العدد 3103 - السبت 05 مارس 2011م الموافق 30 ربيع الاول 1432هـ

آلة الرئاسة سِعَة الصدر

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لَم يَبْقَ أحد إلاّ وتحدَّث في شأن البحرين السياسي. طيلة الأيام المنصرفة بدأت أعِي جيداً أن الأزمة البحرينية في اتساع. هذا الاتساع لا يزيد من حجمها الهندسي فقط وإنما حتى في طبيعة الحُلُول التي ترافقها وفي قِيَم الفعل السياسي القائم والمطالب المرفوعة بحَدَّيْها الأدنى والأعلى. فهذه المطالب مرتبطة بسقف معقول يفرضه الواقع، وآخر مرتبط بحالة نفسية لا يُرِيح كَدَرَهَا إلاّ معانقة الخيال حتى ولو بغرض التنفيس، وإخراج ما تبقى من زفير في الصَّدر. فالموضوع مرتبط في جزء أصيل منه بحالة عامّة تخطَّت الحدود الخاصة بالدول.

قبل أن يحرق الشاب محمد البوعزيزي نفسه في السابع عشر من شهر ديسمبر/ كانون الأول 2010 كان ميدان التحرير في مِصر هادئاً. وكانت ساحة الشهداء في الجزائر هاجِعة دون أن يُسجَّل أي حادث عنف فيها أو حولها. مُدن تعز وعدن وصنعاء في اليمن السعيد هي الأخرى هادئة. هنا في البحرين كان دوَّار اللؤلؤة هادئاً أيضاً يلتَحِفُ بحشائش خضراء، ويتوسّطه نَصْبٌ يختنق حَلْقُهُ بلؤلؤة بيضاء اسمنتيَّة، وتلتَفُّ عليه المركبات ذهاباً وإياباً. ولكن وعندما جرى ما جرى في تونس أخَذ البعض (سواء في مصر أو الجزائر أو اليمن أو ليبيا أو موريتانيا وحتى البحرين) يُردّد ما كان يسمعه هناك بالحرف. بات ترديد المسموع على مستوى الشعار وكأنه استنساخ له، لأن عَيْن الجميع كانت على النتيجة، وكأن الحال يقتضي سماعٌ للصدى لا أكثر ولا أقل.

إذاً كان الأمر أشبه بالمحاكاة النفسية مع الخارج، في الوقت الذي ترى فيه الشعوب مدى قوّة سطوتها وهي تزحف بلا توقف على كلّ شيء. ثم أصبح الأمر أشبه بالضرورة النفسية عندما وصل الحال بإطفاء لهيب الدَّمِ المُرَاق على الأرض ظلماً. هكذا أرى فيما خصَّ حَدّ الشعار وحدوده بسقفَيْه المعقول وخلافه وظروفه وإمكانياته والموقف من نِيَّاتِه، وبالتالي فإن ما يجب النظر إليه حيال تلك الشعارات هو بهذا المقدار النفسي، وأيضاً بمقدار اللحظة العاطفية الجارية.

أمام كلّ ذلك تظهر مسطرة الأحزاب والتيارات التي تُحرِّك السياسة عادة. في هذه المسطرة، يظهر اليمين واليسار والوسط. يظهر الاعتدال والتشدّد، بل وقد تظهر العدميّة السياسية بالمقدار الذي يظهر فيه جانب التفريط بالحقوق عبر حجج مختلفة ليس أغربها المحافظة على ما تبقى في اليد. لكن التجارب كلّها أثبتت أن التوافق والاستقرار هو نتيجة طبيعية ونهائية وحتميّة لكل الخلافات السياسية التي تحصل داخل الدول، بل وحتى في الحروب العسكرية والمباشرة أيضاً.

كلّ الأنظمة السياسية هي في تقابل ونِدِّيَّة مع أوجه مختلفة من القوى والجماعات المدنية. والمنطق يقول بأن النظام السياسي إذا ما وَجَدَ معارضة سياسية داخلية تقبل به وبقواعد اللعبة ولديها مطالبات سياسية إصلاحية ضمن حدود الشرعيّة العامة للنظام فإن ذلك المنطق يفرض عليه (الحكم) أن يمنحها فرصة الوجود والحِراك والتفاوض والتنازل والتخلِّي مثلما فعلت هي معه وقبلت به. وهو منطق يمنح الأنظمة عادة مزيداً من الشرعيّة في الداخل والخارج في مقابل مزيد من توزيع مصادر القوة المادية والمعنوية للدولة ولمنظومة الحقوق والتشريعات، ويمنع القوى الراديكالية من أن تخلط الأوراق أمام التسويات السياسية.

هذا الحديث ينطبق على البحرين التي هي ليست استثناءً. ففي البلد توجد هناك معارضة سياسية معتدلة ومُتَّزِنة ومُنظَّمة اعترفت بقواعد اللعبة وحَوَّلت المطلق إلى مُحدَّد، ودخلت الانتخابات بشقيها النيابي والبلدي، بل وتعاملت بنفس منضبطة مع التشريعات والأطر القانونية غير المتوافق عليها خلال السنوات الماضية، لذا فإن منطق الأشياء يفرض أن يُبادر الحكم بمبادلة عادلة وعاقلة ومُجزية مع هذه المعارضة، وأن يخطو باتجاهها خطوة جريئة لتحقيق أهم لحظة تاريخية ستكون محفورة في الذاكرة البحرينية لسنوات.

ما يُرَاد اليوم هو أن تمنَح هذه المعارضة الحمائميّة فرصة إثبات الوجود، وإثبات إمكانية التغيير التشريعي في حدود النظام وشرعيّته. أما إذا تُرِكَت وهُمِّشَت بالالتفاف عليها تارة، وبقضم تحركها، وإجهاض مساعيها وبرفض مقترحاتها وفِعْلها السياسي تارة أخرى مُنِحَ الفضاء العام كلّه للتيارات الأكثر تشدّداً، ولم يبقَ لها (المعارضة) إلاّ مزيد من الإحراج وذَهاب الريح والمصداقيّة أمام قواعدها التي أظهرت التجارب على الأرض أنها الغالبية المُطلقة بلا مُنازِع.

اليوم وفي مثل هذه الظروف العصيبة التي يمرّ بها الوطن الحبيب تبدو الفرصة سانحة لفعل ذلك أكثر من أيّ وقت مضى. فالثقة التي كانت مُهلهَلة يُمكن بناؤها، والجسور التي تقطّعت يُمكن إعادة وصلها. ولا أظنّ أن ديمومة الاستقرار وتمتين الاقتصاد وتحقيق المكانة الحقوقية المتقدمة للبحرين على مستوى الإقليم والعالَم هي طموحات يرفضها أحد، إلاّ إذا كان عدو مبين. وإذا كانت السنوات الماضية قد بيَّنت أن أمراً دستورياً هو بهذا الحجم من الخلاف بين الحكم وعدد كبير من البحرينيين إلى الحد الذي أنتَج لنا هذه الأزمة فلا أظن أن بقاءه لفترة أطول هو أمر في صالح البلد، بل يتعيَّن النظر فيه بأسرع وقت ممكن، لأنه أظهر أنه كالمخرز التي تمرّ به أزمات البلد. وما هذه إلاّ دعوة صادقة أقولها في لحظة يرى فيها جميع الحريصين على هذا البلد الحبيب مدى مسئوليتهم تجاه ما يجري وتقديم واجب القول للمعارضة والحكم بالسواء

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3103 - السبت 05 مارس 2011م الموافق 30 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 3:16 ص

      Very Important

      ففي البلد توجد هناك معارضة سياسية معتدلة ومُتَّزِنة ومُنظَّمة اعترفت بقواعد اللعبة وحَوَّلت المطلق إلى مُحدَّد، ودخلت الانتخابات بشقيها النيابي والبلدي، بل وتعاملت بنفس منضبطة مع التشريعات والأطر القانونية غير المتوافق عليها خلال السنوات الماضية، لذا فإن منطق الأشياء يفرض أن يُبادر الحكم بمبادلة عادلة وعاقلة ومُجزية مع هذه المعارضة،

    • زائر 5 | 1:36 ص

      شكرا اخي الكاتب (( عبد علي البصري))

      المقال جيد ارجو لك التوفيق انشاء الله

اقرأ ايضاً