الماما التي أعنيها هنا هي السيدة «أميركا» وهذا اللقب أطلقه عليها الممثل المتميز «محمد صبحي» في مسرحيته الشهيرة «ماما أميركا» التي اعترضت عليها السفارة الأميركية في القاهرة آنذاك لكي تثبت للعالم كله مدى حرية التعبير التي تنادي بها أميركا وتريد أن تفرضها علينا بطريقتها الخاصة.
أما البابا فهو السيد بنديكتس السادس عشر الذي تفضل على شعبنا في فلسطين بزيارة عابرة وبأفضل منها لشعب الله المختار في الأراضي المحتلة...
وقد تابعت معظم فقرات هذه الزيارة واستمعت إلى معظم تصريحات البابا هنا وهناك، كما استمعت إلى بعض تعليقات الصهاينة على زيارته، ونتيجة لكل ذلك انطبع في ذهني هذا السؤال: هل هناك من فرق بين البابا «بنديكتس» والماما «أوباما» أم أن الاثنين سواء بالنسبة إلى القضايا العربية عموما وقضية فلسطين على وجه الخصوص؟
البابا بدأ عهده الميمون بالهجوم على رسولنا الكريم ووصف الإسلام بالإرهاب. وادعى أن الإسلام لم يأت بجديد سوى العنف... أعرف أنه ادعى أنه نقل هذا الكلام عن حوار جرى بين أمبراطور رومي ورجل دين فارسي لكن هذا الادعاء لايثبت مطلقا أنه لا يعادي الإسلام، وأنه كان يجب أن يراجع نفسه عن مثل هذه التصريحات التي تسيء للمسلمين لكنه لم يفعل.
«الماما» السابقة لأميركا «جورج بوش» كان صريحا في عدائه للإسلام ورغبته في شن حرب صليبية عليه - وقد فعل - لكن الحالي لم يظهر عداوة واضحة للمسلمين وإن كانت اتجاهاته - حتى الآن - لا تشير مطلقا أنه متعاطف مع قضاياهم لا في فلسطين ولا في العراق ولا في إفغانستان، بل أنه يهدد بمعاقبة إيران، ولست أدري هل ستفتح جبهة هناك مع الصهاينة أم لا!
وبمناسبة الحديث عن إيران فإن «نتنياهو» طالب البابا بإسماع العالم ما ستفعله إيران بـ «إسرائيل»! كما أن مجموعة من الصهاينة اعتبروا أن ما قاله البابا عن محرقة اليهود لم يكن كافيا!
من حق الصهاينة أن يقولوا ما يشاؤون، ومعروف أنهم من أكثر الأمم كذبا وخداعا، لكن ليس من حق الآخرين أن يخضعوا لابتزازهم الذي لا ينتهي...
البابا شأنه شأن «الماما» يتحدثون بألم عن المحرقة اليهودية بكل المزاعم التي تدور حولها/ لكن أحدا منهم لم يتألم للمحرقة الصهيونية التي شاهدوها جميعا في غزة...
لم ينكرها أحد، ولم يبك أحد منهم على القتلى والجرحى ومن في حكمهم، بل أن «الماما» كانت تمدهم بالسلاح أثناء المعركة لكي يتمكنوا من الإجهاز على كل أهالي غزة ولكن الله أراد غير ذلك.
صحيح أن «البابا» لم يؤيد تلك المحارق، ولكن «الإنسانية» كانت تريد منه عملا له قيمة يوقف تلك المجازر، أو يحدد موقفه بقوة منها.
«البابا» تحدث عن فلسطين في زيارته، وتحدث عن الجدار العازل الذي رآه خلفه مباشرة، وتحدث عن دولة فلسطينية... لكن بأي صيغة تحدث؟!
كان يقول: لا يجوز أن يحصل هذا... ومن الأفضل أن يحصل كذا أو كذا... ومن المهم أن يكون هناك دولة فلسطينية...
«البابا» لم يكن يتحدث إلى «أشباح» وبالتالي فإن هذه الصيغة «المريضة» ليست صالحة وليس لها فائدة... كان ينبغي أن يقول: ينبغي على الإسرائيليين أن يتوقفوا عن بناء المستوطنات، ويجب عليهم هدم جدارهم العنصري البغيض، كما يجب عليهم الاعتراف الفوري بالدولة الفلسطينية ذات السيادة الكاملة على أراضيها... إلخ هذا ما كان يجب أن يفعله، لكنه لم يخرج عن الإطار العام الذي تفعله «الماما» تضحك به على ذقون العرب... هذا إذا كان لهم ذقون!
منذ أن جاء «أوباما» وهو يعد بالتغيير، ويرى وجود حل الدولتين لكنه مازال كسابقه يتحدث ولا شيء آخر»؟
أوباما يرى التوسع في بناء المستوطنات، ويرى هدم منازل أهالي القدس، ويرى الحفريات تحت المسجد الأقصى... يرى كل ذلك وهو يدرك أن هذه الأعمال تقتل حل الدولتين التي يدعي أنه يريدها ومع هذا كله لم يفعل شيئا... فهل هناك فرق بينه وبين «البابا»؟
نتنياهو سيزوره وقد حمل له ملف «إيران» وسيحاول إقناعه أن هذا الملف أهم من ملف «فلسطين» وأرجح أنه سيقتنع بذلك لا لأنه مقتنع حقا ولكن لأنه - أصلا - لا تهمه فلسطين ولا العرب جميعا...
«البابا» عرّض بالمقاومة، ورأى أن الدين يجب أن لا يستخدم في السياسة - لعله يقصد حماس وحزب الله -، وحذر من غواية العنف والإرهاب!
يتفق «البابا» مع «الماما» تماما في هذه المسألة، فالمقاومة إرهابا، والمطلوب - بحسب آرائهم- أن يستسلم المسلمون للمقصلة الصهيونية والأميركية وإلا فهم إرهابيون! هؤلاء لم ينظروا إلى ما يفعله الصهاينة كل يوم في فلسطين... وكأن أفعالهم الإجرامية مشروعة والدفاع عن النفس جريمة يعاقبونه عليها!
وكعادة الصهاينة حاولوا ان يبتزوا «البابا» لكي يعطيهم كل شيء، ذكروه بماضيه النازي، وقالوا له: إنه من بلد قام بإحراقهم، وإن عليه أن يدفع ثمن ذلك كله!
مبدأ الابتزاز توجه «لماما» فهناك صهاينة كثر حول «الماما» والكل يضغط باتجاه «أوباما» لتكون بوصلته متجهة دائما نحو الصهاينة، وها نحن نراه يضغط عليهم بلطف شديد، ولا يهمه أن استجابوا لضغطه أو لم يستجيبوا.
رئيس حكومة السيدة «ماما» أمر بترحيل حارس نازي إلى ألمانيا ليواجه محاكمة هناك بقتل نحو 29 ألف يهودي! تخيل حارس يقتل كل هذا العدد!
قطعا لن يفكر السيد «أوباما» أن يرحل ضيفه القادم ليحاكم في فلسطين لأنه قتل آلاف الفلسطينيين - حقيقة - خلال عمره المشئوم... بل أنه لن يجرؤ على لومه على جرائمه!
الفوارق قليلة بين الاثنين، ولكن هل يحق لنا أن نلوم أيا منهما مادمنا «نايمين في العسل» ولا يهمنا كل ما يجري حولنا؟ سؤال لا أجد له إجابة...
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 2447 - الإثنين 18 مايو 2009م الموافق 23 جمادى الأولى 1430هـ