قبل انفجار الأزمة العالمية، شهدت الأسواق العالمية والمحلية ارتفاعات سعرية غير مسبوقة، أثقلت كاهل المستهلك العادي الذي أصبح مدخوله لا يتماشى مع المتغيرات في الأسعار الاستهلاكية.
وكان كثير من البائعين يرجعون الغلاء للكثير من الأسباب، إلا أن أكثر سبب يرددونه هو ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية حيث سجل رقما تاريخيا عند 147.27 دولارا للبرميل في 11 يوليو/ تموز 2008.
وحسب نظرهم فإن النفط هو محرك الآلة الإنتاجية، فإذا ارتفعت تكاليف الحركة الإنتاجية فإن أسعار المنتجات ترتفع معها، والعكس صحيح.
وكانت أسعار السلع الاستهلاكية ترتفع بصورة سريعة في تلك الفترة، لكن عندما انهارت أسعار النفط في الأسواق العالمية بشكل مفاجئ من 147 دولارا إلى 50 دولارا، لم تحدث انخفاضات كبيرة في أسعار السلع.
فمثلا، منتجات زيوت السيارات التي تصنع من المشتقات النفطية، استمرت أسعارها في الصعود على الرغم من انخفاض النفط في الأسواق العالمية بنسبة 66 في المئة.
السؤال الذي يطرح نفسه، لماذ لم تنخفض أسعار زيوت السيارات في الأسواق المحلية، على الرغم من انخفاض مدخلات الإنتاج؟
وكذلك منتجات الدهان (الأصباغ) والتي تصنع من المشتقات النفطية، استمرت في الصعود في الأسواق المحلية، وأخذت تسير في عكس اتجاه التطورات الاقتصادية العالمية.
وبالنسبة لمنتجات الألمنيوم، مازالت محافظة على أسعارها المرتفعة في الأسواق المحلية، على الرغم من انخفاض سعر الطن في الأسواق العالمية من 3600 دولار في مايو/ آيار 2008 إلى 1500 دولار في الوقت الجاري.
المطابخ والأبواب والنواب وغيرها من منتجات الألمنيوم نمت أسعارها في الأسواق المحلية حتى مع تزايد تداعيات الأزمة العالمية، وكأنها تسير في عكس التيار للتطورات الاقتصادية العالمية.
كثير من السلع الاستهلاكية، لم تتأثر بالأسعار، ربما أن الطلب عليها في السوق المحلية يفوق المعروض، ولهذا فإن البائع لم يواجه ضغوطا تدفعه إلى تحريك عملية البيع عن طريق آلية خفض الأسعار.
وربما أن السلع الغذائية هي الأكثر تأثرا بتداعيات الأزمة العالمية، إذ بدأت تنخفض أسعارها بشكل تدريجي، لكن ليست كل السلع الغذائية وإنما بعضها كالأرز الذي انخفض بنسبة 20 في المئة، والدهن بنسبة 25 في المئة، والدواجن.
السؤال المطروح هو، لماذا لم تنخفض أسعار المواد الغذائية في الأسواق المحلية، بنفس الانخفاض الذي حدث في الأسواق العالمية؟
يرجع بعض التجار، ذلك، إلى أن انعكاس أسعار الأسواق العالمية على الأسواق المحلية تأخذ وقتا، وتتدرج بشكل مستمر، إذ تبدأ العملية بشراء تاجر الجملة كمية من السوق العالمية، ثم يبيعه إلى تاجر التجزئة، وبعدها إلى المستهلك.
ويؤكدون بأن الأسعار ستستمر في النزول مع دخول كميات جديدة تم شراؤها بأسعار منخفضة، لتحدث توازنا مع أسعار الكميات التي اشتريت سابقا بأسعار عالية.
ولعل انخفاض أسعار المواد الغذائية، يرجع بشكل أكبر إلى وجود منافسة قوية بين تجار الأغذية، ومعروضهم يفوق الطلب المحلي، مما يتسبب لهم بهبوط المبيعات وتراجع حصتهم في السوق، وبالتالي وجود حاجة تدفعهم إلى خفض الأسعار بقدر الإمكان بما يتماشى مع القدرة الشرائية لأكبر عدد ممكن من المواطنين. فالمواطن هو الرقم الصعب في المعادلة التي تتحكم بالأسعار، والمواطن له القدرة على خفض الطلب أمام المعروض وبالتالي أنخفاض الأسعار.
إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"العدد 2446 - الأحد 17 مايو 2009م الموافق 22 جمادى الأولى 1430هـ