تحتفل الأمم المتحدة هذا العام 2011 بالسنة الدولية للمنحدرين من أصل إفريقي، وبهذه المناسبة دعا الأمين العام، بان كي مون، زعماء العالم إلى القضاء على العنصرية مرة واحدة وإلى الأبد.
وقال الأمين العام بمناسبة إطلاق السنة في احتفال جرى بالمقر الرئيسي بنيويورك «لا يستطيع المجتمع الدولي قبول تهميش مجتمعات بأكملها بسبب لون بشرتها، إن الأشخاص المنحدرين من أصول إفريقية هم الأكثر عرضة للعنصرية، فهم غالبا ما يواجهون الحرمان من حقوقهم الأساسية مثل الحصول على خدمات الرعاية الصحية والتعليم».
ولقد كانت تجارة الرقيق عبر الأطلنطي مأساة مروعة ليس فقط بسبب الوحشية ولكن بسبب حجمها وتنظيمها وسلب إنسانية الضحايا ويرجع ذلك لطول أمدها (أربعمئة عام) وحجمها (قرابة 17 مليون شخص باستثناء أولئك الذين لقوا حتفهم في أثناء نقلهم) لذلك عدّها البعض ضمن أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان في تاريخ البشرية.
وقد شملت تجارة الرقيق مناطق وقارات متعددة: إفريقيا وأميركا الشمالية والجنوبية، وأوروبا والكاريبى وتسببت في بيع ملايين الأفارقة واستغلالهم من قبل الأوروبيين.
غير أن المؤرخين والمراقبين يجمعون على أن إفريقيا تعرضت لتجارة الرقيق من قبل ثلاث جهات رئيسية، ويقدمون أرقاما أخرى مروّعة عن عدد الرقيق: أمّا الجهة الأولى فهي تجارة الرقيق الغربية عبر الأطلنطي والتي أخذت العبيد ونقلتهم بالقوة إلى العالم الجديد حيث تم خطف ونقل (وقتل) ما بين 40 إلى 100 مليون مواطن إفريقي إلى العالم الجديد وأوروبا من خلال هذه التجارة البغيضة. والثانية، تجارة الرقيق الشرقية حيث تم أخذ العبيد إلى مناطق ودول الشمال الإفريقي وشبه الجزيرة العربية. والثالثة، التجارة الإفريقية الداخلية للرقيق، حيث تم الاتجار بالرقيق الإفريقي داخل أقاليم إفريقيا جنوب الصحراء، ونقلوا من إقليم إلى آخر، وبلغت ذروتها العام 1850 فيما سُمي بالتجارة الأهلية.
نعم إن المنحدرين من أصل إفريقي هم من بين أشد المتضررين من العنصرية، وغالبا ما يواجهون الحرمان من الحقوق الأساسية مثل الحصول على الخدمات الصحية الجيدة والتعليم. فميراث تجارة الرقيق عبر الأطلنطي هو موضوع جدل كبير، إذ مما لاشك فيه أنها قد تسببت في هدم قدر لا يستهان به من لغة ملايين الأفارقة المستعبدين وثقافتهم ودينهم. إن ترحيل مثل هذه الأعداد الكبيرة من البشر من إفريقيا قد تسبب بالتأكيد في تعطيل الاقتصاد الإفريقي وكما يرى بعض الباحثين أنه قد وضع إفريقيا في حالة من الحرمان الدائم مقارنة بباقي أنحاء العالم.
لكنّ العجيب أنه وحتى اليوم، مازال الأفارقة والأشخاص من أصول إفريقية يعانون من نتائج تلك الأفعال، ويطالبون بإدماجهم في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفي كل مستويات صنع القرار.
لذا أصدرت الجمعية العامة في ديسمبر/ كانون الأول 2009 قرارا لتعزيز الإجراءات الوطنية والإقليمية والدولية لضمان تمتع الأشخاص المنحدرين من أصول إفريقية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسة والمدنية وتعزيز اندماجهم في جميع جوانب المجتمع واحترام تراثهم وتنوعهم الثقافي. لكن إلى أيّ مدى تلتزم الدول المستضيفة والمشغلة للعمالة الإفريقية بهذه القرارات الأممية؟ أم تراها كغيرها من القرارات حبرا على ورق؟ ولمَ لا تتكلم الهيئات الأممية عن تعويضات مادية بسبب ما لحق بهم طيلة أربعة قرون من الاستغلال في أبشع صوره؟
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 3112 - الإثنين 14 مارس 2011م الموافق 09 ربيع الثاني 1432هـ