العنف وثانيا فإننا نعتقد أن النتيجة النهائية لأي مفاوضات يجب ان تكون قرارا من جانب القذافي بترك السلطة".
ومع ذلك فبعد وقف قتل المدنيين وترك القذافي للسلطة بشكل أو بآخر يظل هناك الكثير من الغموض بشأن أهداف الائتلاف الذي تشكل سريعا ضد ليبيا.
أولا لم يتضح ما إذا كان رحيل القذافي هو الهدف الرئيسي لكل القوى الكبرى.. فالكثيرون قد يقنعون بضمان انهاء معاناة المدنيين.
وقد يريد بعض الاستراتيجيين الغربيين إحالة القذافي ومعاونيه إلى محكمة جرائم الحرب في لاهاي سريعا. أما حجم التأييد لهذه النتيجة فليس معروفا.
ثم أن هناك عدم تيقن بشأن كيفية تشكيل حكومة ما بعد القذافي في مجتمع تعلم على مدى 40 عاما أن الديمقراطية خطأ والتعددية فساد.
كما أن هناك التحديات العملية المتمثلة في مواجهة زعيم معتاد على المكائد الدولية.
فقد تفاض القذافي بمهارة على التقارب مع المجتمع الدولي في الفترة من 2003 إلى 2005 بقبوله التخلي عن برامج أسلحة الدمار الشامل.
ولكنه اعترف علنا فيما بعد بأن دافعه كان الرغبة في النجاة من مصير الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي أطاح به غزو قادته الولايات المتحدة في عام 2003 وأعدم شنقا فيما بعد.
ومن النتائج التي يستبعدها كثير من المحللين عودة القذافي لرعاية الإرهاب عن طريق جماعات مسلحة في الخارج وهو ما مارسه في أغلب أوقات حكمه.
وهم يرون تهديدا واضحا في حديث أدلى به القذافي لصحيفة إل جورنالي الإيطالية قال فيه إنه سيتحالف مع القاعدة في حال شن هجوم غربي عليه.
ومر وقت كان فيه مثل هذا التهديد يؤخذ بجدية شديدة.
فالمرة السابقة التي تعرض فيها القذافي لهجوم من الغرب كانت عام 1986 وبعد عامين قام ليبي بتفجير طائرة ركاب تابعة لشركة بان أمريكان فوق لوكربي في اسكتلندا ما أسفر عن مقتل 259 شخصا في الجو و11 على الأرض.
ويرى الكثيرون إن تفجير طائرة لوكربي عام 1988 كان ردا انتقاميا على هجوم عام 1986 عندما أغارت قوات أمريكية على طرابلس وبنغازي ردا على ما وصفته واشنطن بانه تواطؤ ليبيا في هجوم على مرقص في برلين قبل شهر قتل فيه ثلاثة أشخاص منهم جندي أمريكي.
وحتى الآن من المتوقع أن يحاول القذافي وأولاده التمسك بالحكم متمركزين في طرابلس في الغرب وربما يسحبون قواتهم من مدينة بنغازي الشرقية لتقويض الاتهامات بأنها تعمل على سحق المعارضة هناك.
لكن مثل هذه المناورات قد لا تكون مفيدة. فليس هناك شك يذكر في أن الزخم الآن يتركز على عمل عسكري مستمر حتى ينتهي حكم القذافي.
ويقول المحللون إن أي حل نهائي يسمح ببقائه سياسيا سيؤدي إلى تقسيم ليبيا إلى غرب يسيطر عليه وشرق تحت إمرة المعارضة وإلى صراع يدوم سنوات بين المنطقتين.
وقالت جيتي كلاوزن استاذة التعاون الدولي في جامعة برانديس إنه إذا تمسك القذافي بالبقاء فإن تقسيم ليبيا سيطرح كاحتمال حقيقي لتتحول إلى "دولتين غير فاعلتين كل قائمة على مدينة وتفصلهما قوات حفظ سلام".
ويقول العديد من الخبراء إن المفاوضات المجدية هي تلك التي تتعلق بكيفية رحيله.