العدد 3102 - الجمعة 04 مارس 2011م الموافق 29 ربيع الاول 1432هـ

عندما تسدُّ المنافذ أمام الشعوب

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

لنمعن النظر في المشهد الإيرلندي السياسي: حكومة حزب يحكم بأغلبية برلمانية ساحقة عبر العديد من عقود الزمن، لكن الحزب الحاكم بعد مجد طويل يرتكب غلطة العمر في إدارة الحياة الاقتصادية الأيرلندية، الأمر الذي يؤدِّي إلى أزمة مالية كادت أن توصل البلد إلى الإفلاس والانهيار الاقتصادي، فماذا فعل الشعب الإيرلندي كردِّ فعل لما ارتكبه الحزب الحاكم؟

لم يكن بحاجة لأن يخرج في الشوارع ليصطدم بقوى الأمن وتسيل دماء الأبرياء وذلك لأن لديه آلية ديموقراطية سلمية للمساءلة والمحاسبة، متفق عليها، محترمة من قبل الجميع، لا يمكن تزويرها أو التلاعب بنتائجها، ونعني بها آلية الانتخاب الحر النَّزيه الدوري لبرلمان يمثِّل إرادة الشعب الحقيقية ويعكس مزاج ومشاعر وقرارات النَّاخبين. فكان أن أنزل النَّاخبون هزيمة منكرة بالحزب الحاكم وقلَّصوا نسبة تمثيله في البرلمان الجديد من ثمانين في المئة إلى عشرين في المئة.

إرادة الشعب كانت هي الحَكَم وأصواته الانتخابية كانت منطوق الحكم الواعي العادل. لم تتحرك قوى بلطجية الأمن أو مخبريها السريِّين الفاسدين لتمنع العقاب. لم يقل الحزب الحاكم بأن رئيسه هو المجد وهو الوطن وهو التاريخ ومصدر التقدم وأن إزاحته هو إسقاط للنظام السياسي وأن خروجه من الحكم خطّ أحمر.

لقد انسحب الحزب ليلعق جراحه وليهيِّئ نفسه لإقناع الناس، صاغراً ومستجدياً، بإعطائه فرصة جديدة في الانتخابات القادمة.

لنقارن ذلك بالمشاهد المبكية المضحكة التي رأيناها مشدوهين لمسئولي وأحزاب الحكم في تونس ومصر وليبيا واليمن والتي قد نراها قريباً في أقطار عربية أخرى.

لقد خرج الملايين من المواطنين في مظاهرات واعتصامات حاشدة سلميَّة ليعبِّروا عن غضبهم ويأسهم من سلطات ورموز الحكم الفاسدة الاستبدادية الظالمة وضحَّى الكثيرون من شبابهم الطَّاهرين العزَّل بحياتهم على يد قوى أمن أشبعت بثقافة إعلاء النظام السياسي على المواطنين والوطن. ولقد رأى العالم كلُّه بشاعة البطش الهمجي في مدن وقرى تلك الأقطار وأحسَّ بالمكانة الدُّونية التي تعطى للمواطنين من قبل أنظمة الحكم. وكانت الفاجعة عندما خرج رموز الحكم على شاشات التلفزيونات ليسردوا بصورة مثيرة للشفقة بطولاتهم وتضحياتهم الشخصية السَّابقة ومنجزات حكمهم وحكم أحزابهم في السنين الماضية. وببراءة الأطفال السذَّج وجهل أميّة قراءة التاريخ بدا أن أولئك الرموز يؤمنون بأن حسنات الماضي تُذهب وتمحوا سيِّئات الحاضر. ونسوا أن الشعوب لها ذاكرة وحقوق وأن المحاسبة هي أهمُّ دعائم ممارسة السياسة.

فما الفرق بين المشهد الايرلندي والمشاهد العربية؟

في بلاد العرب سدُّت منافذ التعبير بغياب الحرية ومنافذ المحاسبة والفعل بغياب الأنظمة الديموقراطية أو بوجودها كأنظمة مزوَّرة ومقيَّدة ومخترقة من قبل سلطات الحكم، بينما كان العكس في المجتمع الإيرلندي.

مناسبة هذه المقارنة التي صادف ضرورتها حدوث المشهدين في وقت واحد وبصورة صارخة موجعة للقلب.

وبالمقارنة يجب أن يقرأ الجميع صورة المستقبل السياسي العربي، فسلطات الحكم يجب أن تعرف أنّ سدَّها لمنافذ التعبير الحر ولإمكانيات الفعل الديمقراطي السِّلمي، في الماضي وفي الحاضر، سيبقيها مهتزَّة الأركان وقابلة للانهيار.

لن تستطيع الجيوش ولا أجهزة الأمن ولا أكاذيب الإعلام البليد ولا حِيَل النَّّهب المبرمج لثروات الأمة ولا قوى الاستزلام النفعيَّة حمايتها من السُّقوط المذل المبهر الذي رأينا صوراً منه خلال الأسابيع الماضية.

طال الزّمن أم قصر ستغلب الشعوب مذلِّيها وقاهري مجتمعاتها.

أما الشعوب العربية، التي تسجّل في أيامنا أروع الانتصارات وأفجع التضحيات فإنَّ قادة كفاحها من شباب ومؤسسات تتمرّد على وحْل الماضي مطالبين في هذه المرّة بأن لا يوقفوا مسيرة الانتقال إلى الحرية والديمقراطية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلاّ بعد وصولها إلى برّ الأمان.

وبرّ الأمان هو أن لا تستطيع أيُّ قوة في هذه الأرض إرجاع تلك المسيرة إلى الوراء. ونكوص تلك المسيرة تتمُّ دوماً على يد مجموعة صغيرة من الناس ديدنها أنها تعشق أنظمة الاستبداد، لا لكي تعيش تحت ظلّها وإنّما لكي تقود مسيرتها وتتلذّذ بالدّوس على كرامة الناس وإنسانيتهم.

ومع ذلك دعنا نذكّر أنفسنا منذ الآن بأنه لم يوجد قط - وعلى الأغلب لن يوجد - أيُّ نظام سياسي يضمن دوام الانتصارات التي تحققها الشعوب المناضلة.

الضمان الوحيد هي إرادة وحيوية الشعوب نفسها.

دعنا منذ الآن نهيّئ أجيال المستقبل لتكون عندهم تلك الإرادة وليمارسوها بحيوية.

ينسب لونستن تشيرشل قوله بأن الطغاة يركبون ذهاباً وجيئة، نموراً يخافون أن ينزلوا من ظهورها لأنهم يعرفون أنّ النُّمور جائعة. دعنا نضيف على ما قاله تشيرشل بأنّ النمور الجائعة في بلاد العرب قد أصبحت الشعوب الثائرة وأنها ستأكل راكبيها.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 3102 - الجمعة 04 مارس 2011م الموافق 29 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 30 | 3:41 م

      ونعم الفكر يادكتور

      اعتقد ان شباب الدوار فى حاجة الى فكرك يادكتور

    • زائر 28 | 11:16 ص

      يبقى الحر حراً

      يبقى القلم الحر الشريف والمسؤول الذي يبني الانسان قبل الحجر ... سلم قلمك وسلمت بنات أفكارك يادكتور ... لعل وعسى من يسمع لهذا القلم الصادق ويبحث جذور المشكلة ومسبباتها ..
      اللهم اكفنا شر أنفسنا ..

    • زائر 27 | 11:11 ص

      انت من يخولك الشعب

      واحد فقط من كل عشرة يسمون انفسهم مفكرين ومثقفين يكون صادق مع نفسه وصادق مع الاخرين فى اطروحاته وانت يا دكتور هو هذا الواحد الذى يثق به شعب البحرين ومستعد ان يسلمك زمام
      المبادرة لتمثيله .. اطال الله فى عمرك لبحريننا الحبيبة .

    • زائر 26 | 7:44 ص

      ...........

      قلمك بحد ذاته وطن!

    • زائر 25 | 6:35 ص

      الى زائر 14

      ثقافه الصدور العاريه التى اعجب بها كل من راها على الشاشات في اي موقع على كرتنا الارضيه لا يمكن ان يفهمها شخص من امثالك هذه الثقافه الشجاعه جائت من منطلق اليت لا اقتل الا خرا وان رايت الموت شيئا مرا .هولاء قبلوا الدبابات بصدور عاريه لانهم يأبون العيش الا احرار كرام هولاء يهتفون بدمائهم لا بألسنتهم هيهات منا الذله اتينا الى الموت اما اتى الموت الينا ففي الحالتين هم عزاف لحن الحريه والباء

    • زائر 24 | 5:36 ص

      أتمنى يا دكتور فخرو

      أتمنى أن تمسك بزمام الأمور وتكون قائد لمسيرة السلام في وطني هذا البحرين وأن تكون ممن هم الصمام الذي يتمسك به الشعب من بدون طائفية فتاريخك يثبت ذلك

    • زائر 23 | 5:21 ص

      لعلي أعمل صالحا

      وكأني بالطغاة يقولون بعد كل هذا نجلس للحوار لعلي أعمل صالحا

    • زائر 22 | 5:16 ص

      لك مني تحيه

      قبلة على جبينك ايها الشريف

    • زائر 21 | 4:58 ص

      صح لسانك

      نعم ماقلت يا أستاد علي , ونحن في البحرين استطعنا أن نحقق بسلميتنا الشىء الكثير وتمكنا من الوصول الى العالمية

    • زائر 20 | 4:20 ص

      العجــــــــز ... القيــــــــــادي

      ينعكس عجز القيادة العربية في أغلب أطوارها،فتمضي مستقيمة خطوات البداية ،حتى إذا وصلت في مفترق طرق،ولفتها عجز القدرات والانتكاسات الطبيعية في كل إرادة شعب نابض الوعي والحيوية ، تشعر"القيادة" فجأة بالعجز في أزمة الصراع ،التي تغلق في وجهها خط الرجعة،فلا تجد إلا أن تتوسل - لترميم الثغرات- بالآراء الارتجالية،عبر الطرق غير المشروعة المنحرفة،تنازع المصير في مهب الأقدار والأهواء،ضاربين في التيه نحو المجهول، للوصول إلى المآرب المطلية باسم الأهداف الصحيحة. كل الشكر للمفكر وللوسط ... نهوض

    • زائر 18 | 4:00 ص

      ديمقراطية العمائم

      غاب عليك يا دكتور وللاسف علي امثالك ان يغيب الواقع الحقيقي للازمة في البحرين . الذهاب بضرب مثل ايرلندا كمثال للتحرر بدون الحاجة لأن يخرج في الشوارع ليصطدم بقوى الأمن وتسيل دماء الأبرياء مخالف تماما لما ذهب الية الشباب المندفع. ونقول لن يحصل عندنا ما حصل في ايرلندا في ضل الجهل و الطائقية واتباع العمائم بالانتخاب علي اساس فتوي دينة ... والا لماذا اذا خرجت الناس في البحرين بصدور عارية اممام الدببابات . اليس ذلك ضربا من الجهل و التخلف وتناقض لما تدعية ..

    • زائر 17 | 3:59 ص

      الغائب الحاضر دايم

      انت من فقدته التربية والتعليم يا معلم وهي تنزف لحد الأن ؟؟؟؟؟ حتي اضحت وزارة التربية العسكرية

    • زائر 16 | 1:58 ص

      thanks

      Dr . you are living in the wrong place and hope they shall listen to you soon.

    • زائر 15 | 1:54 ص

      Great artical DR. Ali

      I wish you write daily in this excellent newspaper

    • زائر 14 | 1:53 ص

      بارك الله فيك يا دكتور في عهدك لم تشهد المدارس طائفية او حساسية بين الطلبة او حتى المدرسين

    • زائر 13 | 1:48 ص

      كبير يا دكتور علي

      سلِمت يا دكتور علي وسلِم قلمك الذي يمتعنا بما تخطه بيداك...
      أنت مثال للسياسي الملتزم يقيمه ومبادئه ..
      دمت سالما موفقا لكل خير

    • زائر 12 | 1:44 ص

      في مقابلة تلفزيونية على تلفزيون قطر

      اذكر ان د. مجيد العلوي في احداث التسعينات كان يسرد قصة ملك فرنسا قبل الثورة الفرنسية عندما كان الشعب يطالب بالديمقراطية والملك كان يرفض وعندما انتصر الشعب كان الملك يطالب الشعب بان يبقى ملك والشعب يرفض. وكان د. مجيد العلوي يواصل الحديث ويقول بان الشعب البحريني يقول باننا نريد الديمقراطية والحقوق فاعطوا الشعب البحريني كل حقوقه ومطالبه قبل فوات الأوان ولا يكون هناك مجال للتراجع... اتعظوا من التاريخ

    • زائر 11 | 1:30 ص

      جذور وطنية عريقة

      قلمك يا فخرو قلم وطني و منطق وحق وفلسفة هنيئاً للبحرين بك

    • زائر 9 | 1:00 ص

      سلمت يداك استاذي

      المشكلة انهم ما يقرون عشان يستفيدون

    • زائر 1 | 1:00 ص

      مواطن اصيل

      والله لقد قلتها في أول يوم من انطلاق ثورة الدوار بأنك انت رجل يادكتور رجل المرحلة والوحيد القادر بعد الله عزوجل من اخراج البحرين من هذه الازمة لذا اشد على يديك بأن تسرع في رأب الصدع الوطني عن طريق تخويلكم من قبل غرفة تجارة وصناعة البحرين ونحن جميعا نثق بك وبوطنيتك

    • زائر 8 | 12:51 ص

      نائب سابق

      مثلك فليكتب في الصحافة

    • زائر 6 | 12:24 ص

      دمت مبدعا

      أستاذ فخرو .. هذه وثيقة يجب ان تؤطّر وتعلّق على جدران الثورات لتقرأها الشعوب ..والحكّام على السواء..
      دمت مبدعا وضاربا لأوتار القلب!

    • زائر 4 | 11:38 م

      قراءت التاريخ ضرورة لكم ....

      يبدو ان الحاكم الذي لايقرأ التاريخ بفهم ووعي ويأخذ العبرة من الغير ويستوعب دروسه لن ولن يفلح ويدوم حكمه ولايذكره التاريخ بخير ...

    • زائر 1 | 10:42 م

      إياك أعني

      إياكي أعني وا فهمي يا جارة

اقرأ ايضاً