العدد 2447 - الإثنين 18 مايو 2009م الموافق 23 جمادى الأولى 1430هـ

حكومة نتنياهو ومؤتمر ديربن 2 يسقطان آخر ورقة التوت (1-2)

عيسى جاسم سيّار comments [at] alwasatnews.com

بالرغم من قناعتنا التامة بأنه لم تبقَ ورقة توت تستر عورة المجتمع الدولي، ولكن لنفترض جدلا بأنه مازالت هناك ورقة توت واحدة لم تسقط بعد؟ ولكنها عفوا سقطت أخيرا في مؤتمر ديربن 2؟ وانكشف الوجه القبيح للرأسمالية الغربية المتوحشة والتي تقوم على المصالح أولا والمصالح ثانيا والمصالح أخيرا وحتى المبادئ والأخلاقيات والمساعدات الإنسانية التي تقدمها الرأسمالية المتوحشة إلى المجتمعات الفقيرة تحركها السياسة والمصالح المباشرة للدول المانحة ولكن كيف ولماذا سقطت ورقة التوت الأخيرة عن عورة المجتمع الدولي؟

لقد قاطع مؤتمر ديربن ما يقارب السبع حكومات ديمقراطية، وهي الولايات المتحدة الأميركية، استراليا، كندا، ألمانيا، هولندا، «إسرائيل»، نيوزلندا. بالرغم من أن هذه الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية تسوق حكوماتها ومكينتها الإعلامية ليل نهار على الدول النامية مفاهيم ومبادئ حرية الرأي والرأي الآخر وحقوق الأقليات وحقوق الطفل وحتي المساس بالأديان والأنبياء يعد من حرية الرأي وغيرها من المسوغات والمفاهيم الجذابة والتي يسيل لهل لعاب المتأمركين ودعاة الليبرالية العمياء، ولكن عندما يقترب الأمر وحتى قليلا من الإدانة ولو بالكلام العنصرية الصهيونية وممارساتها الوحشية والتي تقدمت بامتياز على النازية الهتلرية والفاشية الموسولينية وغيرها من حركات التطهير العرقي الممنهج كما حدث في يوغسلافيا السابقة تقوم القيامة ولاتقعد، وتجاهر وبصلافة وحتى تصل إلى الوقاحة السياسية زعيمة ومعلمة الديموقراطية العالمية الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول التي تدور في فلكها بمقاطعة المؤتمرات والمنتديات واللقاءات التي يمكن فقط أن توجه انتقادا أو حتى لوما للكيان الصهيوني لمجرد وصفه بأنها دولة عنصرية، فمابالك لو قامت أي دولة بالاعتداء عسكريا على “إسرائيل” أعتقد بأنها الحرب العالمية الثالثة؟

لقد أصبحت مواقف هذه الحكومات التي قاطعت مؤتمر ديربن2 ووفود الحكومات التي كانت تخرج من قاعة المؤتمر بمجرد الإشارة إلى «إسرائيل» كدولة عنصرية مثار اشمئزاز من قبل الشعوب المحبة للسلام والشعوب التي عانت ومازالت تعاني من قبل من الاضطهاد والعنصرية المبطنة والتي مارسها عليها الرجل الأبيض، وفقدت تلك الدول الكثير الكثير من صدقيتها والمبادئ التي تنادي بها لتعزيز الديموقراطية والحريات والأخلاقيات وغيرها من مقومات وأصبح الكذب والنفاق السياسي والكيل بمكيالين أمور لا تنطلي حتى على الرضيع في اللفة ويحق لنا أن نتساءل هنا أينهم من قول المفكر والفيلسوف الفرنسي الشهيرفولتيير: إنني على استعداد لأن أضحي بنفسي من أجل سماع رأيك.

لقد لاحظ كل متتبع لمؤتمرديربن 2 تكريس النظرة الدونية التي يمارسها الغرب على العالم النامي أو الثالث كما يصنفونه من أكثر من قرن حيث يعتقد صانعو السياسة في مطابخ مجلس الأمن الدولي، والبيت الأبيض ومفوضية الاتحاد الأوروبي بأن العالم الثالث درجة ثانية ويجب أن تكون حريته درجة ثانية وحقوقه درجة ثانية وصوته درجة ثانية وعلى دول هذا العالم أن تكون بمثابة الطالب أو عفوا الخادم المطيع وعلى قادة وشعوب ودول .العالم الثالث أن تمارس الطاعة العمياء وتنفيذ دون مناقشة مايريده سيدها أو أستاذها الرجل الأبيض، وهنا نتوقف عند التساؤل الصريح الذي يطرح نفسه ماذا تغير من نظام الاضطهاد والعبودية الذي يمارسه الرجل الأبيض سابقا على الشعوب الفقيرة، أن الجواب بسيط في تقديري... لقد تغير الشكل ولكن لم يتغير الجوهر وقد تغيرت الوسائل والآليات ولكن ظلت دول العالم الثالث حكومات وشعوب أسيرة لأوامر وضغوطات وطلبات واحتياجات الرجل الأبيض فأميركا تحاصر شعبا بأكمله في كوبا منذ أكثر من أربعة عقود وأميركا والغرب حاصروا العراق لأكثر من تسع سنوات بعد غزوه للكويت ومنعوا الحليب والدواء عن أطفال العراق وقتلوا آلاف الأطفال وبمساعدة المجتمع الدولي؟ وبالرغم من أننا في القرن الواحد والعشرين احتلت أميركا دولتين ذات سيادة العراق وأفغانستان جهارا نهارا ودونما تفويض من مجلس الأمن ألم يعترف جورج بوش الابن ووزير خارجيته كولن بول بأن احتلال العراق تم بناء على معلومات خاطئة ومظللة قدمت لهم من قبل المخابرات المركزية الأميركية الـ (سي آي آيه) هذا الجهاز الذي لن تتمكن أي جهة أو قوة محايدة في العالم معرفة كم قتل من الرؤساء والشخصيات وكم عدد عمليات التخريب والفوضى التي قام بها في دول العالم؟ أليست هذه عبودية واضطهاد؟ أليس الضغوط والابتزاز والتهديد الذي يصل إلى حد الإطاحة بنظام الحكم أو المقاطعة المجيرة سياسيا أو التهديد بقطع المساعدات هو عبودية وإذلال ولكن في شكل وثوب جديد؟

