العدد 3118 - الأحد 20 مارس 2011م الموافق 15 ربيع الثاني 1432هـ

عندما تنفلت الطائفية من عقالها

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قُدِّر لي أن أشارك في العديد من المبادرات التي انطلقت في الآونة الأخيرة، محاولة المساهمة في انتشال البحرين من الوضع المتردي الذي وصلت إليه. ظاهرة إيجابية تستحق التوقف عندها، والافتخار بها، وهي أن البحرين عزيزة عند الجميع وغالية على قلوب الكل من مختلف الطوائف، والفئات الاجتماعية. جميعها تناست خلافاتها، وألقت خلف ظهرها كل أشكال التناقضات التي يمكن أن تكون بينها، وتوجهت بنوايا صادقة من أجل المساهمة وبشكل مشترك ضد ما يهبُّ على البحربن، من رياح سموم تلوث أجواءها، وزوابع تحاول أن تثير الضغائن في صفوف أبنائها. الشيء المفرح في هذه الاجتماعات، رغم كل المنغصات التي تسود الشارع البحريني اليوم، هو ذلك الاهتمام الشعبي العارم، والصادق، من أجل وضع حدٍّ لتردي الأوضاع في البحرين.

قضية مشتركة سادت جدول أعمال جميع الاجتماعات، وسيطرت على معظم نقاشات اللقاءات، ولم تخلُ منها أي من المبادرات، وتلك هي السلوك الطائفي، أو الذهنية الطائفية التي باتت تسيطر على الكثير من المظاهر التي بتنا نشاهدها مؤخراً في العديد من الشوارع الرئيسة، ومعظم المداخل المؤدية للقرى. قصص مرعبة تروى، وحكايات مسيئة للبحرين وأهلها تتناقل، عن ممارسات ضد المواطنين العزل، ممن يحاولون التنقل بين قرية وأخرى من قرى البحرين، ويكون ضحاياها، في غالب الأحيان، من الطائفتين، ومن مختلف الأعمار، دون تمييز للوضع الاجتماعي، أو المكانة الطائفية. شيوخ وفتية، فتيات ونساء، جميعهم يتساوون عندما تضطرهم ظروفهم المعيشية إلى أن يَعبُروا أحد الحواجز التي تتحكم في حركة مرورها ثلة من الملثمين، الذين يصعب التكهن بوضعهم المهني، ومن ثم مدى أحقيتهم في ممارسة ما يقومون به.

يصعب القبول بكل تلك الممارسات، على أنها مجرد إفراز طبيعي لمواجهة تداعيات أحداث «دوار اللؤلؤة»، التي اندلعت فيما يشبه الثورة الشعبية في منتصف فبراير/ شباط 2011. كما يستحيل القول بأنها سلوك عفوي، يقوم به هذا الفرد من القوات المسلحة، أو تلك المجموعة من «قوات محاربة الشغب»، إذ لابد لمن ينظر إلى تكرارها وبشكل متصاعد، وفي أماكن تم اختيارها بعناية فائقة، في مناطق حساسة من مدن البحرين وقراها، أن يكتشف أن هناك قوى خفية لها مصلحة مباشرة في تأجيج الصراع المجتمعي الداخلي، في شكل انفجارات طائفية منتشرة أفقياً على نحو واسع يصعب التحكم فيه، الأمر الذي يدفعنا إلى ضرورة الارتفاع عن التحليل السطحي المتابع فقط لتلك الممارسات، والذهاب إلى ما هو أعمق من ذلك بحثاً عن القوى التي لها مصلحة مباشرة وآنية، وأخرى غير مباشرة، وبعيدة المدى، في أن تسود البحرين هذه الظاهرة التعسفية ضد الوطن والمواطن.

