لعلنا نذكر الأب السعودي الذي أقدم العام الماضي على حلق رأس وحاجبي ابنته، ذات الـ 18 عاما، لأنها لم تتمكن من تأدية امتحانها بالشكل المطلوب، وتعرضها للضرب على يديه، بينما كانت الفتاة تطلب منه إحراقها بدلا من حلق شعرها، لأنه جزء لا يتجزأ من مظهرها وأنوثتها.
الوعيد والتهديد يبدأ في بعض الأسر مع اقتراب فترة الامتحانات، سأطردك من المنزل إن لم تنجح، سأحبسك في الدار إن رسبت، سأضربك، سأمنعك من المصروف، سأحرمك من الطعام، سترى ما لا تتوقع لو لم تكن نتيجة امتحانك في صالحك.
هو نوع من الانتقام إذن يمارسه الآباء على أولادهم، بنين وبنات، إذا ما خذلتهم نتيجة الامتحان، وهو ناتج طبيعي لتصور مؤداه أن سبب الرسوب هو الطالب فقط دون سواه، فالرسوب هزيمة، والهزيمة يتيمة لا يتحمل أبوتها أحد إلا الطالب الصغير المسكين فإنه يحمّل إياها.
لا يملك أحد القدرة والشجاعة على تبرئة الطالب من الشراكة في ما آل إليه وضعه، ولكن ألا تشاركه العائلة أحيانا في المسئولية؟ هل أدى الأب كل واجباته تجاهه؟ ألم يشترك في التقصير؟ إذا لم يُحمّل الوالدان النصيب الأوفر من أسباب الرسوب، فهل يمكن إعفاؤهما من المسئولية؟
ربما يكون الرسوب نتيجة حتمية لتساهل وغفلة الوالدين على مدى سنوات من عمر الطالب الدراسي ليصدموا اليوم بانتكاسته.
ولو يممنا النظر صوب المدرسة، فسنلاحظ بعض المدرسين يدرسون مواد ليست من صلب تخصصهم ودراستهم، وبعضهم يعاني صعوبات في إيصال المعلومة وشرح الفكرة، وبعضهم يأتي للمدرسة بعد ليلة أرهقه سهرها، فلا يعطي التدريس حقه.
صحيح أن العدد الأكبر من المدرسين قادرون ومخلصون ومتمكنون، لكن مدارسنا لا تُعدم المقصرين، الذين تظهر نتائجهم في رسوب بعض الطلبة وضعف مستوياتهم.
إضافة إلى ما سبق هناك طلاب يعانون من صعوبات تعليمية، وإعاقات ذهنية، وهؤلاء يبذلون أحيانا جهودا مضاعفة على ما يبذله أقرانهم، غير أن قدرتهم على الفهم والاستنتاج تكون ضحلة ومحدودة.
كل ما قلته لا يعفي الطالب من تقصيره واستهتاره، لكني كنت أريد من الآباء التأني قبل الإقدام على أي تصرف، ليقفوا على حجم المسئولية التي تقع على عاتق الطالب، من تلك التي لا يشاركه فيها الآخرون، بما فيهم نحن الآباء والأمهات، لعل ذلك يدفعنا إلى تصرفات تميل للحكمة والهدوء والسكينة.
إن الحالة النفسية للراسب مخزية ومحزنة وإن تظاهر بعدم المبالاة أو عدم الخوف، أو عدم القلق، فتلك أمور يقوم بها ليوحي للآخرين بقوته وتماسكه، لكن لندرك أن الواقع النفسي ليس كذلك.
إنني أحب تذكير أولياء الأمور ببعض الإشارات التي ربما تساعد في نجاتنا من التصرفات الحمقاء مع من يرسب من أولادنا لا قدر الله.
1 - سيكون ابنك محتاجا لمن يستوعب وضعه، ويربت على كتفيه أولا وقبل كل شيء، لا تسارع وتقول: وهل أقدم له وردا على فشله؟ كلا، قدم له احتواء وطمأنينة وسكينة، وحاول أن توصل له رسائل إيجابية تقول: الرسوب تجربة قاسية لكنه قادر على تجاوزها إذا عالج أسبابها، فرفع مستوى الثقة بالنفس مهم للولد، والأهم منه أن يكون من والديه.
إن البديل عن ذلك سيعزز فقد الثقة بالنفس وضعف الشخصية والخوف من الإقدام في ما سيأتي من أيام حياته، وكلما تعزز الضعف وفقد الثقة، تمثل الفشل للإنسان في كل شيء.
2 - بعد الاحتواء قم بالتوجيه الإيجابي، فالرسوب ليس مقبولا، لكن العقاب السلبي كذلك ليس حلا. الحل يكمن في الاقتراب من الولد والبنت وتوجيههما توجيها إيجابيا.
في حالة الضعف يكون الإنسان قابلا للتوجيه، مصغيا لكل معين له، هنا يمكن الحديث بهدوء عن المستقبل والنجاح، وكيفية الوصول إلى ذلك بسلوك الجد والاجتهاد، مع التأكيد للولد أنه قادر على تحقيق ما حققه الآخرون.
اشحذ همته للدور الثاني وأمله في النجاح، وأشعره بأنك قريب منه، وعلمه أن من لا يتذوق مرارة الرسوب قد لا يتوثب دائما للنجاح، واطلب منه عهدا على النجاح في الدور الثاني، وسترى النتيجة مرضية بإذن الله.
3 - من المناسب أن يلتفت الآباء أن تأكيد الفشل في نفسية أبنائهم، وتوبيخهم والاستهتار بهم بسبب الرسوب، قد يدفعهم إما للانتقام، أو لسلوك طرق السوء، أو لكليهما معا، وحينها لا نخسر شهادة النجاح للولد أو الفتاة، بل قد نخسرهما بلا رجعة.
إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"العدد 2488 - الإثنين 29 يونيو 2009م الموافق 06 رجب 1430هـ