اعتمد مجلس الامن الدولي وبعد ثلاثة ايام من المفاوضات الشاقة، مساء أمس (الخميس) قرارا يجيز تنفيذ ضربات جوية ضد ليبيا لمنع النظام الليبي من استخدام الطيران ضد الثوار والمناطق المدنية.
ويجيز القرار الذي تبناه مجلس الامن بموافقة عشرة اصوات وامتناع خمسة عن التصويت، استعمال "كل التدابير الضرورية" لحماية المدنيين وفرض وقف لاطلاق النار على تشكيلات الجيش الليبي، بما في ذلك تنفيذ ضربات جوية، لكنه يؤكد انه لا يجيز احتلال اي جزء من ليبيا.
كما يفرض القرار منطقة حظر جوي لا يستثنى منها سوى الطلعات الانسانية حصرا.
وبعد ان استخف بقرار مجلس الامن الدولي واعتبر انه لا يساوي قيمة الورق الذي كتب عليه ويهدد وحدة ليبيا وانه "تآمر على الشرعية ودعوة لذبح الشعب الليبي"، اعلن الامين المساعد لوزارة الخارجية الليبية خالد الكعيم مساء الخميس ان ليبيا مستعدة لوقف اطلاق نار ضد المتمردين.
وقال الكعيم في مؤتمر صحافي "اننا جاهزون لهذا القرار لكننا محتاجون ان نتكلم مع طرف محدد لنناقش كيفية تطبيقه".
واضاف "سوف نتعامل مع هذا القرار بشكل ايجابي وسنؤكد نيتنا هذه من خلال ضمان حماية للمدنيين".
وقال "تكلمنا الليلة الماضية (الاربعاء) مع الموفد الخاص للامم المتحدة وطرحنا اسئلة مشروعة حول التطبيق والتفاصيل".
وصدر القرار باغلبية 10 اصوات من اصل 15 يتألف منهم مجلس الامن. وقد امتنعت روسيا والصين عن التصويت ولكنهما لم تستعملا حق النقض (الفيتو) لاسقاط مشروع القرار.
كما امتنعت المانيا والبرازيل والهند عن التصويت.
وفي الوقت الذي اعلن فيه معمر القذافي عن هجوم وشيك ستشنه قواته على مدينة بنغازي، معقل الثوار في شرق البلاد، حذر وزير الخارجية الفرنسي الان جوبيه من انه ليس هناك الكثير من الوقت للتدخل. وقال "المسألة قد تكون مسألة ساعات".
وكان اعلن في وقت سابق ان الضربات الجوية ستبدأ فور تبني القرار.
واضاف جوبيه "كل يوم وكل ساعة تمر تزيد من ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقنا. سيكون مشرفا لمجلس الامن اعلاء القانون على القوة، والحرية على القمع، في ليبيا".
وبعد التصويت، قال سفير بريطانيا لدى الامم المتحدة مارك ليال ان بلاده "مستعدة لتحمل مسؤولياتها لوضع حد لاعمال العنف وحماية المدنيين".
اما سفيرة الولايات المتحدة لدى الامم المتحدة سوزان رايس فقالت ان بلادها "تقف الى جانب الشعب الليبي وتطلعه الى حقوق الانسان". واضافت ان "مجلس الامن تجاوب مع نداء مساعدة الشعب الليبي. هذا التصويت هو استجابة قوية لاحتياجات ملحة على الارض".
وفي معسكر الذين امتنعوا عن التصويت، برر وزير الخارجية الالماني غيدو فسترفيلي امتناع بلاده عن التصويت بانها ترى في اي تدخل عسكري في ليبيا "مخاطر وتهديدات كبيرة"، مشددا على ان "الجنود الالمان لن يشاركوا في تدخل عسكري في ليبيا".
ولكن فسترفيلي اشاد ب"تعزيز العقوبات الدولية على نظام القذافي" التي نص عليها القرار وتدعمها برلين، موضحا ان "موقفنا حيال نظام القذافي ما زال نفسه: يجب ان يوقف الديكتاتور كل اعمال العنف ضد شعبه. يجب ان يترك السلطة وان يتحمل مسؤولية جرائمه".
اما سفيرة البرازيل ماريا لويزا ريبيرو فيوتي فقالت ان بلادها "ليست مقتنعة بان استعمال القوة سيؤدي الى وضع حد لاعمال العنف". واضافت "هذا الامر قد يحمل المزيد من الضرر بدلا من الخير للشعب الليبي".
