من «دوار اللؤلؤة» إلى «مسجد الفاتح»، ومن المحرق إلى المنامة، وعلى امتداد مدن البحرين وقراها يردد جميع السائرين على دروب الشارع السياسي البحريني مقطعاً واحداً يقول «كلنا نعمل ونناضل من أجل مصلحة البحرين، وفي سبيل مستقبل البحرين». ليس هناك من يشكك في نوايا تلك القوى، أو يطعن في إخلاصها في المساهمة لبناء بحرين المستقبل. لكن عندما يحاول المراقب لذلك الشارع السياسي، أن يستخلص ما انتهت إليه تلك القوى، يفاجأ باصطدامها ببعضها البعض، ويكتشف أن لكلٍّ منها جدول أعماله الخاص به غير المتكامل مع جدول أعمال الآخرين.
يستغرب ذلك المراقب، ويجتاحه ما يشبه الذهول، عند الاقتراب من مثل تلك النتيجة، إذ كيف في وسع تلك البرامج أن تتناحر، وتفقد القدرة على التخاطب فيما بينها، رغم التناغم الخارجي الذي يغلف برامجها، ويسود تصريحاتها، بما في ذلك الشعارات التي ترفعها، والفعاليات التي تعقدها. يزداد استغراب ذلك المشاهد، عندما يجد تقارب الكثير مما يرد في برامج تلك القوى. تكفي الإشارة هنا إلى مجموعة من القضايا التي يفصح البعض عن خالص نيته للتخلص منها مثل الطائفية، أو تلك التي لا يكفّ عن الدعوة لإقامتها والتي هي «المملكة الدستورية».
كيف بوسع ذلك المراقب أن يفسر، وبشكل علمي موضوعي، ذلك التناغم الظاهري، والتناحر الداخلي، في برامج القوى السياسية البحرينية التي لا تكفّ عن إبداء إصرارها على الدفاع عن مستقبل البحرين، من أجل بناء مجتمع عصري متحضر. ربما آن الأوان ومن أجل التقريب بين مختلف الفصائل أن نبرز إلى السطح بعض المنطلقات، ونسلط الضوء على بعض المطالب التي، نعتقد أنه متى ما تم الاتفاق عليها، فقد يقود ذلك إلى الوصول إلى شيء من الاتفاق الذي يحفظ البحرين، ويرسم بخطوط راسخة مستقبلها الزاهر.
وإذا ما حاولنا، في البداية، تلخيص تلك المنطلقات، فبوسعنا حصر أهمها في النقاط التالية:
1- محاربة الطائفية ووأد أسبابها. ففي السلوك الطائفي تكمن جراثيم الأوبئة التي تهاجم روح المواطنة الصالحة وتعمل على تلويث تربتها الخصبة. إذ يصعب تصديق أو إعطاء الثقة، لمن يبني إستراتيجيته على منصة إذكاء نار الطائفية، أو تشجيعها. إن درجة الوعي الاجتماعي التي يتمتع بها المواطن البحريني، تزوده بأفضل الأسلحة التي تمكنه من محاربة الطائفية، واجتثاثها من جذورها. وتحقيق ذلك الهدف من أجل الدفاع عن المجتمع البحريني المتعدد الطوائف والمتنوع الثقافات، الذي تشيع فيه روح الديمقراطية، ويسود سلوك مواطنيه تمسكهم الشديد بمواطنتهم، والتي هي صمام الأمان الأقوى الذي بوسعه بناء المجتمع البحريني المتحضر، المرتكز إلى قبول كل منا بالآخر، وحرصه على عدم نفيه. فمن رابع المستحيلات الدفاع عن بحرين المستقبل على منصات اجتماعية تقرض قوائمها جرذان الطائفية، وتنهش لحمها ضواريها.
2- التمسك بحزم بما جاء به «ميثاق العمل الوطني»، والذي أتى في القلب من مشروع إصلاحي، سعى فيما سعى إليه، إلى انتشال البحرين من نفق «قانون أمن الدولة» البغيض، إلى دستور «المملكة الدستورية» الرحب، بما يعنيه ذلك من رؤية جلالة الملك المستقبلية الهادفة إلى إعطاء المزيد من السلطات للمواطن، وفق دستور عصري قابل للتطور بما يحقق العلاقات التعاقدية بين الشعب والحكم. والمقصود بالتمسك الصارم بذلك الميثاق، ليس التحجر عند بعض النصوص، وإنما العمل وفق ما تتمتع به روحه التي تحاول توفير أوسع فضاء ممكن من العلاقات الديمقراطية بين السلطات الثلاث، وفي نطاق كل منها. ومهما حاول البعض أن يتحذلق كي يعطي تفسيرات مشوهة لتعبير «المملكة الدستورية»، سيجد نفسه يصطدم بجدار تعريفها العلمي المتعارف عليه دولياً، والتي لا يختلف جوهرها عن تحقيق التوازن المطلوب بين سلطات الشعب، وحقوق الحكم.
3- بناء سلطة تشريعية منتخبة تتمتع بالصلاحيات التي تؤهلها لممارسة واجباتها التشريعية، كما هو متعارف عليه في المجتمعات المدنية المعاصرة المتحضرة. والانطلاق من هذه السلطة، يعني بشكل أساسي، انفراد مجلس نيابي يتم انتخابه وفق مقاييس انتخابية شفافة وصارمة، يتولى وضع التشريعات وصياغتها دون الحاجة إلى العودة إلى مجلس آخر معين. إن تعيين مجلس استشاري توكل له مهمة مراقبة أنشطة المجلس المنتخب، وتوضع بين يديه صلاحيات تفوق ذلك المنتخب، تفقد هذا الأخير جدواه، وتجرده من روحه التي تمده بالقدرة على الحياة، وتزوده بالإكسير الذي يمكنه من ممارسة واجباته، والتمسك بحقوقه.
4- العمل على بناء جبهة وطنية متحدة، تمارس تكتيل جهود الشعب، وتوحيد صفوفه في منظومة سياسية واسعة، لا تفقد فيها التنظيمات السياسية المنضوية تحت جناحها استقلالاتها التنظيمية والفكرية، لكنها بالقدر ذاته، تتمسك بأعلى درجة الانضباط، عند تناول القضايا الكبرى التي تهمّ الوطن والمواطن بشكل عام، وعلى المستوى الوطني الشامل، بشكل خاص. إن بناء هذه الجبهة، تماماً كما عاشها المواطن البحريني في منتصف الخمسينيات، عندما انطلقت «جبهة الاتحاد الوطني»، توفر أفضل هيكل تنظيمي وسياسي يتولى توحيد قوى المعارضة وجهودها من أجل التصدي للقضايا الوطنية الكبرى، وفي المقدمة منها محاربة الطائفية، وانتزاع حق التأسيس لنظام المملكة الدستورية...
هذه مجموعة من المنطلقات التي نأمل أن تلقى ما تحتاجه من الاهتمام من قبل القوى السياسية النشطة في الشارع السياسي اليوم، والتي ربما تساهم، وبشكل متواضع، في انتشال العمل السياسي البحريني من الحفرة العميقة التي وقع فيها، والتي ينبغي أن نعمل جميعاً من أجل عدم استمرار بقائه سجيناً فيها.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 3100 - الأربعاء 02 مارس 2011م الموافق 27 ربيع الاول 1432هـ
لا أعتقد بأن يتم نشر التعليق إلا أنني سأحاول, و أقول:
أنت يا أستاذي الكريم تعلم جيداً -كما يعلم الجميع- أين يكمن مصدر الفتن و التضليل و منبعها, فلا تغضّ الطرف عنها يا عزيزي.
مع خالص الود
التنازل
هل ما تفضلت به سيدي الفاضل صعب التحقيق ؟ لا و الف لا فهو مطلب جميع الطوائف باختلاف توجهاتها الدينية المذهبية او السياسية ؟ و لكن اين الاقلام التي تبعث على طمئنة الكل !! فنحن نلمس بشكل واضح الخوف من تقديم تنازلات وبالتالي يوصف فريقه بالضعف . في رايي اخي الكريم ان تقديم التنازل دليل القوة و الثقة بالنفس و وضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار
همها علفها
يقول الشاعر استاذي : رأيت الناس قد ذهبوا إلى من عنده ذهب : ومن ما عنده ذهب فعنه الناس قد ذهبوا . هذا حال الكثير من أصحاب الرأي والقلم والحصافة فبئس ما أشتروا بهم أنفسهم .