ديدين نورول روسيدين - محاضر في تاريخ الحضارة الإسلامية في دائرة العلوم الإنسانية والفنون بمعهد الدول
لا تعتبر إندونيسيا، التي تعاني من زيادة في التطرف ومستوى معين من الحصرية الدينية التي أدت إلى هجمات من قبل من يأخذون القانون بأيديهم ضد أقليات دينية معينة، لا تعتبر دائماً نموذجاً للآخرين. إلا أنها كدولة مرت بانتقال سياسي سلمي نسبياً ونجحت بحّل التوترات بين مبادئ الشريعة الإسلامية والديمقراطية الدستورية، أصبحت إندونيسيا تعتبر مؤخراً مورداً لم يستخدم لدول أخرى ذات غالبيات إسلامية تمر عبر مرحلة انتقالية.
تعتبر إندونيسيا، وعدد سكانها يزيد على 200 مليون، أكبر دولة إسلامية في العالم، كما تعتبر فريدة في تحولها السياسي والاجتماعي والثقافي من نظام سلطوي إلى ديمقراطية في أواخر تسعينيات القرن الماضي. ومنذ انهيار نظام الرئيس سوهارتو السلطوي، الذي أركعته مظاهرات الطلبة الاحتجاجية، عقدت إندونيسيا ثلاثة انتخابات عامة (1999، 2004، 2009) مثبتة مواءمة الإسلام مع الديمقراطية.
أصدرت حكومة ما بعد سوهارتو سلسلة من القوانين والأنظمة الموجهة نحو ضمان حرية الشعب في التعبير عن وجهات نظره التي طالما قُمِعت، وأن له الحق في تشكيل الأحزاب السياسية والمساهمة في صحافة حرة والتصويت في انتخابات عامة.
ضمن جهوده في تعلم دروس من هذه الأحداث، جمع مركز دراسات الإسلام بجامعة الدولة الإسلامية سياريف هداية الله في جاكرتا في بداية هذا العام، وبالتعاون مع برنامج تدريب قادة إندونيسيا الشباب بجامعة لايدن في هولندا، جمع معاً علماء من كافة أنحاء العالم لإلقاء نظرة على الإسلام في إندونيسيا من منظور عالمي، متعاملين مع السؤال: هل الإسلام في إندونيسيا مختلف؟
وقد عقد الاجتماع في وقت مناسب بشكل لم يتوقعه أحد، حيث تم عقده فوراً بعد إجبار الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي على التنحّي، الأمر الذي ألهم المواطنين في أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على الوقوف ضد القيادات الاستبدادية وفشل حكومتها.
وفي الوقت الذي شهدت فيه إندونيسيا جماعات إسلامية متطرفة تنزع إلى المزيد من التمرد المسلّح بشكل منهجي ومنظّم، يبقى المسلمون من التيار الرئيسي غير منظّمين وضعفاء وغير قادرين، عندما يعود الأمر إلى قول وجهات نظرهم، كما أشار أحد المشاركين في المؤتمر. وقد ضاعفت الجماعات المتطرفة من توجهاتها الشعبية للتعبير عن آرائها من خلال الكتب والإذاعات والإعلام الإلكتروني. وهم يستغلون كل فرصة ممكنة للحصول على الانتباه الشعبي، بما فيها الهجمات الإرهابية. كذلك عرّضت عملية «تجريم» الحرية الدينية على شكل فتاوى صادرة عن مجلس القادة المسلمين الإندونيسيين واعتقال عدد من المفكرين الليبراليين، عرّضت جماعات ليبرالية معينة ونشاطاتها للفشل.
مازال أمام إندونيسيا عمل تقوم به في هذه المجالات، وقد تكون في موقف يسمح لها أن تتعلم من دول في الشرق الأوسط حققت نجاحات أكبر في التعامل مع تحديات مماثلة. إلا أن نجاح إندونيسيا في تنفيذ الإصلاحات السياسية التي أدت إلى حرية أعظم للصحافة والانتخابات الديمقراطية والتكتل الاجتماعي النشط لا يمكن تجاهله.
أشار المشاركون في المؤتمر إلى أن إصلاحات إندونيسيا السياسية ليست هي وحدها التي تشكل مثالاً للدولة المسلمة الأخرى. ففي موضوع الوعي بالنوع الاجتماعي على سبيل المثال، أشارت آن كال، المشارِكة من مركز دراسات شرقي وجنوب شرق آسيا بجامعة لوند السويدية أن المساواة في النوع الاجتماعي كانت منتشرة بشكل واسع في إندونيسيا، حتى بين الجماعات المسلمة القديمة والمؤسسات الدينية. ففي جامعات الدولة الإسلامية والمدارس الدينية الداخلية، تم اشتمال مواضيع حساسة من حيث النوع الاجتماعي، مثل دور المرأة في المجتمع وحقوقها الإنجابية والتفسيرات الصديقة للإسلام في مناهج الثقافة الاجتماعية وغيرها من البرامج.
تُظهِر بحوث كال مقارنة بدول مجاورة في جنوب شرق آسيا مثل ماليزيا وسنغافورة وتايلند والفلبين، بل وحتى الباكستان وبنغلاديش والهند، «أن هناك عدداً أكبر بكثير من النوعيات التقدمية والليبرالية في الثقافة الإسلامية في إندونيسيا».
وفي الوقت الذي يختلف فيه نظام التعليم في الدول ذات الغالبية المسلمة بشكل كبير من دولة لأخرى، فإن التوجه الذي تتخذه المدارس الإندونيسية لعرض قضايا النوع الاجتماعي في مناهج مختلفة يمكن تكراره وتبنّيه.
ورغم تحديات إندونيسيا الداخلية، وعندما يعود الأمر إلى تقوية العلاقات الاجتماعية، ودفع المناهج التي تلعب دوراً في قضايا النوع الاجتماعي وقناعتها الواسعة بتناغم الديمقراطية مع الإسلام، تبرز إندونيسيا كمثال للدول الأخرى التي تكافح مع تحولات مضطربة عن الأنظمة السلطوية
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3109 - الجمعة 11 مارس 2011م الموافق 06 ربيع الثاني 1432هـ