ومن ناحيته، اعتبر سفير روسيا فيتالي تشوركين ان "الاندفاع الى استعمال القوة هو الذي تغلب. انه لامر مؤسف جدا". وذكر ان بلاده اقترحت قرارا يدعو الى وقف لاطلاق النار.
وقال سفير الصين لي باودونغ الذي يتولى رئاسة مجلس الامن خلال اذار/مارس انه كان "على الدوام معارضا لاستخدام القوة في العلاقات الدولية".
وما ان صدر القرار حتى اعلن البيت الابيض ان الرئيس الاميركي باراك اوباما اتصل هاتفيا بكل من نظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون لتنسيق استراتيجية تطبيق القرار الدولي.
وجاء في بيان البيت الابيض ان "القادة اتفقوا ان على ليبيا ان تمتثل فورا لكافة بنود القرار وان اعمال العنف ضد السكان المدنيين في ليبيا يجب ان تتوقف"، مضيفا انهم "اتفقوا ايضا على تنسيق الخطوات المقبلة بصورة وثيقة ومواصلة العمل مع العرب وغيرهم من الشركاء الدوليين لضمان تطبيق قرار مجلس الامن الدولي حول ليبيا".
وفي باريس اعلنت الرئاسة الفرنسية في بيان مقتضب ان ساركوزي واوباما "تحادثا هذه الليلة حول تطبيق القرار 1973 الذي اقره مجلس الامن الدولي".
بدوره اعلن دبلوماسي في حلف الاطلسي ان ممثلي الدول ال28 الاعضاء في الحلف ستدرس اليوم الجمعة نتائج تبني قرار المجلس، منوها بان ان "اي قرار عن الحلف الاطلسي سيرتكز على ثلاثة شروط ذكر بها الامين العام للحلف انديرس فوغ راسموسن وهي ضرورة بروز حاجة للتدخل العسكري ووجود مهمة قانونية واضحة ودعم منظمات اقليمية معنية".
كما اعلن الاتحاد الاوروبي استعداده لتطبيق القرار "في حدود امكانياته"، وان المسألة ستكون على جدول اعمال اجتماع وزراء خارجية الدول الاوروبية الاثنين في بروكسل ثم في قمة رؤساء الدول والحكومة المقررة يومي الخميس والجمعة.
ويستند هذا التصريح الى العقوبات المفروضة على نظام العقيد القذافي وعلى الاجراءات المقررة لفرض احترام الحظر على الاسلحة الوارد في القرار اكثر منه اللجوء الى تدخل عسكري.
واكد وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ ان قرار مجلس الامن يهدف الى تفادي سقوط مزيد من الخسائر البشرية.
وقال هيغ حسب ما جاء في بيان لوزارة الخارجية "من الضروري اتخاذ هذه الاجراءات لتحاشي حصول حمام دم اكبر ولمحاولة وقف ما يجري من هجمات على الشعب الليبي".
وسينشر الجيش البريطاني طائرات هجومية على الارض من طراز تورنايدو المتمركز عادة في مارهام (شرق بريطانيا) وفي لوسيموث (اسكتلندا).
واعلنت وسائل اعلام كندية الخميس ان كندا سترسل الى ليبيا ست مقاتلات من طراز "سي اف-18" للمشاركة في تطبيق القرار.
بدوره اعرب وزير الخارجية الاسترالي كيفن رود عن امله في ان لا يكون قرار مجلس الامن قد جاء "متأخرا جدا".
كما اشاد بالقرار ثلاثة اعضاء نافذين في مجلس الشيوخ الاميركي، مؤكدين على ضرورة "تطبيقه سريعا".
وقال الجمهوري جون ماكين والمستقل جو ليبرمان والديموقراطي جون كيري في بيان مشترك انهم "اشادوا بما قام به مجلس الامن لاجازته استعمال +جميع التدابير الضرورية+ لفرض منطقة حظر جوي في ليبيا وحماية المدنيين" من هجمات القوات النظامية.
وفي بنغازي، معقل الثوار في شرق ليبيا، تجمع مئات من الشبان امام مقر المجلس الوطني الانتقالي الذي شكله المتمردون للاحتفال بصدور القرار بعد ان اعلن القذافي ان قواته ستهاجم المدينة منذ الليلة، متوعدا بحسم السيطرة عليها "خلال ساعات".
ومن بنغازي انطلقت في منتصف شباط/فبراير الثورة الشعبية المناهضة لنظام القذافي الذي يحكم البلاد منذ 42 عاما.