على رغم الكثير من المفاجآت التي حملتها انتخابات الأمة الكويتي للعام 2009، لكن خبر فوز المرأة بأربعة مقاعد خطف الأضواء وطغى على الأخبار الأخرى كافة، بما فيها التراجع الذي عانت منه هذه الكتلة أو تلك لصالح غيرها من الكتل المنافسة.
حققت المرأة هذا الفوز بهذا العدد غير المتوقع، إثر حالتي فشل مطلق تعرضت لهما المرأة الكويتية منذ العام 2005، عندما عززت المرأة الكويتية مكاسبها السياسية، بانتزاع حقها في الترشح. ومن باب العلم، فإن النساء في الكويت يشكلن نسبة أعلى (54.3 في المئة)، في الأصوات التي يحق لها التصويت، من نظرائهن الرجال، نظرا إلى حجب هذا الحق عن أفراد القوات المسلحة ومعظمهم من الرجال.
يكتسب هذا الانتصار النسائي الكويتي مجموعة من الدلائل والدروس المهمة من بين أهمها:
1 - قدم التجربة البرلمانية الكويتية خليجيا، إذ إن الكويت كانت أول الدول الخليجية (منذ الستينيات من القرن الماضي)، امتلكت الجرأة السياسية للدعوة لانتخابات برلمانية، توافرت فيها الكثير من القيم الديمقراطية، والتي كانت من أهم أسباب تمتع الكويت بفترة طويلة من الاستقرار السياسي، مقارنة مع دول خليجية أخرى مثل البحرين، لم يعكر صفوها سوى غزو صدام للكويت في العام 1992. وبالتالي، فإن سابقة كهذه قد تكون لها انعكاساتها الإيجابية على تعزيز نضالات المرأة في مناطق أخرى من دول الخليج، وعلى وجه الخصوص تلك الدول التي تعاني المرأة فيها الكثير من أشكال «القمع» الاجتماعي، دع عنك المصادرة السياسية لأبسط حقوقها في هذا الميدان.
2 - نجاح المرأة الكويتية، على رغم أنه استغرق وقتا أطول مما كان متوقعا له، واقتضى تضحيات نسائية أغلى مما هو مطلوب، لكنه، أكد بالمقابل، أن المرأة، شأنها شأن أي مواطن آخر، بوسعها أن تنال المزيد من الحقوق، إذا ما ثابرت على النضال من أجلها، ولم تثنها عنها بعض التراجعات التي تطرأ على المسيرة العامة، ولم تحبطها بعض الانتكاسات التي تواجها على ذلك الطريق.
3 - فوز المرأة الكويتية، أكد من جديد أننا في البلاد العربية، ومن بينها الدول الخليجية، علينا أن ندرك أن النضالات من أجل الحقوق الديمقراطية، تتطلب نفسا أطول، وربما تضحيات أكبر من تلك التي نحن على استعداد لتقديمها لنيل الاستقلالات الوطنية وتخليص البلاد من ربقة الاستعمار.
فمن غير المتوقع أن تقبل القوى المحلية التي ورثت الحكم، والممسكة بتلابيب السلطة، أو تلك القوى الأخرى التي ليست على كراسي السلطة، التنازل عن كل ما بحوزتها من نفوذ اجتماعي، وهيمنة مالية، وقوة سياسية، من دون أن تكون هناك تحالف بين قوى طلائعية متحالفة مع مد شعبي قوي وراسخ يملكان: الروية الواضحة، والنفس الطويل، والقدرة على العمل الدؤوب المتواصل، يرغمها جميعا على إعطاء المواطن الكثير من حقوقه التي جردته منها تلك القوى بعد رحيل الاستعمار، بأشكاله المختلفة عن المنطقة.
هذه العلامات الثلاث ستشاهدها الفائزات الأربع بارزة على طريق نضالهن داخل أروقة مجلس الأمة الكويتي. ومن هنا فأمام هؤلاء الفائزات مهمة معقدة وتحديات صعبة، وذات عدة أوجه، تشكل تحديا قائما أمامهن، طالما استمر حضورهن البرلماني.
أول تلك التحديات التي ستواجهها النائبة الكويتية، ستأتيها من بعض زملائها في البرلمان، ممن يشكل ذلك الفوز تحديا واضحا للقيم السياسية التي يؤمنون بها، وسيوجهون حرابهم ضد الفائزات بدلا من التنسيق معهن من أجل إنجاح التجربة الجديدة وتعزيز مكاسبها. لذلك، بقدر ما ستجد النائبة الكويتية نفسها مضطرة لبذل جهود مضاعفة لإثبات كفاءتها في بناء العلاقة مع السلطة التنفيذية، ستكتشف أن هناك جهدا مضاعفا لابد من بذله في التأسيس لعلاقة إيجابية من نمط مختلف مع تلك الفئة من النواب ممن يتحاشون التعاون مع النائبات، ويفضلون عليهن الرجال من أعضاء المجلس. نجاح المرأة الكويتية، وبهذا العدد، ووسط هذا المستوى من التنافس السياسي، يجعل من نجاح مجلس من الجنسين، عامل تحفيز لتكرار ذلك في دول خليجية أخرى، بما فيها دول تقوم فيها مجالس تشريعية منتخبة مثل البحرين.
ثاني تلك التحديات، يندرج تحت بند إثبات الذات، فعلى الفائزات الكويتيات أن يبذلن جهودا مضاعفة مقارنة بأقرانهم الرجال كي يثبتن للمواطن الكويتي، بل وربما الخليجي أيضا، أنهن جديرات بالفوز، وإنهن إلتزمن بالعمل على تحقيق ما ورد في برامجهن الانتخابية على اختلاف محتوياتها. فأي تراجع تعاني منه أي منهن، من المتوقع أن ينعكس سلبيا على أية مكاسب، مهما كانت طفيفة، يمكن أن تنالها المرأة الخليجية في دول أخرى. ستحاسب المرأة في هذه الدول، بخطأ لم ترتكبه، مهما كان ذلك الخطأ صغيرا، ومهما كانت الظروف التي قادت إليه، والتي ربما تكون النائبة الكويتية ليست مسئولة عنها. ستكون تلك النائبة الشماعة التي نتوقع أن «يعلق عليها الكثير، بمن فيهم بعض النواب المعارضين لوصول المرأة للبرلمان»، أخطاءهم، كي يثبتوا خطأ نتائج الانتخابات التي أوصلت المرأة إلى قبة البرلمان.
ثالث تلك التحديات، هو الاحتفاظ بالنفس الطويل والنظرة المستقبلية، فعلى الرعيل الأول في كل تجربة أن يبذل جهودا مضاعفة كي يثبت جدارته واستحقاقه. الأكثر من ذلك، على النائبات هنا، بوصفهن الرعيل الأول، أن يدركن أن أمام المرأة الكويتية طريق برلمانية طويلة ومرهقة، عليهن، أي الفائزات، أن يضعن أسس وتقاليد عمل المرأة في البرلمان، وهي على رغم الكثير من تشابهها مع تلك المطلوب من الرجل القيام بها، لكن يبقى للمرأة، وأوضاعها، متطلبات خاصة ومميزة، لابد للنائبات من الالتفات لها في هذه المرحلة المبكرة، وقبل فوات الأوان، على أن يكون هذا الإعداد بندا في قائمة طويلة تتطلب الثقة بالنفس، والإيمان بقدرات المرأة الكويتية وكفاءتها.
حلاوة طعم الفوز، لا ينبغي أن تغيب صعوبة التحديات... والمرأة الكويتية «قدها وقدود».
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2447 - الإثنين 18 مايو 2009م الموافق 23 جمادى الأولى 1430هـ