العدد 3100 - الأربعاء 02 مارس 2011م الموافق 27 ربيع الاول 1432هـ

«ثورة اللؤلؤ»... مستقبل البحرين بين الدوار والحوار

حيدر محمد haidar.mohammed [at] alwasatnews.com

بعد نحو قرن على انتفاضة الغوص جاءت ثورة اللؤلؤ لتعانق مطالب شعبية عادلة ممتدة على قرن من الزمان... وهاهي البحرين اليوم تقف على مفترق طرق... لتعيش واحدة من أصعب لحظات تاريخها السياسي... أمامنا خياران لا ثالث لهما: التوافق على مستقبل عادل وواعد ومشترك من خلال التأسيس على الواقع الجديد أو الاتجاه نحو المواجهة، وهو خيار لا يجلب سوى الشقاء وخصوصاً بعد سقوط الحل الأمني في الاختبار، وظهور بوادر انقسامٍ اجتماعيٍّ خطير وغير مسبوق.

إن استمرار الأزمة الحالية من دون حل حقيقي وجذري يؤسس إلى استقرار دائم، قد كلفنا الكثير وسيكلفنا الكثير... الآن تبدو الصورة في الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي أكثر وضوحاً من ذي قبل... هنا شعبٌ خرج ليطالب بحقه... والتشويش المتعمد الذي مارسه البعض ولايزال على أهداف هذه الحركة المطلبية اصطدم بحاجز كبير، فالشعب كان سلميّاً ومسالماً وقوبل الورد اليانع بالرصاص.

على حين غرةٍ فقدنا سبعة شهداء ومئات الجرحى، وهؤلاء جميعاً سقطوا من أجل أن ننعم بمستقبل أفضل... أريقت دماؤهم وهم يفترشون الأرض وأرواحهم ترفرف في ملكوت الله. وعلينا اليوم وأكثر من أي وقتٍ مضى أن نفكر في تحقيق التطلعات التي سقط من أجلها الشهداء... ونحن على يقين بأنهم لم يطالبوا بغير حقنا وحقهم وحق الجميع في حياة عادلة وكريمة تنعم بالحرية والكرامة.

البحرين بحاجة إلى مبادرة تاريخية جريئة للخروج من أتون أزمة مفتوحة وأزمة متشعبة... أزمة في الشارع وأزمة سياسية في مجلس النواب، حيث قدم قرابة نصف أعضاء البرلمان (18 نائباً) استقالتهم النهائية، وهذه الكتلة حازت ثلثي أصوات الناخبين . وغيابها يعني أن المجلس فقَدَ شرعية كل هذه الأصوات... ولدينا أزمة في علاقة الدولة مع القوى السياسية وشرائح عريضة من مكونات الشعب.

ولدينا أزمة في الاقتصاد الوطني بسبب تداعيات الوضع الحالي، وأزمة داخل البيت التجاري عبر تهديد أكثر من سبعة أعضاء بتقديم استقالاتهم من مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة البحرين. ولدينا مؤشر على استقالة عضو في مجلس الشورى المعين، وأزمة في المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان حيث استقال رئيسها واثنان من أعضائها البارزين وقد أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك فشلها في القيام بأي دور حقيقي وفاعل.

ولدينا أزمة ثقة بين شرائح واسعة من المواطنين مع وزارات الدولة المدنية والأمنية في ضوء تعاملها السيئ مع الأوضاع، وذلك من شأنه أن يعمق الهوة بين الحالة الجماهيرية والمؤسسة التنفيذية... ولدينا أزمة أخرى في الاقتصاد، وهناك خسائر متراكمة في القطاعين المالي والمصرفي وفي المجمعات والمطاعم والأسواق، وهناك انخفاض حاد في السياحة، وخسرنا تنظيم سباق رياضي عالمي سيؤثر على خطط جذب الاستثمارات.

والأخطر من ذلك كله، فقد لحق أذى بالنسيج الاجتماعي، والدولة خسرت صوت الاعتدال، واليوم تكاد تتبدل صورة التعايش إلى فرز طائفي فاقع، فالغالبية بدأت تتمترس خلف رداء الطوائف. وصورتنا كبلد متسامح اهتزت في الخارج، وأصبحت أخبار البحرين مقرونة بالسلبية في كل نشرات الأخبار العالمية.

وثمة مغالطات عديدة كاذبة تطلق في الهواء ويراد لها التشويش على الواقع: ثمة من يريد حرف مسار التاريخ عن سبق إصرار وترصد ويطرح مقارنات متناقضة مع الواقع ليضرب هذه الحركة بفعل وصمها بالطائفية أو «فتنة الخمسينات»... كلا... إنها حركة 14 فبراير ليست كأزمة الخمسينات، لأن الحركة الحالية سياسية بحتة يراد حرفها إلى فتنة طائفية، بينما في الخمسينات بدأت بفتنة طائفية وانتهت إلى حركة سياسية... وما أكبر الفرق بين الحالتين!

ولمن يريدون الرقص على الأشلاء والقفز على التضحيات نقول لهم بوضوح: يا أبواق الفتنة... اعلموا جيداً أن هذا الشعب ضحى بالكثير ويضحي الآن بالكثير وسيظل يضحي. لو لم يبقَ من هذا الشعب سوى فرد واحد أبشركم أنه لن يقبل بالظلم ولن يعيش بذلٍّ، لكنه جانح للسلم وسيقبل بالمنطق.

لقد سئلت كثيراً في القنوات الفضائية التي كانت شديدة الاهتمام بدوافع هذه الحركة: من هم 14 فبراير؟ كانت إجابتي في كل مرة واحدة ولن تتغير: هي كل بحريني لا يقبل بالظلم، كل بحريني يريد آن ينعم بحياة أفضل، هي كل بحريني يتطلع إلى العدالة والمساواة، هي كل بحريني يريد الشراكة الحقيقية في القرار وأن يكون له دور في بناء وطنه وأن ينعم بخيراته كالآخرين دونما تمييز.

لا يمكن احتكار هذه الحركة في أشخاص أو مؤسسات... لأنها حركة الشهداء والجرحى، وهي حركة الشباب الذين خرجوا من دون تنسيق ومن دون تخطيط ليعلنوا رغبتهم في ولادة فجر جديد... هي حركة الآباء والأمهات، هي حركة الأجداد والأحفاد، هي حركة كل الذين اختاروا الحرية وساندوها من دون تردد... هي الطواقم الطبية الشجاعة التي فعلت المستحيل لتقوم بمهمتها النبيلة، هي الأصوات والأقلام الحرة في كل مكان...

وهي كذلك حركة العمال والمعلمين، هي حركة الجمعيات والقوى السياسية ومؤسسات المجتمع، روح هذه الحركة مودعة في العلماء والمحامين والأطباء والإعلاميين والمهندسين والأدباء والمثقفين الذين احتضنوا هذه الحركة... هي البراءة في كل طفل صغير يرتدي علم البحرين من أجل أن تكون البحرين لكل أبنائها.

وثمة من سألني: هل حركة 14 فبراير ولدت بعد ثورة الياسمين وثورة 25 يناير في بلاد النيل؟ كانت إجابتي: لقد تأثرت بهبَّة شعوب المنطقة ولكن تاريخ ميلادها لم يكتب اليوم...لأنها امتداد لحركة نضالية مطلبية بدأت منذ العشرينات وما قبلها حيث رفض الناس نظام السخرة، هي حركة تنادي بما كان يطالب به أجدادنا وآباؤنا...

«ثورة اللؤلؤ» تتربع على إرث نضالي كبير... فهي امتداد لحركة العشرينات والثلاثينات والأربعينات والخمسينات حيث هيئة الاتحاد الوطني... هي كمال الدين والباكر والعليوات والشملان... هي النضال من أجل الاستقلال في الستينات، وهي انتفاضة العمال في شركة نفط البحرين التي انتقلت إلى هبَّة شعبية لعمال البحرين. وهي وعي السبعينات حين ناضل الشعب من أجل المجلس التأسيسي لكتابة الدستور ومن ثم المجلس الوطني الذي انتفض الشعب بكل قواه لإرجاعه بعد حله، وهي تضحيات الثمانينات وهي انتفاضة التسعينات حيث الشيخ عبدالأمير الجمري والمناضل المحامي أحمد الشملان وكوكبة من الرموز الوطنية من كل الاتجاهات وهي كذلك تريد ترسيخ صورة البحرين الجميلة في مطلع الألفية.

والى الحكومة أقول: حان وقت تحمل المسئولية السياسية والأدبية سياسيّاً عن تداعيات الأزمة الراهنة... وفي كل الدول المتقدمة بل والمتأخرة: استقالة الحكومة تمثل أمراً اعتياديّاً... كثيراً ما نسمع بأن مصلحة الوطن فوق كل الأشخاص وفوق كل الاعتبارات... إنه شعار يردد دائماً لكنه على المحك الآن ويحتاج إلى التفعيل.

والى الشباب في دوار اللؤلؤة: أنتم صنعتم لنا فجراً وسط ظلام محقق... وبدأنا نقطف ثمار جهدكم وحضوركم الواعي والفاعل... ولكن أريد أن أنصح من باب المسئولية، لنحفظ ما تحقق وهو بداية الطريق...

أعزائي الشباب... حان الوقت لأن تقطفوا ثمار تحرككم، ولا تختزلوا ثورة اللؤلؤ... ولا بد أن تكون الشعارات المرفوعة تتناسب مع كوننا أصحاب وعي وتحضر... نحن لا ننادي بموت أحد، إنما نطالب بحقنا وحق الجميع في حياة عادلة كريمة، كما أرجو ألا تطغى مظاهر الفرح والابتهاج على مظاهر الرفض والاحتجاج.

ثورة اللؤلؤ كتبت تاريخاً جديداً على هذه الأرض. إنها خلقت واقعاً جديداً لا يمكن تجاوزه... ويجب أن نبني عليه... ومن أجل البحرين العادلة والمزدهرة... من أجل حاضرها ومستقبلها يجب ألا نرفض أي يدٍ ممدودة إلى الحوار... لنجمع كل الخيارات ولنفعِّل كل الأوراق...لننجز معادلة الدوار والحوار... لقد حان وقت تفعيل كل القنوات والأدوات واستثمار الواقع الجديد بحكمة ومسئولية للبحث عن نوافذ الأمل ولتحقيق الأهداف التي ضحى من أجلها الشعب ولا يزال. والجميع الآن في محك تاريخي... أمام مفترق طرق يقود إلى الحقيقة أو يخونها... ليس لدينا سوى خيارين: نلتحق بالبحرين الأجمل أو ندير ظهرنا لها... وبهذا الأسلوب السلمي المتحضر أثبت الشعب وعيه ورشده وطرح آلامه وآماله المحقة في العدالة والكرامة.

اليوم...أرى حماساً منقطع النظير من الشباب ومختلف أطياف المجتمع، وهناك قبول عالمي بدوافع هذه الحركة الجماهيرية... وهذا يحتم أن نستثمر إيجاباً الوضع الإقليمي وإرهاصات الساحة الدولية التي تساند الحوار الذي ينجز خيار الشعب في ملكية دستورية حقيقية من خلال تنازلات جريئة من جانب السلطة تؤسس لواقع أفضل في الشراكة في الثروة والقرار.

لنذهب إلى الحوار لنجني ثمار تضحياتنا ولنطرح مطالبنا العادلة في الملكية الدستورية عبر دستور متوافق عليه... لنذهب إلى الحوار من أجل مجلس نيابي كامل الصلاحيات... من أجل دوائر انتخابية عادلة.د..لنذهب إلى الحوار من أجل تحقيق تكافؤ الفرص بين كل أبناء البحرين وإيقاف مسلسل التمييز الفاضح في كل دوائر ومؤسسات الدولة ...

لنذهب إلى الحوار من أجل إنهاء ملف التجنيس السياسي... والتنمية المتوازنة... ليذهب شباب 14 فبراير والقوى السياسية إلى الحوار محملين بأمانة دماء الشهداء وتطلعاتهم، ومحاسبة المسئولين عن مجزرة الخميس (17 فبراير/شباط 2011) ... لنذهب إلى الحوار من أجل حفظ نسيجنا الاجتماعي ومن أجل مستقبل أبنائنا... أنا واثق بأن الأمل سيولد وسط هذا الألم ... وأنا واثق بأن البحرين ستنتصر.

وأخيراً لشهداء الوطن الأعزاء: هاهي أرواحكم الحية تحلق في أعالي الكون، وسنظل نستذكر قربانكم مع كل إشراقة شمسٍ تعلن ولادة الصباح القريب، اخترتم نجوم الثريا ومنكم انطلقت بارقة النهار... وثورة اللؤلؤ التي أشعلتم وقودها ستؤتي ثمارها إذا نجحت معادلة الدوار والحوار.

إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"

العدد 3100 - الأربعاء 02 مارس 2011م الموافق 27 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 18 | 1:53 م

      شكرا

      والله ما قصرت اديت الواجب .............

    • زائر 16 | 6:13 ص

      أظن أن العقلاء من الطرفين مع الحوار

      عندما يصل الوطن الى مفترق خطير ويغيب الحوارفمعناه أننا نسير نحو الهاوية

    • زائر 13 | 3:23 ص

      سلمت ياحيدر

      شريف وابن شريف واصيل وابن اصيل فسلمت يداك وسلم قلمك والله ينصرنا و ينصركم على من ظلمنا ..

    • زائر 12 | 3:23 ص

      أدمعت عيوننا وقلوبنا بكلماتك يا عزيزي

      "أريقت دماؤهم وهم يفترشون الأرض وأرواحهم ترفرف في ملكوت الله"
      "هاهي أرواحكم الحية تحلق في أعالي الكون، وسنظل نستذكر قربانكم مع كل إشراقة شمسٍ تعلن ولادة الصباح القريب"
      غصة وحرارة في القلب لا تريد ان تنطفئ..انا لا استطيع نسيانهم رغم اني لم اعرفهم إلا بعد استشهادهم..فكيف باهاليهم والمقربين منهم ومن كانت له علاقة بهم؟؟
      نريد دواء ليطفئ النار لا زيتا يزيدها اشتعالا..

    • زائر 11 | 2:39 ص

      قبل الحوار يجب أن تتغير لهجة الإعلام الرسمي حتى

      لكي يحسّ الناس بصدق النوايا ولكي يؤسس النظام لثقة جديدة فعليه ان يغيّر من لهجته
      وإلا فإن ما تبقى من جدار الثقة فإنه أزيل
      والآن نحتاج إلى وضع حجر أساس لثقة جديدة
      ربما تكون السلطة صادقة فيها ولو أن الكثير
      تروادهم الريبة

    • زائر 10 | 2:13 ص

      جميل ماخطته اناملك

      لكن هل تعتقد انهم جادون في الحوار مع الشعب ؟

    • زائر 7 | 12:53 ص

      شكرا حيدر

      شكراً لك حيدر .. اعتقد أن على الجميع في النهاية الرضوخ لمنطق الحوار الوطني المنجي والمجدي مع التمسك بالمطالب لا نقتل الشهداء مرتين
      وسام

    • زائر 5 | 12:50 ص

      جزاك الله خيراً

      الحر حراً و المؤمن اميناً و شجاعاً و الدافع عن الحق قريباً و صديقاً . نشكركم و الله يوفقكم .

    • زائر 3 | 12:41 ص

      اين الخوارزمي

      استنجدت بكل علماء الرياضيات الذين وضعو اسس الحساب والهندسه والجبر دون جدوى استغثت بفيتاغورس بعد ان فشلت في حساب اضلاع المثلث المقلوب بدوار اللؤلؤه دون جدوى ماذا حدث في بلادي انا احد الشطار في الرياضيات اصبحت عاجز عن حل اسهل معادله في الدنيا مثلث احد اضلاعه الشعب يريد الضلع الاخر الحكومه تريد ضلع المثلث الثالث جهه لا تريد الخير لا للشعب ولا للبلد ولاحتى للحكومه تظهر القليل كثير والكثير قليل نفاق في الرياضيات لقلب الموازييين والموازييين فقط

اقرأ ايضاً