تسنّت لي زيارة موريشيوس منذ أيام، والزيارة صاحبتها ضجة انتشار مرض انفلونزا الخنازير بين هذا البلد وذاك... ولكن ومع أخذ الحيطة وارتداء كمامات الوجه التي كانت رفيقا متعبا طوال رحلتي إلى جزر السكّر والأحلام الواقعة في المحيط الهندي جنوب شرق القارة الإفريقية، تيسرت الأمور للإطلاع على تجربة تستحق الدراسة.
موريشيوس التي كانت مكانا لإقطاعية البيض وعبودية الأفارقة واحتقار الآسيويين، هي بلد يُضرَب به المثل حاليا في إفريقيا وجزر المحيط الهندي التي لا تحظى بظروف سياسية وتاريخية كموريشيوس، فهي مساحات واسعة زرع فيها قصب السكر من قبل أيدي الرق، ولكن الذين لم تكن لهم قيمة بالأمس أصبحوا سادة ارضهم في الزمن الحاضر.
إن تاريخ موريشيوس يحكي في صفحاته كيف سقطت العبودية فيها دون إهراق للدم مقارنة بدول إفريقية أخرى، وكيف أن التحرير جاء بعد أن لم يصدق أحد من الذين كانوا تحت الرق حقيقة ذلك عندما أصبح كل رق محرر يسمى بـ «الكريول »، أي « الزنوج المحررون».
الموريشيون هم خليط اثني وعرقي متعدد... فهناك إلى جانب الكريول، جماعات هندية وأخرى جماعات من جزر القمر وأقلية من الفرنسيين المعروفة بفرانكو موريشيوس، واللغة الإنجليزية هي الرسمية إلى جانب اللغتين الفرنسية والهندية، ويمثل 50 في المئة من السكان هندوس، 32 في المئة مسيحيون، 17 في المئة مسلمون بينما يبلغ عدد اليهود من أصول فرنسية ثمانين يهوديا فقط.
سكان موريشيوس دائمو الابتسامة، يتحدثون اللغة الفرنسية لكن بلهجة محلية، أي لهجة سكان الجزر، إلى جانب الإنجليزية التي يتعلمونها في المراحل التعليمية الثلاث وصولا إلى المرحلة الجامعية، ونظامهم ديمقراطي يعتمد على الانتخاب وتعدد الأحزاب، بينما توجد أكثر من عشرين صحيفة ومطبوعة مختلفة. غير أن معدل دخل الفرد ضعيف جدا مقارنة بمنطقتنا، ومع ذلك فقدحازت أعلى مرتبة في الحكم الصالح في إفريقيا، بسبب اعتماد إجراءات شفافة ومنفتحة ديمقراطيا.
توفر الدولة لمواطنيها تعليما مجانيا طوال مراحل تعليمهم في المدرسة، لهذا فالموريشي مطلع يتقن لغات ومتعلم، الا أن أغلبهم يضطر إلى عدم مواصلة الدراسة الجامعية بسبب تكاليفها الباهظة فيبحث عن عمل أو الهجرة إلى بريطانيا أو فرنسا إن كانت هناك فرصة من أجل زيادة دخله اليومي.
ورغم أن زمن الاستعمار والإقطاعية قد ولّى في هذا البلد المتسامح إلا أن البعض يقول إنها اليوم قد تعيش إقطاعية من نوع آخر؛ فهناك أربع عوائل «فرانكو موريشية» تسيطر على الجانب الاقتصادي، ولها نفوذ قوي داخل الحكومة، إلا أن هذا قد يتعارض مع من يقول بأن الحكومة استرجعت أراضي كان يستحوذ عليها الاقطاعيون، وهذه الأراضي المسترجعة أصبحت ملكا عامّا، كما أن المواطنين يتمتعون بكامل حقوقهم المدنية والسياسية دون فرق، والسواحل والبيئة الطبيعية ملك لجميع المواطنين وليست حكرا لأحد.
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 2488 - الإثنين 29 يونيو 2009م الموافق 06 رجب 1430هـ