العدد 2133 - الثلثاء 08 يوليو 2008م الموافق 05 رجب 1429هـ

ولكن حديثاً ما حديث المقابر!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ذكر في كتب التاريخ أن خالد بن سدوس قدّم نفسه إلى امرئ القيس، عارضاً عليه أن يعيد إليه إبله التي أخذها باعث بن حويص، وطلب منه رواحله لتنفيذ المهمة، ولمّا لحق بالقوم أخذوا منه الرواحل وتركوه، فهجاه امرؤ القيس بقوله:

فدَعْ عنك نهباً صِيحَ في حجراته... ولكن حديثاً ما حديثُ الرواحل!

وما أشبه حديث الرواحل اليوم بحديث المقابر! فالقضية أكبر من الاستيلاء على مقبرة السادة في توبلي، أو مقبرة قرى كرانة والقلعة وكرباباد والحلّة. وقبل أن تكون مقابر لهذه الطائفة أو تلك، فإنها أموالٌ عامةٌ وأرضٌ مشاع، وصل الجشع بالبعض إلى الاستيلاء على الأرض المخصّصة للأموات.

نحن نفهم أن يكون البعض قريباً من السلطة، ومدافعاً عنها، وينصّب نفسه ناطقاً غير رسمي باسمها، وله الحق في ذلك غير محسود عليه، ولكن أن يتصدّى للدفاع عن عمليات الاستيلاء على المقابر، وإعطائها تفسيراً طائفياً، فتلك أكبر محاولات الاستغباء وتضليل الرأي العام.

لا أدري... هل يمكن أن يحدث في أي بلد خليجي شقيق أن يستولي متنفذون على 11 مقبرة، وإذا كشفت الصحافة الوطنية هذه الجريمة تصدّى لها بعض الكتّاب لتفريغ عملية السرقة من محتواها وإعطائها بعداً طائفياً لتفقد صدقيتها لدى الرأي العام؟

ليس في القضية فبركةٌ ولا تجييش، فهناك جدولٌ منشورٌ في «الوسط» قبل يومين يكشف تفاصيل الجريمة. فمقابر الهملة وسار وصدد تم استقطاع أجزاء منها، وكلها تحتاج إلى تسوير لحماية ما تبقى. وفي المالكية بيعت مقبرة الجفور ولم يبقَ منها إلاّ القليل، على بيعت مقبرة الشيخ مرشد بالكامل. ومقبرة بوري استقطع الجزء الشرقي منها، رغم أنف قرار المحكمة. وأمّا مقبرة دمستان فكانت على شفا محاولةٍ للاستيلاء عليها، لولا التصدي لها.

ما يجري عملية تعدٍ على حرمة الأموات، فقد بلغ الجشع في هذا الجيل أن يفكّر بعضنا في الاستيلاء على قبور الأجداد وتحويلها إلى مخطّطات سكنية لبيعها بالقطعة. فهذا السعار الاستثماري المجنون في الأراضي ليس له حدٌ إلاّ عند أبواب جهنم.

المسألة إنما انتهت عند المقابر، ولكنها لم تبدأ بها حتى يتم تلبيسها بعداً طائفياً على يد بعض الكتّاب الذين وصفهم رئيس الاتحاد الدولي للصحافة قبل أيام في البحرين بأنهم «ينشرون أفكاراً مذهبيةً وسياسيةً ويتقاضون أموالاً»، في إشارته إلى الفساد في الإعلام.

أنا لا أميلُ للتفسير التآمري للأحداث، وإذا كان الجدول يتكلّم عن 11 مقبرة من لون طائفي واحد فهذا ما توصّل إليه الزميلان (العوض والحلواجي) اللذان تتبّعا خيوط الجريمة في تحقيقهما الصحافي. وليس معناه أيضاً أن المقابر الأخرى بمنأى عن عمليات الاستيلاء، فالجشع هو الذي ولّد هذه الحالة من الهياج والاستكلاب حتى على رفات الموتى.

قبل عامين، حاول أحد أصحاب النفوذ أن يشقّ طريقاً وسط مقبرة إحدى القرى الشمالية؛ لتسهيل الوصول إلى منزله، وتصدّى له الأهالي وتبنّت الصحيفة قضيتهم العادلة، بغضّ النظر عن مذهب الجاني. ولن يختلف موقفها اليوم مع اختلاف مذهب الجناة، فالجشع والاستهتار والاستخفاف بحرمة الموتى... ملةٌ واحدة.

دعوا عنكم حديث المقابر والمباخر، فالمسألة ليست طائفية وإنّما هي سرقةٌ في وضح النهار. ومعيبٌ جداً الدفاع عن جناةٍ لم يخجلوا من أنفسهم حين همّوا بارتكاب هذه الفاحشة غير المسبوقة في الجرأة والوقاحة وقلّة الحياء.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2133 - الثلثاء 08 يوليو 2008م الموافق 05 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً