إن أنظار العالم اليوم تسلط تركيزها على ليبيا. فلقد شاهدنا قوات الأمن التابعة للعقيد القذافي توجه نيران أسلحتها نحو المحتجين المسالمين مرة تلو الأخرى. وقد استخدموا أسلحة ثقيلة ضد مدنيين عزل. أطلقوا العنان للمرتزقة والقتلة لمهاجمة المتظاهرين. ووردت تقارير تقول إن جنوداً أُعدموا بسبب رفضهم توجيه نيران بنادقهم صوب إخوانهم المواطنين، وإن عمليات قتل عشوائية يجري تنفيذها، وإن هناك اعتقالات تعسفية وعمليات تعذيب.
ولابد من محاسبة العقيد القذافي والمحيطين به على هذه الأعمال التي تنتهك الالتزامات القانونية الدولية وقواعد الأخلاق العامة. فمن خلال أعمالهم هذه، فقدوا شرعية الحكم وأبدى الشعب الليبي رأيه بوضوح: لقد حان الوقت لرحيل القذافي - الآن، وبدون عنف أو تأخير إضافي.
إن المجتمع الدولي اليوم يتحدث بصوت واحد ورسالتنا واضحة لا لبس فيها. هذه الانتهاكات للحقوق الأساسية غير مقبولة ولا يمكن التسامح تجاهها. لقد اتخذ هذا المجلس خطوة أولى مهمة تتعلق بمحاسبة القذافي يوم الجمعة من خلال تشكيل لجنة تحقيق مستقلة حول هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان.
ففي السبت الماضي (26 فبراير/ شباط 2011) في نيويورك، تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع قراراً يفرض حظراً على توريد الأسلحة إلى ليبيا، وتجميد أموال المنتهكين الرئيسيين لحقوق الإنسان وغيرهم من أعضاء أسرة القذافي، وإحالة القضية الليبية إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وغداً، من المفروض أن تصوّت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قبول التوصية بتعليق مشاركة حكومة القذافي هنا في مجلس حقوق الإنسان. فالحكومات التي توجّه بنادقها نحو أبناء شعبها بالذات لا مكان لها في هذه الغرفة.
لقد استحقت جامعة الدول العربية ثناءنا لكونها أول منظمة متعددة الأطراف تُعلّق عضوية ليبيا فيها - رغم أن ليبيا كانت تترأس مجلس الجامعة العربية. نحن نأمل في أن نرى أصدقاءنا في الاتحاد الإفريقي يحذون حذوها.
يجب علينا جميعاً أن نعمل سوية لاتخاذ خطوات إضافية من أجل تقديم حكومة القذافي للمحاسبة والمساءلة، وتأمين المساعدة الإنسانية لمن هم في أمس الحاجة إليها، وتقديم الدعم للشعب الليبي وهو يسعى للانتقال إلى الديمقراطية. واليوم كان لي شرف إجراء مشاورات مع مجموعة واسعة من الزملاء هنا في جنيف، كما أن الرئيس أوباما سيلتقي اليوم مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في واشنطن. وسوف نواصل التنسيق الوثيق مع حلفائنا وشركائنا.
لقد فرضت الولايات المتحدة قيوداً على السفر وفرضت عقوبات مالية على القذافي ومسئولين ليبيين كبار. لقد جمدنا الأصول الليبية لتأمين المحافظة عليها للشعب الليبي. وأوقفنا تجارة الأسلحة الدفاعية المحدودة جداً لنا مع ليبيا. كما نعمل سوية مع الأمم المتحدة، وشركائنا، وحلفائنا، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومنظمة الهلال الأحمر وغيرها من المنظمات غير الحكومية من أجل وضع الأسس لتنفيذ استجابة إنسانية قوية تجاه هذه الأزمة.
سوف نستمر ونحن نسير قُدماً على كل هذه الجبهات في استكشاف كافة الخيارات الممكنة للعمل. وكما قلنا، كل شيء يبقى مطروحاً على الطاولة طالما استمرت الحكومة الليبية في تهديد المواطنين الليبيين وقتلهم.
في نهاية المطاف، سوف يكون شعب ليبيا الطرف الوحيد المسئول عن رسم مصيره بنفسه وتشكيل حكومته الجديدة. إنهم يواجهون ببسالة وشجاعة رصاص الدكتاتور المستبد ويضعون حياتهم في مواجهة الخطر من أجل التمتع بالحريات التي هي حق طبيعي لكل رجل، وامرأة، وطفل على وجه البسيطة. إنهم يشددون على حقوقهم ويطالبون بتحقيق مستقبلهم بأنفسهم كما فعل إخوانهم في تونس ومصر.
والآن، في حين أن الظروف في كل من مصر وتونس وليبيا تبقى فريدة عن غيرها، فقد جاءت المطالبة بالتغيير في كل من هذه البلدان من الداخل، حيث كان الشعب يطالب بالحصول على حريات مدنية أكثر، وفرص اقتصادية أكبر، وأيضا على حصة في حكم مجتمعاتهم بأنفسهم.
