قبل نحو عشر سنوات نشرت إحدى المجلات الغربية تحقيقاً عن الإسلام، وإحدى النقاط التي تعرض لها ذلك التحقيق - الذي لم يكن عدائياً للإسلام - هو أن الإسلام عمره 14 قرناً (حالياً في القرن الخامس عشر الهجري) وأنه ربما يواجه المخاضات ذاتها التي مرت بها الأمة المسيحية. فالأمة المسيحية عندما أصبح عمرها 14 قرناً ودخلت القرن الخامس عشر الميلادي بدأت مخاضاً من الحروب الدينية الأهلية التي طحنت الشعوب الأوروبية لفترات طويلة.
كانت أوروبا بحلول القرن السادس عشر مستمرة في تصارع الأفكار بين من يطرح أن سلطة الدين (المتمثلة في الكنيسة والبابا) يجب أن تتقدم على سلطات الملوك والأمراء، وبين من يطالب بإصلاح النهج الديني من الداخل (وبسبب ذلك ظهر وانتشر مذهب البروتستانت، وعالم الاجتماع ماكس فيبر قال في مطلع القرن العشرين إن الثقافة البروتستانتية هي التي ساهمت في تأسيس النهضة الأوروبية)، وهناك من كان يطرح ضرورة فصل السلطان الديني عن السلطان الدنيوي (أي فصل الدين عن السياسة)، وبين من دعا (في القرون اللاحقة) إلى إلغاء الدين بصورة كاملة. والاتجاه الأخير هو ما تبنّاه كارل ماركس في منتصف القرن التاسع عشر عندما قال - وهذه ترجمتي لإحدى مقولاته المنشورة باللغة الإنجليزية - «إن المعاناة التي لحقت بالشعوب بسبب الدين إنما هي تعبير عن معاناة حقيقية وهي احتجاج في الوقت نفسه ضد المعاناة الحقيقية، فالدين هو الوسيلة التي من خلالها يتنفس المظلوم، والدين هو القلب في عالم يخلو من القلوب، وهو الروح في ظروف خالية من أيِّ روح، وهو بذلك افيون الشعوب».
إن المحنة التي مرت بها الأمة المسيحية (قبل أن تصبح أمماً مسيحية) ربما لا تشبه ما تمر به الأمة الإسلامية في عدة جوانب، ذلك لأن الدين الإسلامي لم يقف ضد العلم، بل إن العصر المتنور في تاريخنا كان يقوده فلاسفة وعلماء في الفقه والرياضيات والفلك والكيمياء... وهذا يختلف عن تاريخ الأمة المسيحية التي لم تتطور إلا بعد أن تخلّت عن سيادة رجال الدين الذين كانوا يقفون ضد العلم وضد العصر في كل شيء تقريباً.
على إن «بعض» ما تمر به أمتنا الإسلامية يشابه ما مرت به الأمة المسيحية قبل خمسة قرون، أي قبل خروج أوروبا من العصور الوسطى المظلمة... إذ كان الأساقفة (رجال الدين) قد تسببوا في استياء الناس والتجار والحرفيين والمنتجين من تصرفاتهم وفتاواهم التي كانت تصدر عن أناس يفتقدون الكفاءة ويفتقدون الوعي. فبينما الناس كانت تتجه نحو قراءة الكتب، كان رجال الدين مشغولين بإنشاء محاكم التفتيش لحرق الكتب وقتل من يقرأ أيَّ كتاب لا يحمل معه فتوى تحلل قراءته.
ومن الغريب جداً أننا في رمضان هذا العام (1429 هـ الموافق 2008 م)، وبدلاً من توجيه الناس نحو التآلف والتعايش، يتورط كبار علماء ديننا في تصريحات تتحدث عن تبشير طائفة إسلامية بدينها داخل طائفة أخرى... فهل يا ترى نحن نمر حالياً ببعض ما مرت به الأمم المسيحية قبل خمسة قرون؟
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2214 - السبت 27 سبتمبر 2008م الموافق 27 رمضان 1429هـ