أمس السبت (25 فبراير/ شباط 2011)، وضع عن طريق الخطأ اسم الكاتب محمد علي الهرفي على مقال الكاتب محمد عبدالله محمد، لذا تعتذر «الوسط» للكاتبين عن هذا الخطأ غير المقصود وتعيد نشر المقال بإسم كاتبه:
أجواءُ البحرين هذه الأيام مُقلِقة وجدّ مُختلفة. اختلاف أجوائها نابعٌ من اختلاف ناسها. اختلافاتهم لم يصنعوها هم وإنما رَعَتهَا وجيَّشَتها جهات مُغرضة اقتنعت أنها وبالشّحن الطائفي ستُحقِّق نصراً سياسياً على خصمها بذراع غيرها دون أن تحتاج إلى إطلاق رصاصة واحدة في الهواء.
في هذا المشهد المخيف والمُريب والمشبوه والموبوء وباستخدام كلّ النعوت المماثلة بلا انتهاء أدرِكُ أمرَيْن اثنين.
الأول: أنني لا أعَوِّل في هذه المرحلة على الكيانات ذات العقل الجمعي؛ وإنما التعويل فقط على الأفراد والآحاد الذين هُم يصيغون ذلك العقل الجمعي في المُحصّلة، ويتصرَّفون خارج تأثيرات التوجيه السياسي الطائفي المُبشَّر به في هذا الأوان إذا ما تُركوا وشأنهم.
والثاني: أنني وفي هذه الظروف العصيبة والحساسة جداً التي يمرّ بها البلد أعلِّم نفسي (وغيري أيضاً إنْ استطعت) أنني لا أيأس مُطلقاً. فعادة ما يكون آخر مفتاح في مجموعة المفاتيح هو المناسب لفتح الباب على حدِّ وصف المُبشِّر البروتستانتي نورمان فينسنت بيل. هنا وعندما يُمسَكُ بالأمل (لا بغرض الاستغراق والعَدَميَّة) سنكتشف أشياء جوهريّة خلال بحثنا عن حُلُول ستكون حتماً أهم مما نُكابد له، بالضبط مثلما اكتشف السيميائيون أشياء أكثر نفعاً من الذهب أثناء بحثهم عنه.
فيما خصّ الأمر الأول وهو مكافحة الطائفية من خلال الفرد، فإنني أمارسه واقعاً مُعَاشاً على المستوى الشخصي. ربَّيْتُ أبنائي على هذا النهج دون أن ترتَخي يوماً هِمَّتي في الإبقاء عليه حيّاً. اختَرتُ لهم أسماء لا تحمل تصنيفاً مُعَيَّناً. عبدالله وهدى. أقنعتهم أن لا ينظروا إلى الآخرين نظرة تصنيف طائفي/ مذهبي/ عرقي. أفهَمْتهُم أن مَنْ يعتَمر على رأسه عمامة سوداء أو بيضاء أو خضراء، مُدوَّرَة كانت أو مُسَطَّحَة أو مُدبَّبَة أو مُقوَّسَة أو بأيِّ شكل كانت وبأيِّ لون، أزهريّة كانت أم نجفيّة، مَكِّيّة كانت أم قُمِّيَّة هم في نهاية الأمر مُسلمون إبراهيميون مُوَحِّدُون، وقبل كل ذلك هم بَشَر بُنِيَت عظامهم ونَبَتَت لحومهم عليها وجَرَت دماؤهم من عِرقِ أبٍ واحد اسمه آدم (ع).
كنت أميّع في وجوههم كلّ فارق مذهبي أو ديني يسمعونه من أحد دخيل. أرجِعُهُم إلى ذواتهم الإنسانية الصّرفة، التي من خلالها يُمكن أن يُدركوا أن ما عند هذا هو عند ذاك لا يفْرقُ عنه أبداً. وربما أسَّس أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) إلى هذا الأمر بجلاء عندما قال «الإنسان إمّا أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق». أما غير المسلمين فلا أظنّ أن أحداً سيخرج عن قوله تعالى « لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ « (الممتحنة: 8). هذان احتجاجان شرعيِّان لا يشكّ فيهما أحد كانا حاضران أمامهما.