وقد ألهمت شجاعتهم وتصميمهم شعوب العالم قاطبة. ونحن نرى في كفاحهم توقاً عالمياً لتحقيق الكرامة والاحترام. كما أنهم يذكروننا بأن قوة الكرامة الإنسانية طالما كان يتم الاستخفاف بها إلى أن تسود في نهاية المطاف.
إن الشعب هو الذي يملك هذه اللحظة، ولاسيما الشباب منه في الشرق الأوسط. ونيابة عن الرئيس أوباما والشعب الأميركي، اسمحوا لي أن أقول لهم إن ما تفعلونه يلهمنا وإن ما يعنيه ذلك بالنسبة لمستقبلكم يثلج صدورنا. إن الولايات المتحدة تدعم قيام عمليات انتقال منظمة، وسلمية، لا رجعة فيها نحو ديمقراطيات حقيقية تحقق نتائج ملموسة لمواطنيها.
تتلاقى قيمنا ومصالحنا سوية حول هذا الأمر؛ لأن دعم هذه العمليات الانتقالية لا يُشكِّل ببساطة قضية تتعلق بالمثل العليا. إنما هي أيضاً ضرورة استراتيجية. فبدون القيام بخطوات ذات معنى تجاه إقامة حكم تمثيلي، وخاضع للمساءلة، وشفاف، ويترافق مع اقتصادات مفتوحة، سوف تتعاظم الفجوة بين الشعب وقادته ويتعمق عدم الاستقرار. فما كان ممكناً في القرن العشرين، لم يعد ممكناً بعد الآن مع قيام تكنولوجيات جديدة ومع القدرة التي أصبح يملكها الآن الناس في التواصل.
وإن التشبث بأنظمة لا يمكن محاسبتها ولا تستجيب للمطالب المشروعة لشعوبها يشكل خطراً، ليس خطراً على القادة وحسب وإنما خطر على جميع مصالحنا أيضاً. وبصورة مغايرة لذلك، فقد أظهر التاريخ أن الديمقراطيات تكون أكثر استقراراً وأكثر سلاماً، وفي نهاية المطاف أكثر ازدهاراً ورخاء.
يجب أن ينمو التغيير الديمقراطي من الداخل. إذ لا يمكن زرعه من الخارج. ودعوني أكون من بين أول العديد ممن يقولون إن الغرب لا يملك جميع الأجوبة بالتأكيد. فقد حصلت الخطوات الأولى بصورة سريعة ودراماتيكية. وعلى الرغم من ذلك، فإنها تثبت أنها ستكون صعبة ومأساوية في ليبيا. ومن المحتمل أن يكون التغيير في دول أخرى متأنياً ومنهجياً أكثر. لكن في جميع الحالات، سوف تدعم الولايات المتحدة المواطنين والحكومات وهي تعمل من أجل تحقيق التقدم.
نحن ندرك جيداً مدى التحديات التي تترافق مع هذه الأشكال من العمليات الانتقالية. لا يمكنك خلق فرص العمل أو الفرص الاقتصادية بين ليلة وضحاها. وقد تكون هذه التغييرات فوضوية. وعلى المدى القصير سوف تظهر أصوات ومناخات سياسية جديدة للمرة الأولى. وكما يُظهره التاريخ، لا يستطيع حكام طغاة يمارسون العنف، والخداع، والانتخابات المزورة أن يحتفظوا بالسلطة أو تقديم أجندة عمل غير ديمقراطية. ولكن في نهاية المطاف، فإن القادة، مثل العقيد القذافي، الذين ينكرون على شعوبهم الحق في الحرية والفرص سوف يغذّون حالة عدم الاستقرار التي يخشونها بالتحديد.
ولذا يجب حماية العملية الانتقالية من التأثيرات المعادية للديمقراطية من أي مكان أتت. يجب أن تكون المشاركة السياسية مفتوحة أمام الجميع عبر مجمل الطيف الرافض للعنف والمؤيد للمساواة، والذي يوافق على القيام بدوره وفقاً لقواعد الديمقراطية. أما أولئك الذين يرفضون ذلك فيجب عدم السماح لهم بتقويض طموحات الشعوب. ولا تستطيع القيادات السياسية ادعاء أنها تملك شرعية ديمقراطية في حال تخلت عن هذه المبادئ بعد أن تصبح في السلطة.
تُشكِّل الانتخابات الحرة والنزيهة ضرورة لبناء الديمقراطية والحفاظ عليها، ولكن الانتخابات بمفردها لا تكفي. تُبنى الديمقراطيات المستدامة على مؤسسات قوية تشمل سلطة قضائية مستقلة تعزز حكم القانون، وتساعد في تأمين المساءلة والشفافية للحكومة، وتتصدى للفساد بقوة.
إقرأ أيضا لـ "هيلاري رودام كلينتون"العدد 3100 - الأربعاء 02 مارس 2011م الموافق 27 ربيع الاول 1432هـ