منذ اشتداد الأزمة السياسية في البحرين، لم يكف حديث الشارع البحريني عن ضرورة التغيير السياسي وسرد مبرراته التي لم تعد تحتمل الانتظار، او حتى التلكؤ. الحديث بطبيعة الحال، يتركز حول التغيير السياسي المنشود، ويطمح إلى تغيير إيجابي متوقع. وقبل الدخول في عوامل التغيير وأسبابه واحتمالات حصوله في البحرين، لابد من التوقف عند مجموعة من النقاط من بين أهمها:
1. أن التغيير الذي نتحدث عنه هو ذلك الذي يتناول التغييرات النوعية البنيوية، وليست تلك الشكلية القشرية التي تقف عند السطح، وترفض الغوص عميقاً في صلب النظام الذي هو في أمس حاجة للتغيير. مثل هذا التغيير لا يتوقف عند إقالة ذلك الوزير، أو التضحية بتلك الشخصية المرموقة، بل يتجاوز ذلك كي يصل إلى بنية الهياكل التشريعية، وصياغة البنود الدستورية، وتحدي القيم الثقافية ومعها الحضارية التي تستند إليها.
2. إن التغيير الذي نطمح هو ذلك الذي يتم بالتوافق بين القوى المتصارعة في الشارع السياسي كافة، وليس مكرمة توهب، ولا من خلال النكوص عن التعهدات أو الاتفاقات التي يتم التوصل لها بين الأطراف الضالعة في الصراع. ومن هنا، فلابد أن يأتي التغيير، لضمان امتلاكه مقومات الاستمرار والتطور، التي تؤمن له القدرة على تحقيق الاستقرار المطلوب ولأطول فترة زمنية ممكنة.
3. دحض كل المقولات التي تحصر عوامل التغيير في نطاق موازين القوى العسكرية أو الصدامية، ورفض الخلفيات النظرية التي تحاول أن تروج لها، أو ترسخها في أذهان الشعوب، او قواها المطالبة بالتغيير. فلو كان الأمر كذلك، لكانت نسبة عالية من دول العالم ما تزال ترزح تحت نير الدول الاستعمارية، بما فيها دول مثل الولايات المتحدة التي كانت قبل نحو مئتي سنة مستعمرة بريطانية، وأخرى مثل الهند التي لم تنل استقلالها حتى العام 1949. بل إن محمية بريطانية صغيرة محدودة الموارد العسكرية والمالية، مثل البحرين، نالت استقلالها في العام 1970، من أعتى القوى الاستعمارية والتي كانت بريطانيا أيضا. وفي السياق ذاته كنا سنشاهد خلود قوى طبقية حاكمة مثل أسرة حميد الدين في اليمن، وفرانكو في إسبانيا.
وإذا ما استبعدنا العوامل الخارجية، و حصرنا مقومات التغيير السياسي في العوامل الداخلية، فسوف نجد أنفسنا أمام واحد أو أكثر من ثلاثة عوامل، أو مبادرات رئيسة هي:
1. مبادرة السلطات الحاكمة، قبل سواها من القوى الأخرى المعارضة، التي رغم تفوقها من حيث العدد والعدة على تلك القوى المطالبة بالتغيير، لكنها وتحت شعورها بهبوب رياحه العاتية التي قد تطيح بها قبل سواها، فتلجأ إليه كإجراء وقائي، أو كما يعرفه د. باقر النجار «التغيير السياسي الاستباقي»، الذي يفسره باقر بإقدام السلطة، بشكل إرادي باستباق الأحداث والإقدام على التغيير الجوهري المطلوب قبل أن ترغمها عليه القوى المناهضة او المنافسة الأخرى. أي قبل أن يمارس عليها أي شكل من أشكال الضغوط الداخلية المحظة، أو تلك المدعومة من الخارج، فتضطر إلى إجراء التغييرات الجوهرية المطلوبة التي، من الطبيعي، أن تمس صلب النظام السياسي الذي تسيره، وتغير من جوهره، وتقلص من الكثير من الامتيازات المستحوذة عليها تلك القوى الحاكمة، والأخرى المستفيدة منها، والمتحلقة حولها.
2. قدرة القوى المطالبة (بكسر اللام) بذلك التغيير الجوهري، والتي، ربما تكون صغيرة في البداية، وذات إمكانات محدودة، في المراحل المبكرة من بروز الحاجة للتغيير، على تجييش قطاعات واسعة من الشعب، وصهر طاقاتها في شكل او عدة أشكال، من التنظيمات المتكاملة وغير المتنافرة كي تتولى في مراحل لاحقة إحداث التغيير المطلوب. من هنا ينبغي عدم الاستخفاف بالقوى عند بداية انطلاقتها، بقدر ما يتطلب الأمر التمعن في الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، ودراسة الشعارات التي ترفعها، ومدى ملاءمة كل منها أو كليهما لمتطلبات المرحلة واتساقها مع عوامل التغيير الفاعلة.
3. اقتراب الأطراف المتصارعة من بعضها البعض، والاتفاق من خلال حوارات ناضجة منصبة على جوهر القضايا المطلوب إحداث التغيير من أجلها، دون الانزلاق نحو القضايا الفرعية، التي قد تنهك قوى الأطراف الضالعة في الحوار من أجل إحداث التغيير المطلوب والمتفق على أهدافه. مثل هذا التقارب ضروري تحاشياً لوصول أطراف التغيير إلى طريق مسدودة تحول دون إحداث التغيير المطلوب أو إجهاض مسيرته.
تأسيساً على كل ذلك، لابد من الإشارة إلى أن التغيير ليس عملية نهائية مبتورة، تحصل لمرة واحدة فحسب، بقدر ما هو عملية مستمرة تملك مقومات ديمومتها من خلال العناصر التي تحتضنها او تحتويها. ومن هنا ففي حال الأخد بالعامل الثالث، وهو الأكثر شيوعاً بشكل عام، والأكثر احتمالا في المرحلة الراهنة في البحرين على نحو خاص، ينبغي أن يسعى الجميع من أجل تهيئة البيئة السليمة الصحية التي توفر كل مقومات النجاح لمساعي التغيير. مثل هذه البيئة ينبغي ان تكون من المرونة بمكان، بحيث تبيح للقوى المتحاورة الهادفة إلى إحداث التغيير أن تجد لنفسها موقعا مؤثراً في تلك البيئة.
بقيت نقطة في غاية الأهمية، وتلك هي أن كل الدلائل تشير إلى أن التغيير قادم، والفرقة، او الفرق، الناجية ستكون تلك القادرة على تحقيق الفائدة القصوى من تلك العوامل المشجعة للتغيير في تلك البيئة المشار إليها أعلاه
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 3103 - السبت 05 مارس 2011م الموافق 30 ربيع الاول 1432هـ