ربما كان من المفيد الآن بعد مرور ثلاثة أسابيع بالضبط على بدء «ثورة اللؤلؤ» أن نتحرى عما دفع بهذه الثورة لأن ترى النور ونرى مشاهد ما كان أحد يتصور يوما من الأيام أن يراها في البحرين، فما الذي دفع شباباً في عمر الورود لأن يقفوا بصدورهم العارية حاملين أعلام بلادهم أمام الدبابات وطلقات الرصاص الحي والشوزن والمطاط، دون خوفٍ أو ورع، حتى وهم يرون إخوتهم يتساقطون واحداً تلو آخر، بين شهيد نال رصاصة في الرأس، وآخر تناثر مخ رأسه، وثالث ملأ جسمه طولاً وعرضاً برصاص الشوزن، ورابع مزجت قطع المطاط لحمه بعظمه ودمه!
أجزم أن هؤلاء الشهداء من شيبهم إلى شبابهم، وأولئك المعتصمون المرابطون في ميدان اللؤلؤ، ما كانوا ليخرجوا ويضحوا بالغالي والنفيس لولا ثقافة «اليأس» التي استوطنت نفوسهم والتي صنعتها «ثقافة الكراهية» التي قادها من قادها دون أن يظن أن الأمور قد تسير إلى غير ما يخطط ويحسب.
ما كان الناس ليقفون رافعين الورود وأعلام البحرين أمام الرصاص ومشاهد الدم، لو لم يكن يأسهم أوصلهم إلى ذلك، فالأمل الذي لم يروه لهم ولأبنائهم طيلة السنوات الماضية، كان الدافع الأكبر لتصاعد هذا الحراك الوطني السلمي الذي قدم التضحيات تلو التضحيات دون أن يتراجع أو ينثني.
هؤلاء الناس ما كانوا يظنون أن أمامهم ولا أمام أبنائهم بصيص أمل والتجنيس يسرق ثروات أبنائهم، وسرقات الأراضي دمرت البحر الأزرق الجميل، وأزالت النخيل الشماء الخضراء، والفساد والتمييز كان يعيش عصره الذهبي، مخططات التآمر على المواطنين بلغت أوجها، عقلية التسلط والاستبداد كانت تحرك العباد والبلاد.
تحركت السياسة في مواقع نفوذ انطلاقاً من ثقافة الكراهية لفئة من المجتمع البحريني، والتمييز كان يتم بأقصى درجات الكراهية، ومهندسو «التقرير المثير» لم يهدفوا لحماية الحكم بقدر ما كانوا يرغبون في التشفي من الناس وسرقة تاريخهم وحاضرهم ومستقبلهم، ونرى كيف تتحرك بعض الدوائر للتنفيس عن درجة الكراهية العالية الموغلة في صدورها، ومن يريد لهذا الشعب أن يتناحر طائفياً يحمل من الكراهية للشعب ما تنوء الجبال عن حمله.
ثقافة الكراهية، لا تبني الأوطان، بل تهدمها، وما أوصلنا إلى ما نحن عليه هو هذه الثقافة التي أطاحت بالأمل في نفوس الناس، وجعلت ثقافة اليأس تترسخ في أذهانهم، ووجدانهم.
على من يدير ثقافة الكراهية أن يتوقف، ويراجع نفسه الآن، ويقدم لنفسه جرد حساب، بين ما ربحه وما خسره، زماننا زمن الصحوة، وهذا الجيل ليس كسابقه، فالجيل الذي كنا نعتبره أسوأ الأجيال وأقلها التزاماً قلب الطاولة وبات هو جيل التغيير، والجيل القادر على ترسيخ ثقافة الأمل في النفوس، بدلاً من اليأس.
كلمتنا نقولها إبراء للذمة، على من تشبعوا بثقافة الكراهية أن ينزعوها من صدورهم وأفعالهم قبل أقوالهم، الأوطان تبنى بثقافة الحب ولا شيء غير ذلك وتهدم بالكراهية ومهما كانت قوة الحقد كبيرة فإن إرادة الشعوب أقوى.
إقرأ أيضا لـ "حسن المدحوب"العدد 3100 - الأربعاء 02 مارس 2011م الموافق 27 ربيع الاول 1432هـ
؟
ارجو ان يصل هذا المقال الى من ربى اطفاله منذ الصغر على كراهية الاخر وعلى المظلومية منذ تاريخ بعيد و اسقاطه على الحاضر
كلمة حق
شكرا للكاتب الرائع على هذه الكلمات
ونرجوا ان تصل رسالته لمن هي مرسلة إلية
ونتمنى من الله ان نرى ثمار هذه الثورة التي سقيناها بدماء ابنائنا
قبل ان يقتلع الحرث صناع الكراهية
رسالة
رسالة الى الشيخ الكبير العلامة عبد اللطيف المحمود
في الصميم
هذا أروع ما قيل منذ ثورة الؤلؤ.
صح لسانك
إذا الشعب يوما اراد الحياة
فلابد أن يستجيب القدر
شكرا للكاتب