قبل الحديث عن هذه الظاهرة السيئة هو أن من حق الدولة، كمؤسسة شرعية في ممارسة دورها، الذي يبيحه لها دستور البلاد، من أجل الحفاظ على الأمن، وضمان استتبابه. فليس هناك مواطن بحريني يرفض قيام الدولة بهذا الدور، أو يحجبه عنها. لكن أول ما يخطر على بال المواطن الصالح وهو، يعطي هذا الحق للدولة، لكنه يعاني، أيضاً من هذا العسف غير الطبيعي، ومن هذه الظاهرة غير المقبولة، هو رفع صوته عالياً مناشداً الدولة، بكل مؤسساتها أن تبادر إلى وضع حدٍّ لهذه الظاهرة، من خلال نزع أي شكل من أشكال الشرعية المضفاة على هذه الفئة القليلة الملثمة، التي تسيء للبحرين أولاً، وتهين الدولة ثانياً، وتزعج المواطن ثالثاً، وليس أخيراً. والمواطن وهو في غمرة هذه المناشدة، يدرك الإمكانات المحدودة التي تحت تصرف الدولة، لكنه بالقدر ذاته، لا يقبل لدولته أن تمس كرامتهما، ولا لسلطته الشرعية أن تجرح صلاحياتها، ولا يرضى لشعبه أن يتجرع مثل هذه الإهانات، التي ليست قادرة على حفظ الأمن، وتأمين السلم الاجتماعي، فحسب، لكنها في الوقت ذاته، قنابل موقوتة، قابلة للانفجار في أية لحظة ما لم يتم تداركها ووضع حدٍّ لها.

ليس هناك من ينكر، أنه من أجل استعادة الأمن، في أعقاب مواجهات واسعة كتلك التي ولدتها انتفاضة 14 فبراير 2011، قد تصدر بعض الممارسات الاستثنائية، أو التصرفات الفردية التي تشذ عن القاعدة، وتتجاوز ما تسمح به القوانين والأنظمة، لكنها تتحول إلى ظاهرة مرفوضة عندما تتجاوز حدودها الأمنية، وتتطور كي تصبح سلوكاً انتقامياً طائفياً مزرياً، لا يمكن القبول به. عندما يصل الأمر إلى هذا الحد من التجاوزات، فمن الطبيعي أيضاً أن يواجهها رد آخر مضاد لها يصب الزيت على نار الطائفية كي يضاعف من اشتعالها، ويزيد من سعة انتشارها.

من هنا فحبذا لو بادرت الدولة، ودرست المسألة من كل جوانبها، وقامت بما ينبغي القيام به من أجل تطويق الطائفية قبل استفحالها، وتحولها إلى ظاهرة اجتماعية تفتك بالجميع، ويكتوي الجميع بنيرانها. نقول ذلك دون أن نقع في وهم مفاده أن ليس هناك من مشكلات ذات جذور طائفية ينبغي علينا التوقف عندها وقراءتها على نحو صحيح، بعيداً عن أي انفعال عاطفي، أو سذاجة سياسية. لكن ما يجري اليوم، ليست له علاقة بتلك الجذور. وبالتالي فليس هناك ما يبرر استمرار ظاهرة انتشار هذه الحواجز الانتقامية، وننادي الدولة كي تسارع إلى استبدالها بقوى الأمن الرسمية، التي بقدر ما تحرص على فرض الأمن، وتسعى كي يستتب السلام، فهي حريصة أيضاً على صيانة كرامة المواطن، ولا تالو جهداً من أجل الدفاع عنها. فعندما تنتعش الطائفية يصبح المجتمع تحت رحمة بركان هائج يرمي بحممه في كل اتجاه، ويدمر كل ما يحاول أن يقف في طريقه، وهذا ما نخشاه إذا انفلتت الطائفية من عقالها

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 3118 - الأحد 20 مارس 2011م الموافق 15 ربيع الثاني 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 24 | 3:14 م

      نردد شعار الثورات مصر وتونس

      الشعب والجيش ايد وحدة
      الشعب والجيش ايد وحدة
      الشعب والجيش ايد وحدة
      الشعب والجيش ايد وحدة
      الشعب والجيش ايد وحدة
      الشعب والجيش ايد وحدة
      الشعب والجيش ايد وحدة
      الشعب والجيش ايد وحدة
      الشعب والجيش ايد وحدة
      الشعب والجيش ايد وحدة
      الشعب والجيش ايد وحدة
      الشعب والجيش ايد وحدة
      الشعب والجيش ايد وحدة
      الشعب والجيش ايد وحدة
      الشعب والجيش ايد وحدة
      الشعب والجيش ايد وحدة
      الشعب والجيش ايد وحدة

    • زائر 21 | 11:04 ص

      التعليق 3

      احنا مومضيعنا الا المرجعيات, حسبنا الله ونعم الوكيل

    • زائر 20 | 10:28 ص

      نطالب بسحب الجيش

      طالب بسحب الجيش حتى ترجع الحياة الحياةالى طبيعتها

    • زائر 18 | 6:47 ص

      بحرينيين متحابيين

      لا لطائفية ارجوكم ,نحن لانستطيع العودة للوراء لننبذ الطائفية ونوحد الصف سنة وشيعة ونحقق الامان وبعدها نبدأ فى المطالبة بمحاسبة المتسببين فى احداث هذا الشرخ ونطالب السلطة باالتحقبق الجدى فى هذا الموضوع وكشفهم ز

    • زائر 16 | 6:33 ص

      البحرين ستهزم على يد ابنائها

      شكراا دكتورنا العزيز عبيدلي العبيدلي على هذه الأطروحات المتوازنه والعقلانية والتي كنت تتحدث عنها في هذا البلد الحبيب ..
      كنت تتكلم عن عن موضوع ولو قرأه العقلاء في البلد لا ماحدث ماحدث وهو " البحرين ستهزم على يد ابنائها " وكنت توصي المعارضة البحرينية بالذهاب الى طاولة الحوار مع صاحب السمو الشيخ سلمان بن حمد قبل ان تقع مجزرة اخرى بعد الخميس الدامي ..
      دكتورنا العزيز مواضيعك المتوازنه والعقلانية هي محل اهتمام لدينا بارك الله فيك وفي كل قلم حر ..

    • زائر 10 | 4:14 ص

      لا تساوي بين الضحية والجلاد

      كلامك به خلل، فالدولة تكن غير شرعية عند استخدام القتل و العنف ضد المسالمين. لا تساوي بين الضحية والجلاد

    • زائر 7 | 3:35 ص

      و الله لو يعطوني 10000 دينار

      لو يعطوني مو الف حتى 10 الالاف دينار ماروح العمل ... لين أطمئن انه مان و اهم شي موافقة المرجعية

    • زائر 5 | 2:56 ص

      للحكومة

      كيف نذهب للعمل ونحن نسمع عن مفقودين ثم نكتشف بانهم اغتيلوا بدم بارد كيف اأمن على نفسي وفي عز النهار يذهب مواطن لتصليح رسيفر في سوق واقف ثم يكتشف بانه مقتول بدم بارد لا له علاقة بدوار اللؤلؤ او كيف اأمن على نفسي واذهب للعمل وانا اسمع عن قتيل الواجب حين ذهب لاذاء واجبه واذا هو مقتول بدم بارد من قبل هذه المجموعة الملثمة المرعبة ، اكيد هناك يدا خفية لاتحب البحرين تغتال المواطنين في عز النهار وتشعل الفتنة الطائفية وتاجيجها ، ادن لا احد يامن الذهاب للعمل في وضع كهذا يجب ان يطمأن المواطن والا فلا

    • زائر 3 | 2:03 ص

      ارحموا معلموا البحرين

      أكثر ناس تضرروا من هذا الشحن الطائفي البغيض هم مربوا الاجيال كيف نذهب للمدارس وأهلنا يجرحون ويقتلون ومفقودون اي تعليم يتكلمون عن تضيع سنة دراسية من أجل حرية ومستقبل زاهر

اقرأ ايضاً