أغلى ما تمتلكه البحرين عبر تاريخها التليد، هو وحدة أبناء شعبها على اختلاف طوائفهم ومللهم ومشاربهم، حتى أضحت هذه الصورة سمة ذائعة الصيت بين جميع الدول الخليجية المجاورة، فطيبة البحرينيين أذهلت السياح والوافدين الغرب قبل أن ترسم الابتسامة على شفاه من يشاطرهم اللغة والدين.
وكرمهم وسخاؤهم جمد الحروف وسلب منها قدرتها على التعبير، وهم بذلك يتخطون بساطة المعيشة ومشاقها بأسلوبهم السلس في التأقلم مع كل الظروف.
في الفرجان إبان الخمسينيات من القرن الماضي كان البحرينيون يجتمعون في مقهى واحد يستمعون إلى أخبار الحروب والانتصارات العربية أيام مجد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ويتبادلون أطراف الحديث ويعبرون عن آرائهم ومواقفهم دون خوف من وشاية أو مكيدة من أبناء هذه الطائفة أو تلك.
في ذلك الزمان كان النسيج الاجتماعي متداخلاً ومتغلغلاً كما الدم حين يتوغل في زرقة الماء، والبيوت مفتوحة على بعضها البعض، والكل يتقاسم مع جاره الطعام ويشاركه أحزانه قبل أفراحه، بل يشهد الناس تزاوجاً وتصاهراً بين أبناء الطائفتين الكريمتين بدون أية مقدمات أو عناوين تفتت اللحمة الوطنية أو تجزئ المواطنين على أساس ولاء خارجي وآخر داخلي.
اليوم تلاشت كل لحظات التاريخ الجميلة التي سطرت بأروع عبارات الوحدة والتآلف، فبتنا نعيش صراعات طائفية في مواقع العمل الرسمية والأهلية بسبب تحركات سلمية للمطالبة بإصلاحات سياسية، خلقتها وسائل إعلام الطرف الواحد، والتي راحت تحشد الناس لخوض حروب وهمية ليست لها ثوابت وشواهد حقيقة على أرض الواقع، فانقسم المجتمع على نفسه في تجمعات ومسيرات معارضة وأخرى مؤيدة، وانتقل الوضع من مطالب بإصلاحات، إلى نزاعات وعبارات طائفية تتصدر صفحات «الفيسبوك» و»تويتر» وغرف الدردشة العلنية والمخفية.
ما يجري من تجاذبات ونقاشات بين الناس في مواقع العمل هي بداية الشرارة للفرقة والخصام، وإذا لم يتحرك العقلاء لاستيعابها ورأب الصدع الذي خلفته أبواق الشتات، فإن العواقب ستكون حتماً غير حميدة على المدى البعيد، ولن ينفع بعد ذلك الندم والبكاء على «اللبن المسكوب».
الأزمة الحالية التي تمر بها البلاد لا بد لها أن تنجلي، والغمامة السوداء وإن طال مداها لا بد وأن تنقشع، ولكن ما الذي سيرمم حبل الوصل الذي انقطع ويعيد العلاقات التي انهدمت؟
نعول كمنتمين لتراب هذا الوطن على حبنا لبعضنا البعض، وسعة صدورنا وتفهمنا للآراء والتوجهات المعاكسة، فوحدتنا هي ما يسعى لتفتيتها من يتربص ببلدنا شراً، حتى تضعف قدرتنا على الصد والمواجهة، وبالتالي يسهل له أن يطبق مخططاته وأفكاره دون قيد أو شرط.
يجب أن نبحث عن مرافئ التلاقي وشواطئ الوئام للاتفاق على نقاط مشتركة، توحد كلمتنا وتشد من أزرنا وتجمعنا على الخير، لا أن نخوض في تلابيب المعتقد والمذهب والتوجه الديني.
علينا أن نترفع عن المصالح الدنيوية والمكاسب الشخصية والرغبة في الاستئثار بالمواقع المهمة وتبوء موقع الصدارة، فكل الأهداف التي تحقق الرغبات الفئوية يجب أن تتلاشى في ساحة التضحية من أجل الوطن، والرغبة والدعوى للإصلاح يجب أن لا تفسر على أنها مسعى لمصادرة كل الوطن
إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"العدد 3098 - الإثنين 28 فبراير 2011م الموافق 25 ربيع الاول 1432هـ
شكرا
احى فيك هذا الشعور الوطنى والمسؤول