حال الطواغيت كلهم حال فرعون، يرتكبون الموبقات والجرائم ما ظهر منها وما بطن، وعندما تقترب نهايتهم يتلمسون النجاة عندما كانوا يعذبونهم ويهينونهم أكثر من غيرهم بكثير!
ففرعون آمن برب موسى عندما شارف على الموت، وهكذا فعل القذافي بعده، ومثلهما فعل وسيفعل الكثيرون فيما بعد!
القذافي يعد واحداً من أسوأ حكام العالم - على الإطلاق - ومن أكثرهم دموية ووحشية، لكن هذه الوحشية لا يستطيع ممارستها إلا على الشعب الليبي المقهور؛ فقتل منهم الآلاف قبل ثورتهم عليه، كما قتل منهم الآلاف أثناء هذه الثورة، وسيستمر في ارتكاب جرائمه وبكل الوسائل مادام على قيد الحياة! إن هذا النوع من البشر لا يتخيل أنه سيفقد السلطة التي أعطته كل شيء لأنه بدونها سيصبح لا شيء، بل مطارداً وملاحقاً على جرائم كبيرة ومتنوعة ولهذا سيفعل كل ما يستطيع ليبقى حتى وإن ذبح مئات الآلاف من الشعب المسكين!
الخطورة تتزايد عندما يكون الدكتاتور أحمقاً، لا يسمع إلا ما يريد، ولا يشاهد إلا ما يعجبه، والمنافقون من حوله لا يجرأون على قول كلمة حق واحدة فضلاً عن بضع كلمات!
القذافي يعتقد أنه هو «ليبيا» وهو صانع مجدها - وحده - وأنه الوحيد القادر على حفظ أمنها واستقرارها! أما الليبيون فهم - حسب زعمه - مجموعة «جرذان» ومهلوسين، وشذاذ آفاق، وغير ذلك من الصفات القبيحة التي وصف بها شعبه، الذين يحبونه ويفدونه بدمائهم!
وبينما يرى العالم كل ما يجري في ليبيا، ويتحدث الكثيرون عن عقوبات رادعة ينبغي اتخاذها ضده، وعن الموقف المناسب من الثوار وأهمية دعمهم، كل هذا لم يغير وجهة نظر العقيد بل بقي مصراً على مواقفه وأن الشعب كله معه إلا الشواذ منهم!
والدكتاتور ومثله ابنه - مرشحه لولاية العهد - يتمتعان بسوء أخلاق لا يمكن أن توجد عند عاقل يحترم نفسه فضلاً عن حاكم بلد يصف نفسه بالقائد وما أشبه ذلك من الصفات التي ليست فيه أي واحدة منها!
تاريخ القذافي يؤكد أنه محارب للإسلام وعدو لأهله قديماً وحديثاً؛ فهو من حرّف القرآن الكريم، وهو من أنكر سنة الرسول الكريم، وهو من حارب العلماء في بلده، وقتل منهم المئات وشرّد الباقين خارج بلادهم.
وفي بداية الثورة وصف الثائرين بكثير من الصفات القبيحة منها: إنهم أتباع بن لادن والزرقاوي، وأنهم ظلاميون سيقيمون إمارات إسلامية! وفي إحدى خطبه سأل شعبه: هل ستتبعون شيخاً لحيته مليئة بالقمل؟! هكذا كان يسخر من العلماء، وهكذا كان يعاملهم!
لكن القذافي وولي عهده تغيرا كثيراً عندما شعرا أن الموت اقترب منهما كثيراً! وبعد دراسة معمقة - هكذا أظن - وجدا أن الحل عن المشايخ فلعل هؤلاء يمنعون الموت من الاقتراب منهما! وفي هذا السبيل لا بأس أن يغيرا موقفهما من المشايخ - ولو مؤقتاً - حتى تزول الغمة ويرجع كل شيء كما كان!
الذي يستطيع الصبر على متابعة التلفزيون الليبي سيلاحظ ما قلته ببساطة خاصة إذا كان يعرف طبيعة المحطة الليبية قبل الثورة. استضافة المشايخ أصبحت ظاهرة، والحديث وطبيعته معروف ومعد سلفاً! فالقذافي حاكم مليء بالإيمان، بل إن إيمانه يفيض من كل جانب، ولهذا فالخروج عليه حرام بإجماع المسلمين! ولولا الحياء لقالوا: وأيضاً غير المسلمين!
والعجيب في المسألة أن القذافي يعلن بكل وضوح: أنه ليس حاكماً! ولو كان عنده وظيفة لكتب استقالته ورماها في وجوه المتظاهرين! فإذا كان الأمر كذلك - حسب اعترافه - فلماذا لا يجوز الخروج عليه؟! ربما أن مشايخه لا يستمعون إلى خطبه فحسبوه حاكماً كغيره!
ولم يكتفِ القذافي بمشايخ بلده الذين وقفوا معه، بل بدأ رحلة بحث شاقة لعله يجد مشايخ في دول أخرى تدعم موقفه المتهالك!
اتصل نجله - المدلل - بالشيخين سلمان العودة وعايض القرني، وربما ذكرهما بزيارتهما لبلده وكيف أكرمهما ورداً لجميله، طلب منهما حث المتظاهرين على وقف كل أعمالهم، ومطالبتهم بطاعة وليّ أمرهم الشيخ القذافي... لكن الشيخين رفضا الاستجابة لطلبه، ويشكران على هذا الفعل! أما رئيس قناته فقد اتصل بالشيخ محمد العريفي لنفس السبب، لكن العريفي رفض الطلب كذلك. قطعاً فقد بحث عن الكثيرين في طول بلاد الله وعرضها، وربما عرض عليهم الكثير من الإغراءات، ولكن العقلاء لن يستجيبوا له كما أعتقد، لاسيما وأنه لا يحفظ الأسرار، فقد فضح البعض وهدد بفضح آخرين.
ولم يتوقف الأمر عند الأحياء فقد تجاوزه إلى الأموات الذين كان القذافي لا يطيق سماع أسمائهم، وكان يمنع كتبهم من دخول ليبيا منذ توليه وحتى الآن. فتاوى بن تيمية، وابن القيم، وآخرون كلها كانت تتردد على قناته... وكلها بحسب انتقاءاته تتوقف عند تحريم الخروج على الحكام دون الدخول في التفاصيل المزعجة!
من المؤسف أن يبعد بعض الحكام العلماء عن كل مناحي الدولة، ويوجهون إليهم التهم الكاذبة، فإذا احتاجوا إليهم في الأزمات استدعوهم لكي يقفوا معهم... لكن هؤلاء لم يدركوا أن الشعوب أصبحت على درجة عالية من الوعي وأنها قادرة على معرفة من يقول الحق ممن لا يقوله!
ولو كان القذافي - وغيره - على درجة من الوعي السياسي لأعطوا كل صاحب حق حقه، ولاحترموا علماء بلادهم، لأنهم - إن فعلوا ذلك - سيجدون أن الكل معهم، لكنهم في ساعة الموت سيتخلى عنهم أقرب الناس وهذه سنة الله في خلقه السيئين
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 3112 - الإثنين 14 مارس 2011م الموافق 09 ربيع الثاني 1432هـ
شكرا لك
هذا حال الطواغيت منذ القدم
العلماء
و لكن العلماء الذين أستشهد بهم الكاتب أصدروا الفتاوي بحرمة التظاهر و الخروج على ولي الأمر في السعودية، لماذا لم يتطرق الكاتب لما يجري في بلده؟؟؟ طبعا نحن نؤيده تماما فيما تطرق اليه بشأن القذافي ...!!!