مصطلح الانفتاح على الغرب بحد ذاته يشير إلى واقع تعيشه الجماعة الاسلامية الموجودة في الغرب... أي أن المسلمين بسبب أو لآخر يعيشون في عزلة شعورية واقعية عن المجتمع الذي يحيون فيه.
وعندما نتكلم عن الجماعة المسلمة هنا، نقصد كل من ينتمي إلى الاسلام بصورة أو أخرى، وافداً كان أم من أهل البلاد ممن اعتنق الاسلام حديثاً أو من الأجيال التي ولدت ونشأت وترعرعت في هذه المجتمعات.
والوافدون منهم من هو حديث عهد، أو منهم من استقر وحصل على جنسية البلاد وولد له الولد والحفيد فيها. وكلنا يدرك أن أعداد المسلمين في بعض البلدان الغربية أصبحت تشكل جزءاً مهماً من مجتمعاتها.
الأسباب الطبيعية: ولعل أبرز أسباب الانغلاق والتقوقع والانعزال الشعوري والواقعي تلك التي ترافق عادة الهجرات مهما كان نوعها وتحصل عند الشعوب كافة وهي أسباب طبيعية بحتة.
أولاها: اللغة: فاللغة وعاء الثقافة، والآلية المثلى في التواصل بين البشر، واختلاف اللغات يؤثر في تكريس الانغلاق ويحول دون الانفتاح على شرائح المجتمع ومعرفة اللغة يسهل الانفتاح ويوطد التعايش.
ثانيها: الدين والثقافة: وهما عنصران مهمان في بناء جدار العزلة والتباعد، وسببه فيما نعتقد هو جهل كل طرف بما لدى الآخر من عقيدة وثقافة ودين، وينجم عن ذلك موقف وجوم وخوف فالإنسان عادة عدو ما يجهل.
ثالثها: الوضع الاجتماعي: إن معظم أفراد الجماعة المسلمة من المهاجرين الذين قصدوا هذه البلاد بحثاً عن الرزق، وفي معظم الأحيان يعملون في مهن زهد بها أبناء أهل البلاد، وتركوها للوافدين الذين لا يمتلكون التأهيل الكافي الذي يمكنهم من الولوج إلى مهنة عالية المكانة والمردود الاقتصادي، مما يولد شعوراً ذاتياً بالدونية لدى الأفراد ودفعهم للانغلاق والانعزال.
رابعها: مواقف الأفراد والجماعات المنظمة من المهاجرين: في المجتمعات عموماً، ومواقف عدائية من ظاهرة الهجرة، وناجمة عن الخوف من أن يأخذ المهاجرون أماكن عمل سكان البلاد أو التأثير في نمط الحياة فيها، وقد ظهر حديثا في بعض البلدان الأوروبية جماعات منظمة عنصرية الفكر والاتجاه لها موقف عدائي واضح من المهاجرين أدى في كثير من الأحيان لأعمال عنف وقتل.
الأسباب الذاتية: على أن أبرز العوامل التي ولدت الشعور بالانغلاق والالتفاف حول الذات وعدم الاندماج في المجتمعات الغربية هي:
ـ كون كثير من أفراد الجماعة الاسلامية من مستوى ثقافي وعلمي لا يؤهلها للوقوف أمام هيمنة الثقافة المؤثرة والدين الغالب، فتلجأ عادة إلى الاحتماء ببعضها البعص مشكلة أحياء متجانسة السكان (جيتو) وتنغلق على نفسها وتشعر بالارتياح نتيجة لهذا العمل.
ـ كما أثرت بعض المفاهيم غير الناضجة على اتخاذ التصرف الانعزالي منها مفهوم (الولاء والبراء) مع أهل البلاد: لقد رأينا كيف يتصرف بعض الشبان ممن تزوج من أهل البلاد كيف يعلمون أولادهم ضرب أولاد النصارى؟ لأنهم كفرة وينشئونهم على احتقار الآخرين وكرههم، ومثل هذه المواقف تؤخذ ذريعة من الذين يكرهون الوجود الاسلامي لتنمية حس الكراهية والبغض للمسلمين في المجتمع.
ـ عدم الاستقرار النفسي لدى كثير من المهاجرين نظراً للقلق المستمر والتساؤل المتواصل هل يبقى في هذه البلاد أم يعود إلى بلاده التي أتى منها؟ على رغم من مرور العقد تلو العقد من السنين، فقد تزوج وأنجب وهو يفكر بالعود.
ـ على أن المواقف المتباينة من قضية الحصول على جنسية البلد الذي يقطنه وبالتالي التمتمع بحقوق وواجبات المواطنة فيه كانت سبباً مباشراً في اتخاذ المواقف الهامشية المبتعدة عن التأثير والاندماج في مؤسسات المجتمع المدنية والسياسية.
ـ هناك بعض الظواهر التي تركت أثراً سلبياً على الوجود الاسلامي في أوروبا وهو تنامي عدد المسلمين في أماكن محددة ـ نظراً لعدم وجود سياسة توزيع لليد العاملة المغتربة ـ مما أدى للخلل الخطير فكون ثلثي عدد سكان بلد مثل (إِليخيدو) في جنوب اسبانيا من المهاجرين المغاربة، استغل للتعبير عن موقف رافض للهجرة والمهاجرين واتخاذ موقف عنيف نحوهم، ويشبه ذلك حرق منازل بعض الأتراك في ألمانيا، على أننا نشير إلى أن هذه الظاهرة لا تقتصر على المسلمين فحسب بل تعم غيرهم من الأديان الأخرى، إلا أن الأمر تجاه المسلمين يزداد حدة نظراً لما بيناه في مطلع الحديث عن العوامل الطبيعية التي تتولد لدى كافة الشعوب وترافق حركات الهجرة بصورة عامة. وكثير من الهجرات استطاعت التكيف بسرعة كبيرة إذ كان المهاجرون يتكلمون نفس اللغة ويعتقدون بنفس الدين ولديهم ناظم مشترك في التركيبة الثقافية والعلاقات الاجتماعية مما يسهل لهم الاندماج بسرعة كبيرة مقارنة بمن لا يملك نفس المعطيات.
مواقف ايجابية لابد منها: إن هناك ضرورة ملحة للتعرف على المجتمعات الغربية في المنحيين الأفقي والعمودي، الأفقي في مجال الحركة اليومية والتعامل الاجتماعي والفكري والتعرف على التيارات المكونة لها ولمذاهبه السياسية والاجتماعية.
وفي المنحى العمودي القائم على العمق التاريخي، ومؤسسات المجتمع المختلفة السياسية والاجتماعية والقانونية والدينية التي تنظم الحياة العملية والفكرية للمجتمع الذي نعيش فيه.
ومن معرفتنا لهذه المعطيات يصبح بمقدورنا اتخاذ مواقف واضحة من قضايا أساسية في بنية النظام الغربي.
ففي مجال التنظيم السياسي، والديمقراطية نجد المواقف متباينة منها في صفوف المسلمين... ونحن نرى أن تحديد الموقف من التنظيم السياسي الذي تقوم عليه كافة الدول الغربية بفصل السلطات واستقلالها، واعتماد النمط الديمقراطي على أنه الأصلح من النظم ممكنة التطبيق، بشكل ايجابي معلن وصريح، يريح السلطات في الدول المختلفة، ويفوت على المغرضين الفرصة في رمي الفتنة بين المسلمين والحكومات الغربية.
أيضاً مسألة فصل الدين عن الدولة، هي من العمق في بنية أوروبا خاصة والغرب عامة، فقد جاءت نتيجة ممارسة وتجربة طويلة مع الكنيسة الكاثوليكية
العدد 3108 - الخميس 10 مارس 2011م الموافق 05 ربيع الثاني 1432هـ