إنها نهاية النفط الرخيص، لكنها ليست نهاية النفط قطعاً. لن تكون لدينا تلك الوفرة التي اعتدنا عليها في الماضي. وهناك أيضاً عنصر بات معروفاً، هو أن معظم الطلب الجديد لنفط إضافي سوف يأتي من البلدان النامية، وليس من بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وعلى نطاق أوسع، سوف تبدأ فترة انتقالية خلال السنين الخمسين المقبلة، من المنتجات البترولية الى مصادر أخرى للطاقة. التوقعات الطويلة الأمد التي وضعها خبراء الطاقة، لمزيج الطاقة العالمي بعد خمسين سنة أو أكثر، تشير الى تنامي حصة الطاقات المتجددة وما يدعى «الفحم النظيف». لكن أحداً لا يعلم حقاً كيف سيكون مزيج الطاقة بعد نصف قرن.
هناك أمر وحيد يتفق عليه جميع الخبراء، هو أن مزيج الطاقة في المستقبل سيكون أكثر تنوعاً. لكن، لضمان انتقال سلس الى مزيج الطاقة غير المعروف هذا، يجب ألا تتوقف التدفقات الاستثمارية لتطوير الموارد البترولية، وعلى منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك» أن تواصل الحوار مع جميع الأطراف المعنية للحفاظ على التدفقات المطلوبة.
وثمة جانب آخر متعلق بالسنين الخمسين المقبلة، قلما يُعيره الناس انتباهاً، هو زيادة الاستهلاك في البلدان الأعضاء. رئيس شركة أرامكو السعودية خالد الفالح قال في بوسطن مؤخراً إن الطلب المحلي على الطاقة في السعودية كان يتوقع أن يرتفع نحو 250 في المئة بحلول العام 2028، من نحو 3,4 ملايين برميل من مكافئ النفط يومياً العام 2009 الى نحو 8,3 ملايين برميل يومياً. وهذا سيخفض كثيراً كمية النفط المتبقية للتصدير. ولننظر الى العراق أيضاً. إذا كان العراقيون سيبدأون إنتاج نحو أربعة ملايين برميل في اليوم، فلنتخيل الكمية التي سوف يستهلكونها، لأنهم يبنون بلادهم ويعتمدون كلياً على النفط.
ثم هناك مسألة «لعنة الموارد» والحاجة الى التنويع. اذا نظرنا الى أول قرار صادر عن أوبك، فهو يقول: «على الدول الأعضاء أن تعتمد على دخل البترول الى حد كبير لمعادلة موازناتها الوطنية السنوية». لو كان لي صياغة هذا النص الآن لكتبت نقيضه، ولقلت إن «على الدول الأعضاء ألا تعتمد على...» بكلمات أخرى، عليها أن تنوِّع. لقد شكلت هذه الفقرة عائقاً أمام البلدان الأعضاء منذ اليوم الأول، وهي ما زالت تشكل عائقاً. وبالطبع، يترافق التنوع مع الحاجة الى تطوير الموارد البشرية.
يجب أن أقول كلمة هنا حول منتجي النفط من خارج أوبك، الذين يتمتعون بالفوائد على حساب سواهم. لقد كانت أوبك تؤدي الواجب نيابة عنهم، واتخذت مراراً إجراءات لضمان استقرار السوق. أذكر أنني تناولت طعام العشاء في أحد منتديات الطاقة في مدينة أكسفورد البريطانية، وكان بجانبي رئيس مجلس ادارة إحدى شركات النفط الكبرى. سألته: «ماذا تظن سيحدث لو بنيتَ مرفقاً بترولياً بقدرة 100 ألف برميل في اليوم ووضعته قيد الاحتياط وجمدته في اليوم التالي؟» ابتسم وقال: «لكنت خسرت وظيفتي في اليوم التالي!». إن البلدان الأعضاء في أوبك تقوم حالياً ببناء قدرة زائدة لا تنتجها. فما كلفة عدم الاستفادة من هذه القدرة المعطلة؟ إنها كلفة هائلة، يمكن قياسها بعدد المدارس والمستشفيات وسواها التي يمكن بناؤها لو تم استثمار هذا الرأسمال لوجه آخر. والمنتجون من خارج أوبك لا يشاركون في تحمل هذا العبء.
أخيراً، في ما يتعلق باستمرارية مقاصد أوبك وأهدافها، لا أعتقد أن على المنظمة أن تعدل نهجها. وفي رأيي أن مهمة أوبك كما وردت في نظامها الداخلي ستبقى نافذة، ويجب أن تحافظ على قدرتها على التكيف لمواجهة التحديات الكثيرة في المستقبل. لكن أوبك كانت تظن انها تستطيع مواجهة المستقبل وتحدياته بما تقوم به من أنماط الصرف المتواضعة. غير أنه على المنظمة أن تفكر في موازنة طموحة وبتعديل نظام التوظيف، وحل مشكلة تعيين الأمين العام، التي تبرز كل ثلاث سنوات. أما العلاقة بين أوبك وشركات البترول الوطنية فهي علاقة ممتازة إذا أتت من اتجاه واحد، أي ان تستفيد أوبك من تجربة بعض هذه الشركات مثل «أرامكو»، وليس العكس. فليس لدى أوبك ما تقدمه لمثل هذه الشركة.
لقد أصدرت أوبك منذ أشهر قليلة استراتيجيتها الطويلة الأمد، لكن عليها أن تحوّلها الى خطة عمل قابلة للتطبيق والتطوير. أما اذا ظلت تلك الاستراتيجية خطوطاً عريضة، فانها لن تجدي نفعاً
العدد 3109 - الجمعة 11 مارس 2011م الموافق 06 ربيع الثاني 1432هـ