العدد 2214 - السبت 27 سبتمبر 2008م الموافق 27 رمضان 1429هـ

اللّجُوْءُ إِلَى المَوْتِ خَوْفاً مِنَ المَوْت

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أجرت صحيفة «روز» (اليوم) الإيرانية لقاءً مُطولاً مع رئيس حركة حرّية إيران إبراهيم يزدي (قومي ليبرالي) للوقوف على رأيه في شئون الداخل الإيراني وخارجه.

مَتْنُ اللقاء ضمّ ثمانية وثلاثين سؤالاً لم يُجِب خلالها الرجل بغير «المُناكَدة الجوّالة» لكل شيء في إيران حتى في شكل أنفها.

الوضع السياسي مُتكلس، الوضع الاقتصادي مُنهار، الوضع الأمني مُتصدع، الوضع الثقافي مُتفسّخ، العلاقات الخارجية كسيحة، أوراق الصراع عرجاء، كل شيء إلى خراب، والبلد ذاهبة إلى بريسترويكا عاجلة. حتى الطبيعة الإيرانية الخلابة ستحترق.

بل إنه خَتَم حديثه بسؤال وتوبيخ غير لائق إلى الرئيس أحمدي نجاد بقوله: «من أين حصلت على هذه السلطة التي جعلتك تأخذ قراراتك؟ هل سلطة رئيس الجمهورية تستند إلى البرلمان أم إلى الحرس الثوري؟ أم أنك قمتَ بهذه التصرفات لأن المرشد يُؤيدك ويدعمك في انتهاك الدستور؟ إن مجموعة من الجهلة عديمي الخبرة تولّوا أزمّة الأمور وأرجعوا كل شيء إلى نقطة الصفر من جديد».

حسناً... ربما أطقطق بإصبعي مُشيداً بما وصلت إلى الصحافة الإيرانية من فضاء النقد والتجريح، لكنني أيضاً أسأل السيد يزدي عن علاقة ما قال وما يجري بالتاريخ الإيراني المعاصر، أو بالأحرى بتاريخ ما بعد الثورة الذي كان هو أحد صانعيها. وربما أبدأ مناقشته عن بُعد وأنا أدعو له بكل صدق بأن يهزم مرضه العضال.

لا يكترث إبراهيم يزدي كثيراً فيما يقول بقدر اكتراثه بتسجيل موقف سياسي ضد خصومه. فحين يُسأل عن مسألة تخصيب اليورانيوم ينقدها بشدة وحين يُسأل عن زيارة أحمدي نجاد إلى جامعة كولومبيا الأميركية يسخر منها بشدة أيضاً. وبالتالي فهو يقول من أجل أنه يريد أن يقول.

لا أظنّ أن يزدي يستنكف على سارة بالين المُرشّحة لنيابة الرئيس الأميركي في حملة جون ماكين عندما تصف مشروعاً للغاز الطبيعي ستُدفع تكاليفه الثلاثين مليار دولار من خزينة ضرائب ولاية آلاسكا بأنه «إرادة الله» وأن حرب العراق «أمرٌ من الرب وهي خطّته» لكنه يعظ بالنواجذ على نقده اللاذع لأحمدي نجاد عندما يتحدث الأخير عن ربه!.

إحدى نصائح إبراهيم يزدي لنجاد أن يتحدث خلال رحلاته للخارج عن سبب عدم تنفيذ الكيان الصهيوني للقرارات الدولية بدل الحديث عن الهولوكوست. ويزدي يعلم بأن الحديث الناعم لسبعة وخمسين دولة مسلمة وعربية في أكثر من أربعين قمّة لم يدفع تل أبيب لأن تُطبّق قراراً دولياً واحداً.

فهي لم تطبّق القرار 242 ولا القرار 181 ولا القرار 194 ولا القرار 237 ولا القرار 338 ولا القرار 2252 ولا القرار 2121 ولا القرار 3236 ولا القرار 2535 ولا القرار 2672 ولا القرار 2628 ولا القرار 2649 ولا القرار 2588 ولا القرار 1514 ولا القرار 2621 ولا القرار 2787 وعشرات القرارات الأخرى.

ثم يسخر إبراهيم يزدي أكثر من اللازم من الحزام الأمني لإيران داخل الحدود الشرق أوسطية. ويُبسّط أكثر من اللازم أيضاً علاقات إيران المنتظمة بذلك الحزام. فهو يفترض تحقّق نهايات المصالح داخله لكي تنفكّ عرى التحالف بين إيران وحلفائها.

فحين يذكر حصول السوريين على نفط بأسعار تفضيلية وعودة أراضي الجولان وضمانات مائية وعطاءات اقتصادية مُجزية والانضمام لمنظمة التجارة العالمية، فإن طبيعة هذه الديناميكية الجديدة تفرض حالة سياسية أخرى.

لكن (ولأن إبراهيم يزدي رجل سياسة) عليه أن يُدرك أن إرهاصات ذلك التحول لا يُمكن أن تتبلور دون مراحل مفاوضات تتفق على نظام مصالح جديد يَرِث القديم ويبني عليه صيغة من التحالفات الجديدة، وبالتالي فمن البله السياسي أن يتم تثمير النتائج قبل عصر آخر قطرات المقدمات التي من المفترض أن تشعيبها وتقويسها يؤثر في نهاياتها.

وحين يذكر يزدي أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قد فصلت نفسها عن إيران لأنها حركة عربية أولاً ثم سُنّيّة ثانياً فهذا يعني أن الرجل يقرأ الكتاب مقلوباً. فحين يقول الحمساويون إنهم حلفاء طهران وحين يقول الأميركيون عنهم ذلك وأيضاً الإيرانيون أنفسهم، وحين تُفسّر الظروف الموضوعية القائمة ما أقول فمعنى ذلك أن الرجل يُركّب الحديث بغير واقع الحال.

وهو يُقرر دون وعي بأن ذلك الحزام لم يُفض إلى صيغة محور مناكف للسياسات الأميركية، رغم أن دول المنطقة متورطة في أحدهما أو كليهما، وأن مراكز الدراسات قد أسالت حبراً هائلاً للحديث عنهما ومدى فرص الصدام بينهما في المستقبل.

وحين يستغرب إبراهيم يزدي سلوك أحمدي نجاد السياسي منذ تولّيه السلطة في أغسطس/ أب من العام 2005 وحالة الانقلاب المفاهيمي والاقتصادي التي شرع بها، فمن باب أولى أن نستغرب نحن من سلوك السيدمحمد خاتمي عندما جاء إلى السلطة في مايو/ أيار من العام 1997 ولغاية الـ 2001.

فقبل خاتمي كانت إيران في سماء وعندما جاء صارت في سماء أخرى. سياسات اقتصادية جديدة، وسياسات ثقافية جديدة بل وراديكالية، علاقات خارجية أخرى. بل ومن حقنا أن نسأل من الذي كان يدعم خاتمي في برامجه عندما كان في السلطة.

وإذا كان يزدي يهمس من وراء الأذن، بأن المرشد الأعلى يدعم أحمدي نجاد، فهو أيضاً دعم خاتمي طيلة ثماني سنوات. بل وواجه ضغوط الحوزة العلمية في مدينة قم ورجال الدين والمحافظين الذين كانوا في حرب مفتوحة مع خاتمي بسبب برامجه الثقافية.

وأكثر من ذلك حين دعم المجلس النيابي السادس الذي كان يُسيطر عليه الإصلاحيون المتطرفون من جبهة المشاركة ومجاهدي الثورة الإسلامية. وفتح له المجال لمناقشة شئونه والمناشط السياسية والاقتصادية التابعة له.

في المُحصّلة التي لن أنهيها اليوم مع إبراهيم يزدي تبدو الأمور سائرة بشكل كالسابق لدى حركة الحرية. فقد تكون قراءتها أن انشطارات اليمين قد تُعطيها فرصة العودة حتى ولو كانت على مستوى الإزعاج البطيء وعبر جهات قريبة منها وبعيدة عن خصومها

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2214 - السبت 27 سبتمبر 2008م الموافق 27 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً