سواء أدركت القوى السياسية كافة، معارضة وسلطة تنفيذية، أم أصرّت على تجاهل الواقع، تنذر معطيات المشهد السياسي البحريني اليوم الجميع دون أي استثناء بأخطار شديدة تهدد، بانفجارات متتالية في أكثر من منطقة وعلى أكثر من صعيد، إذ يقترب الاحتقان السياسي، والاصطفاف الطائفي، رغماً عن أنف الجميع، من قمته. فلم يعد الأمر محصوراً في «دوار اللؤلؤة»، أو مقتصراً على صحن «مسجد الفاتح». لقد بتنا نسمع كل يوم حكاية في هذه المدينة، أو قصة في تلك القرية، وكلها تجسد مظاهر اجتماعية وسياسية، تشكل تهديداً حقيقياً مباشراً على المكاسب التي انتزعها شعب البحرين على امتداد عقود من النضالات السلمية والصدامية، والتي توجت بالمشروع الإصلاحي، وما انبثق عنه من دستور وسلطات تشريعية، بدأت تأخذ بيد البلاد نحو مجتمع متمدن تسيره قوانين متحضرة وتهيئه منظمات المجتمع المدني كافة، من قوى اجتماعية وجمعيات سياسية، تساهم، بشكل متكامل، في بناء هياكل وقيم المملكة الدستورية.
ومما لاشك فيه أن ما شهدته البحرين خلال الأسابيع القليلة الماضية من مبادرات، بما فيها تلك التي شابتها بعض مظاهر الصدامات العنيفة، كانت تدعو إلى الإصلاح - دون التوقف عند بعض الحالات الشاذة غير المقبولة التي خرجت عن السلوك البحريني الوطني المعتاد - قد جاءت في جوهرها وطبيعتها تعبيراً منطقياً متوقعاً عن استجابة «بحرينية» لموجة التغيير الموضوعية الإقليمية التي اجتاحت المنطقة العربية، وقادت إلى تغييرات في طبيعة الأنظمة في دول مثل تونس، ومصر، وهي بصدد تكرارها في دول عربية أخرى مثل اليمن، وليبيا، وربما الأردن، فإنها بالقدر ذاته، كانت تلبية لمطالب التغيير التي أفرزتها التطورات البحرينية الذاتية الداخلية التي أوصلت البلاد إلى درجة عالية من الاحتقان والتوتر، تمظهرت في شكل صدامات ذهب ضحيتها كوكبة من الشهداء، وعشرات الجرحى.
ولو حاولنا استعراض شريط تطور الأحداث التي سادت الشارع السياسي البحريني خلال السنوات العشر الماضية، بخلاف تلك التي نعيشها اليوم، فسوف نكتشف أنها كانت سلمية في معظمها، لكنها لم تنجُ من بعض الصدامات العنيفة، وكانت أيضاً تُعبّر بشكل واقعي عن الصراع المحتدم بين قوى التقدم التي تحاول التمسك بالمكتسبات التي وعد بها المشروع الإصلاحي، وأخرى دأبت على العمل دون كلل من أجل أن تسلخ ذلك المشروع الرائد من المقومات التي تؤهله لبناء مجتمع متحضر تسوده قيم مدنية معاصرة.
هذا يضع البحرين، كما نشاهدها اليوم، أمام مفترق طرق، أولها معتم، ويمكن أن يقود الجميع نحو مجتمع ساكن تسير علاقاته قوانين غير ديمقراطية، تجرد قوى المجتمع المدني الحيوية من حقها في بناء دولة مدنية متحضرة، وتحظر عليها المشاركة في تعزيز دورها في سيادة السلام الاجتماعي، والاستقرار السياسي الذي تطالبها مسئوليتها التاريخية أن لا تتلكأ في القيام به. والآخر مضيء يفتح الآفاق رحبة أمام قوى التغيير الجادة والهادفة إلى إرساء قيم مجتمع متقدم، وآليات نظام متطور تضمن تحقيق العلاقات العادلة بين فئاته المختلفة، وتفعيل القوانين والأنظمة التي توفر منشطات السلم الاجتماعي بين منظماته المدنية، وتتيح مجالات التطور التنموي أمام مؤسساته الاقتصادية.
أمام مفترق الطرق هذا، تلوح في الأفق إمكانات فوز قوى التقدم، فيما لو أحسنت استخدام كل الأسلحة التي بحوزتها، ونجحت في الاستفادة من كل الطاقات التي تحت تصرفها.
وبادئ ذي بدء لابد من الاتفاق على، والاقتناع بأن، من بوسعهم القيام بذلك ليسوا محصورين في «دوار اللؤلؤة»، وغير مطهرين بمياه صحن «مسجد الفاتح»، فهم ينتشرون في منظمات المجتمع المدني أولاً، ويمارسون دورهم الوطني من خلال تلك المنظمات أو من خلال مبادراتهم الفردية ثانياً.
ومن هنا فأية محاولة، واعية أو عفوية، لتهميش مساهمات هذا الفريق، الذي ربما لم ينظم صفوفه بعد على المستوى المطلوب، لكنه واسع الانتشار، وله علاقاته الوطنية المتجذرة، لن تكون في صالح قوى التغيير، بل ربما تقود إلى نتائج وخيمة تفرضها قوانين الاصطفاف الطائفي التي قد تفرض قيمها في مراحل لاحقة، فيما لو طال أمد التحشيد، ولم يتم التوصل إلى اتفاقات نهائية ملموسة تتقيد بها أطراف الصراع كافة.
الأسوأ من ذلك، هو احتمال نجاح القوى المستفيدة من الاحتقانات الطائفية، والمشجعة للاصطفافات السياسية، في استقطاب، نسبة تعلو أو تنخفض، من عناصر هذا الفريق، والاستفادة منهم في تمرير مشروعاتها المقاومة لكل ما من شأنه انتشال البحرين من أزمتها الحالية، ومن ثم توفق في تجنيد تلك النسبة لمواجهة القوى التي تناضل من أجل إخراجها من عنق الزجاجة، بأفضل المكاسب، وأقل التضحيات.
الموقف حرج، والوقت في غاية الضيق، والشواهد كلها تشير إلى أن الوقت لا يسير في صالح قوى التغيير، وإنما قد تصب في طاحون القوى المناهضة له. فكلما طالت فترة شد الحبال، وامتدت فترة السكون القائمة اليوم بين الأطراف المفترض ضلوعهم في عملية الحوار، كلما تهيأت التربة المناسبة لتلك القوى المضادة التي تشحذ أسلحتها للانقضاض، ليس على من في الدوار فحسب، وإنما ضد كل القوى التي أخذت على عاتقها الدفاع عن المكاسب التي تحققت، ومن بينها المشروع الإصلاحي، وما تمخض عنه من قوانين وأنظمة، أو مؤسسات تشريعية ومنظمات مجتمع مدني.
لذا ندعو قوى المعارضة أن تبادر بحلحلة الأمور، وفي اتجاهها الصحيح، وعلى النحو الذي يضيع على القوى المضادة للتغيير فرصة تنفيذ مآربها، وأن تقوم المعارضة بكل ذلك قبل أن «تقع الفأس في الرأس»، و «يفُوت الفُوت» على الناس
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 3108 - الخميس 10 مارس 2011م الموافق 05 ربيع الثاني 1432هـ
المعارضة قامت بواجبها والباقي على السطلة
المعارضة قدمت مرئياتها وهي الآن تنتظر رد النظام . اذا الكرة في ملعب النظام وهو من يملك مفاتيح الحل وهو من يملك زمام المبادرة .
حدث العاقل بما لا يليق فإن صدق فلا عقل له
السيد الأستاذ عبيدلي أتفق معك فيما جاء في مقالك الرائع ولكن ألا ترى أنك ختمته باتهام ظالم إلى المعارضة بأنها تعطل الحوار وتحذرها من مغبة وقوع الفأس في الرأس وفوات الفوت,فهل المعارضة هي من تجاهلت دعوات الحوار على مدى أكثر من عشر سنوات؟وهل المعارضة هي التي وجهت أجهزة الإعلام لإثارة الفتنة دون رادع ديني ولا إنساني ولا وطني ولا أخلاقي؟هل المعارضة هي من تروج لحوار الطرشان مجهول المعالم؟ فلا جدول ولآ آلية ولا بداية ولا نهاية ولا قواعد إنها لعبة خارج الأخلاق حتى الأرواح لم تردعها فهل يردعهاحوار وهمي؟
سلمت أيها القلم الشريف
صحيح قولك أستاذ عبيدلي الموقف حرج ، والوقت شديد الضيق. ك تعجبني كتاباتك الموضوعوية ، التي لو تحلى بها بقية كتاب الصحف ، لما كان الوضع كما نراه الآن ، سلمت أيها القلم الشريف .
فلنبدء بالحوار ونجنب البلاد و العباد شرور الفتن
فلنبدء بالحوار ونجنب البلاد و العباد شرور الفتن
مادا يريدون من الشعب
لقد خرج الشباب ليطالب بالحريه لجميع اطياف الشعب فسفك دمه وتعرض للاهانه و الدهس بسيارات الموتورين وهو ينادي سلميه سلميه .. هل تريدون حرق البلد من اجل الجاه الا تخشون الله تعالى يوم الحساب
من يحضر قبلا" ينال النصيب الأوفر !!!!
هذا الكلام لا يتسق مع حقيقة كون المتظاهرين المعارضين و المطالبين للتغيير لهم جمعيات تمثلهم و لا يمكن تجاهل هذه الحقيقة "بالحوار بدون شروط حتى لا يفوت الفوت!!! ". هنالك أساليب و سياسات لدى الجمعيات المعارضة و هي أعقل من أن تجر للحوار حتى "لا يفوت الفوت". مع إحترامي و تقديري الشديد، الشعب المتظاهر مصر على مطالبه بكل قوة.