العدد 2214 - السبت 27 سبتمبر 2008م الموافق 27 رمضان 1429هـ

تقنين أوضاع «المقيمين»

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تنفجر بين الحين والآخر أوضاع «المقيمين» في منطقة الخليج من غير أبنائه، عرباً كانوا أم أجانب. واختلفت مداخل المعالجات التي تناولت هذه القضية، فالبعض منها ركز على الجوانب الاجتماعية، في حين كان محور البعض الآخر المسائل الاقتصادية. جل هذه الدراسات ركز على المخاطر التي تشكلها موجات القادمين للعمل في هذه المنطقة على التركيبة السكانية للمنطقة محذراً من احتمالات حدوث تشويهات ثقافية وحضارية ديمغرافية تغير المعالم السكانية وتغير مستقبل مساراتها الطبيعية.

ويتميز موضوع «المقيمين» في منطقة الخليج عن سواه من أوضاع المهاجرين - على سبيل المقارنة - في مناطق أخرى من العالم بفضل العوامل المميزة الآتية:

1 - وتيرة تدفق الثروات: بخلاف معظم مناطق العالم الأخرى التي عرفت تدفقاً للمهاجرين إلى أراضيها، حيث تنامت الثروات بشكل تدريجي يتناسب وحجم الثروات الطبيعية التي في باطن أراضيها، أو تنامي الحركة الصناعية أو التجارية في أسواقها... عرفت منطقة الخليج، خلال الخمسين سنة الماضية، طفرات نفطية، انعكست في شكل سيولة مالية.

2- طبيعة التركيبة السكانية: إذ يعيش ما لا يزيد على أربعين مليون شخص، هم التعداد السكاني لمنطقة دول مجلس التعاون،على امتداد رقعة جغرافية شاسعة، تصدر ثلث ما تحتاجه الأسواق العالمية من مصادر الطاقة، تستقطب صناعاتها والصناعات التي تولدها الثروات الناجمة عن بيعها فرص عمل تزيد كثيرا عن قدرات أبناء البلاد الأصليين على شغلها. وخلخلت هذه الحالة، التركيبة السكانية لصالح الموجات البشرية القادمة للمنطقة من دول فقيرة، وأحياناً غير فقيرة بحثاً عن مصادر رزق أو رغبة في تحسين أوضاعهم المالية أو تهرباً من قوانين الضريبة المعمول بها في بلدانهم.

3 - النقلة الحضارية: أدت الطفرات النفطية المتتالية خلال نصف القرن الماضي، وانعكاساتها المالية على السكان الخليجيين عموما، وعلى الحفنة الصغيرة منهم، التي تستحوذ على نسبة عالية من مدخولات النفط، إلى إحداث هزة حضارية حاولت نقل المجتمع الخليجي «القبلي» اجتماعياً، «البدوي» حضارياً، «المتخلف» اقتصادياً إلى مجتمع «مدني» اجتماعيا، صناعي - مالي حضارياً، متطور اقتصادياً. هذه الهزة لاتزال في مراحلها الجنينية، ونجاحها في الفترة القصيرة القادمة أمر مشكوك في تحقيقه، الأمر الذي يجعل المنطقة في مرحلة انتقالية محفوفة بمخاطر التحولات غير المدروسة التي تنتظرها.

أدت هذه الحالة إلى انفجار أزمات اقتصادية واجتماعية عبرت عنها مجموعة من «الاحتجاجات» التي عرفتها دول خليجية مثل الإمارات والكويت وحتى البحرين، وانتهت بمواجهات بين الدولة والجاليات المقيمة، من دون التوصل إلى حل جذري لها يقوم على تشريعات وقوانين تنصف المقيمين من دون التفريط بحقوق السكان الأصليين اجتماعية كانت أم حضارية، بل وحتى الاقتصادية والمالية.

ويمكننا الإستفاد من تجارب دول أخرى سبقتنا على هذا الطريق. فهناك التجربة السويسرية، ذات النطاق المحدود سكانيا ومساحة، والتي على رغم تزايد دعوات وقف تدفق المهاجرين البالغة نسبتهم نحو «20 في المئة من إجمالي عدد السكان البالغ 7،6 ملايين» تسمع بالمقابل أصواتاً سويسرية أخرى «ترى أن اقتصاد البلاد يستفيد من خبرات هؤلاء المهاجرين، وأن الإبقاء على رفاهية هذه البلاد معقود عليهم».

ويقول مساعد نائب مدير المكتب الفيدرالي للهجرة كورت روهنر: «إن استمرار نمو الاقتصاد السويسري خلال السنوات الأخيرة (مصدره) قدوم مهاجرين من أصحاب الكفاءات العالية من أوروبا وخارجها».

في الخليج، نشاهد بعض المحاولات المبعثرة التي تنطلق وبحماس شديد عند انفجار الأزمات ثم تتلاشى بمرور الزمن. ففي العام 2007 دعت اللجنة القطرية لحقوق الانسان إلى عقد المؤتمر الدولي بشأن أوضاع العمال المهاجرين في الخليج والشرق الاوسط، على أن يتم ذلك بالتعاون مع الفيدرالية الدولية لحقوق الانسان، وحتى يومنا هذا لايزال العديد من أوراق وقرارات ذلك النشاط حبيسة ردهات قاعات المؤتمر الذي انعقدت جلساته بين جدرانها، أو الأوراق التي دونت فوقها.

لقد آن الأوان من أجل خطوة خليجية جريئة تعالج المسألة من جذورها بنظرة معاصرة تنطلق من احتياجات المنطقة وتعبر عن مصاحها، من دون تجاوز حقوق «المقيمين» مالية كانت أم اجتماعية

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2214 - السبت 27 سبتمبر 2008م الموافق 27 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً