آخر وأهم الأخبار السياسية أمس، استقالة رئيس الوزراء المصري أحمد شفيق، الذي عيّنه الجيش في أعقاب اختفاء الرئيس السابق حسني مبارك من الساحة بعد ثلاثين عاماً من الحكم.

وقبل أيام استقال رئيس الوزراء التونسي (المؤقت) الغنوشي الذي عيّنه النظام السابق في أعقاب اختفاء الرئيس السابق زين العابدين بن علي، وربما يعلن الرئيس المبزع في وقت لاحق حلّ مجلس النواب أيضاً. وكانت الاستقالتان استجابةً لضغط الشارع بسبب الشكوك التي انتابته فيما يراه «سرقةً للثورة» على يد فلول النظام السياسي القديم. هذا الشارع الشبابي أساساً، كان يُنظر إليه بشكٍّ حتى وقت قريب، كجيل ضائع متسيّب وغير مسئول، ففاجأ الجميع بحركته السياسية ونزوله للميادين ونزعه قمصان الماضي.

ومن أطرف ما تلقيته من إبداعات هذا الجيل أغنية «زنقة زنقة»، المستوحاة من خطاب معمر القذافي قبل الأخير، يمكن طلبها بسهولة عبر «اليوتيوب»، لأنها ممنوعةُ من التلفزيونات العربية! وقرأت لأحد الليبيين أن بعضهم أصبح يستقبل صاحبه بعبارة «حارة حارة»، فيرد عليه: «بيت بيت»، وعيونهم تغرق بالضحك! والأطرف من ذلك أن أحد التجار في إحدى البلدان العربية (لا نريد تسميتها)، هدّد أمس بمقاضاة من دعوا في «الفيسبوك» إلى الاعتصام بأحد ميادين العاصمة، ويبدو أنه مازال يعيش في عالم ما قبل الانترنت!

صباح أمس استمر تدفق قصص الاحتكاكات والملاسنات في المدارس، ووصلت إلى حد الشتائم التي لا تليق بأبناء البلد الواحد، والدين الواحد، واللغة الواحدة. وصدرت دعواتٌ من الجمعيات السياسية السبع وجمعية المعلمين تدعو إلى التهدئة وانتظام الدراسة وتجنيب البيئة المدرسية المزيد من الشحن الطائفي الذي سيترك ندوباً في قلوب الجميع. ومع ذلك خرج طلاب عدد من المدارس في مسيرات هنا وهناك، وتوجّه بعضهم إلى وزارة التربية والتعليم بمدينة عيسى. كما سارت في الجامعة مسيرة طلابية أيضاً عند العاشرة. ومع نهاية الدوام اعتصم حشدٌ كبيرٌ من المعلمين والمعلمات أمام مبنى الوزارة بمدينة عيسى للتعبير عن احتجاجهم على سياسة الوزارة.

بعد الظهر، عقدت الجمعيات الست مؤتمراً صحافياً بمقر جمعية «وعد» في أم الحصم، حيث أكدت على تمسكها بمواقفها المعلنة وشروطها لبدء الحوار (حكومة ودستور جديد وحوار جاد مع ضمانات...). واعتبرت الحكومةَ مسئولةً عن انتهاكات حقوق الإنسان منذ السبعينيات والتي أدّت إلى مقتل العشرات، مذكّرةً بإخفاقها خلال أربعين عاماً في تحقيق حدٍّ أدنى من العيش الكريم للمواطن رغم الفوائض المالية، وإسهامها في تخريب النسيج الاجتماعي من خلال عمليات التجنيس السياسي.

الجمعيات أشارت إلى حدوث لقاءات مع رجال السلك الدبلوماسي عرباً وأجانب، وأكّدت على ضرورة وجود مراقبين دوليين لمتابعة أي اتفاق يتم مع الحكومة، وأن تتاح الفرصة للناس لانتخاب حكومتها لتكون الإصلاحات حقيقية، مع الإشارة إلى بعض الأدوات الصحافية التي شُكّلت في الأعوام الأخيرة بهدف ضرب تيارات المعارضة وشق الصف الوطني وإثارة الفتنة المذهبية والتحريض الطائفي. وأعربت عن خيبة أملها لسماع خطاب تحريضي غير متوقع قبل ليلتين، بدل أن يكون توحيدياًً. فالخلاف اليوم في البحرين سياسيٌ بحتٌ، من أجل الوصول إلى دولة القانون والمؤسسات، وليس طائفياً كما يحاول البعض التشويش على الحقيقة وحرف البوصلة.

في المؤتمر ذكّرت الجمعيات الست بالوثيقة التي بعثتها طلباً للحوار ووقع عليها 70 ألف مواطن، وأتبعتها بوثيقة أخرى وقّع عليها 120 ألفاً لمناقشة كارثة التجنيس، وكلتاهما قوبلت بالرفض. وانتقدت التلفزيون الحكومي الذي لم يتوقف عن سياسة التأجيج الطائفي واستعداء الشعب ضد بعضه بعضاً، وتركيز حملاته ضد المواطنين المعتصمين في دوار اللؤلؤة.

وفي عصر أمس، خرجت مسيرةٌ راجلةٌ من جدحفص باتجاه اللؤلؤة تضامناً مع شباب فبراير، فيما توجهت مسيرةٌ أخرى بالسيارات من مجمع الدانة باتجاه المرفأ المالي. في اليومين الأخيرين نُشرت أخبارٌ وتقارير اقتصادية تتعلق بالأزمة السياسية الحالية، آخرها خسارة 200 مليون دولار نتيجة إلغاء سباق السيارات (فورمولا 1). وعند المساء، كان دوار اللؤلؤة يستقبل مسيرةً سلميةً أخرى قادمةً من مستشفى السلمانية... جاءت هذه المرة ليلاً وهي تحمل الشموع.

اليوم الجمعة، ينتظر الناس ما سيقوله الخطباء في المساجد، وقد جرت العادة أن يبدأوا خطبهم بالآية الكريمة: «إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون» (النحل: 90). ما أبلغها من موعظةٍ... لعلهم يتذكّرون.