ما يجب أن يُقرأ اليوم هو ما كتبه آدمز متز في كتابه الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري عندما قال «من الأمور التي تعجب لها هي كثرة العُمّال والمتصرفين غير المسلمين في الدولة الإسلامية، فكأن النصارى هم الذين يحكمون المسلمين في بلاد الإسلام». حينها كانت قد وُضِعتْ المدارس تحت مُراقبة حنّا متسه أو إلى النسطوريين واليهود، مع أن الحالة العامّة هي إسلامية، والإطار الأيديولوجي إسلامي بامتياز.
فإذا كانت علاقة المسلمين بغيرهم على هذه الشاكلة فالأحرى بنا نحن أصحاب القِبْلَة الواحدة أن نكون أكثر قرباً وتماهياً مع بعضنا البعض من أولئك. وإذا كان أحدٌ يريد بنا شرّاً (سواء أكَان موقعه في الحُكم أو خارجه) بسبب وَرطات ومعارك سياسية بينه وبين أحد في الداخل أو الخارج فلا ينبغي بنا أن نتَهارَش أو نتخاصم من على عَتَبَة الطائفية والعناوين المذهبية. بل لا ينبغي لأحد منا أن يسمعه أو حتى ينظر إليه أو يُديرُ له بالاً، لأنه مهووس بنظام مصالح خاصّ به ولا يعني له شيئاً إن اعتَرَكَت الطوائف أم لا؛ لأن ما يخاف منه هو أن تتفق تلك الطوائف وتهتزّ مصالحه.
علينا نحن البحرينيين (بدون استعمال نعوت التشيُّع والتسَنُّن) تصحيح اللغة التي نتخاطب بها. علينا تجريدها من كلّ إشارة أو إيماءة تدفع ولو باتجاه الشّك فضلاً عن الظّن واليقين ببعضنا البعض. فالخطاب ولغته هو أساس التواصل، وبه نشترك ونتقاطع ونختلف ونتفق ونتبادل الثقة. وهي دعوة موجَّهة للصحافة ولتلفزيون البحرين وللمجاميع السياسية والكيانات الأهلية وقبل كلّ ذلك للأفراد العاديين. على الجميع أن يجترح لنفسه مكاناً آمناً يقي نفسه من لوثة أرِيْدَ له أن يَتَّسِخ بها.
قبل ألفين وخمسمئة سنة سُئلَ حكيم الصين الكبير كونفوشيوس؛ ما هو أول ما ستقوم به إذا ما حَكَمْتَ الدولة؟ فأجاب على الفور «بالتأكيد سوف أقوم بتصحيح اللغة» وعندما اندهش السائل من هذه الإجابة؛ أضاف الحكيم قائلاً «إن اللغة السائدة ليست صائبة؛ لأن ما يُقال عادة لا يحمل المعنى المقصود، وإذا كان ما يُقال لا يحمل المعنى فإننا لن نستطيع القيام بما ينبغي أن نقوم به، وإذا لم نفعل الشيء المطلوب فإن الأخلاق والفنون والعدالة سوف تتلف وإذا فسدت الأخلاق والفنون فإن العدالة سوف تَضِل وإذا ضلّت العدالة فإن الناس سوف يقفون في حالة من الخلط أو التداخل بدون حول ولا قوة، وحينئذ لن يكون هناك تحكم فيما يُقال أو يُمارَس»
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3096 - السبت 26 فبراير 2011م الموافق 23 ربيع الاول 1432هـ
المهم في الموضوع
الإنسان إمّا أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق
قلنا ونقول حذاري من الفتنة فإنها أشد واكبر من القتل
نحن إخوان متحابين إلى أبعد الحدود بيننا كل العلاقات الإخوية والحميمة نسأل الله أن لا يوفق من يريد بهذه اللحمة أن تتمزق