وهنا نوجه تساؤلاتنا الشرعية كشعوب درجة ثانية للسيد الغربي بالله عليك ماذا يسمى جدار الفصل العنصري الذي أقامه الصهاينة أليس شبيها بالجدار الذي كان موجودا بين ألمانيا الغربية وألمانيا الشرقية والذي احتفلتم أياما وليالٍ بإسقاطه، ماذا تسمى سياسات التهجير الذي يمارسها الصهاينة منذ أن أعطى الغرب للصهاينة الحق في إقامة وطن لليهود على أرض فلسطين منذ أكثر من الستين عاما؟ هل تجرأت الولايات المتحدة الأميركية أو أي دولة غربية على إدانة تصريحات العنصري أفيفدور ليبرمان التي يطالب فيها جهارا نهارا بطرد عرب فلسطين من مدنهم وقراهم مالم يعترفوا بيهودية دولة “إسرائيل” ماذا يسمي الغرب هدم منازل الفلسطينيين في مدينة القدس الشرقية وتهجير أكثر من 1500 فلسطيني. ماذا يسمي الغرب القتل الممنهج اليومي للفلسطينيين والحواجز التي تعد بالمئات ولماذا يتباكى الغرب ليل نهار على الأسير العسكري الإسرائيلي جلعاد شاليط ويتسابق رؤساء الحكومات الغربية على محاولة تحريره وزيارة عائلته ومواساتها بينما لايحرك لسانهم ومنظماتهم الحقوقية ساكنا عندما يتم سؤالهم عن احتجاز “إسرائيل” لأكثر من إحدى عشر ألف فلسطيني أكثر من نصفهم اعتقال إداري و بدون محاكمة؟ تصور حتى مواقف منظمات حقوق الإنسان العالمية لا تجاهر بصوتها بشأن موضوع الأسرى الفلسطينين المدنيين وترفع الصوت لإطلاق سراح الجندي الإسرائيلي شاليط والذي اعتقل في معركة عسكرية ضد قوة محتلة ولكن عليك أن تحصي عدد بيانات الإدانة التي يصدرونها عندما تقتل قطة في منطقة دارفور.

لقد اعترف أخيرا الرئيس الفرنسي نيكولاي ساكوزي وبحضور صديقه الحميم الرئيس السابق لأميركا جورج بوش الابن بأن سبب الأزمة الاقتصادية العالمية هو تراجع الأخلاقيات في الغرب والناتجة عن الرأسمالية المتوحشة والتي ابتعدت عن المبادئ والأخلاق أليست هذه شهادة صريحة من أهل البيت؟ ماذا يعني تصريح ساركوزي هذا؟ يعني أن المبادئ والمثل والأخلاقيات أسقطتها المصالح وعندما أقصد المصالح هنا هي مصالح الدول الغربية، فالرأسمالية الغربية تقوم على الحرية الاقتصادية والفردية المطلقة، وأن الشركات هي المحرك والمسيطر بإحكام على السياسة، فأي رئيس دولة غربي أو حتى رئيس مجلس تشريعي تسيطر على قراراته المصالح المادية والتي تمكن لدولهم العيش بأمن وأمان ورفاهية أما الديمقراطية والحرية وغيرها من مفاهيم يسوقونها على العالم الثالث فهي مجرد حملات علاقات عامة لا أكثر ولا أقل، فاحتلال العراق كان هدفه الأول والأخير السيطرة التامة على نفط دول الخليج والتحكم فيه استراتيجيا وثانيا القضاء على أحد مراكز التهديد لـ”إسرائيل” والتأكد بأن العرق الأبي والعصي على المستعمر قد أصبح هباء منثورا وآخر شئ يفكرون فيه هو تعزيز الديمقراطية في العراق؟

وسوف نعرض في السياق التالي دليلا صارخا على سقوط صدقية ومبادئ الديمقراطيات الغربية في الحضيض وتحت أقدام مصالحهم ورأسمالياتهم المتوحشة الكثير منا يتذكر قبل أكثر من ثلاث سنوات دخول حركة المقاومة الإسلامية (حماس) العملية السياسية وفوزها بالأغلبية التشريعية وتشكيلها الحكومة الفلسطينية حيث جاءت حماس للسلطة من خلال انتخابات نزيهة وشفافة وتحت إشراف ممثلين من منظمات دولية وشخصيات سياسية عالمية ومنهم الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، لقد استبشر العالم خيرا عندما دخلت حماس العملية السياسية، بل وعرضت حركة حماس وعلى لسان رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل هدنة طويلة الأمد وأن حماس لاتعارض مفاوضات السلام مع الكيان الصهيوني دون إسقاط خيار المقاومة ودون التفريط في الثوابت الوطنية وهي دولة فلسطين حتى حدود عام 67 وعاصمتها القدس الشرقية وعودة اللاجئين وإطلاق سراح المعنين وغيرها... ما الذي حصل بعد ذلك؟

إقرأ أيضا لـ "عيسى جاسم سيّار"

العدد 2447 - الإثنين 18 مايو 2009م الموافق 23 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً