العدد 3096 - السبت 26 فبراير 2011م الموافق 23 ربيع الاول 1432هـ

انتصرت الثورة... ورحل نيرون مصر

ميسون زيدان opnion [at] alwasatnews.com

يبدو أن التاريخ الإنساني يعيد تجاربه وأحداثه، لكن مع اختلاف الأماكن والأشخاص.

فالتاريخ امتلأت صفحاته بسير وأفعال الدكتاتوريين والطغاة والسفاحين الذين عاثوا في الأرض فساداً وسطروا بجرائمهم شهادات السقوط في مزابل التاريخ ولعنة الشعوب.

وإذا كان التاريخ يزخر بأخبار أمثال هؤلاء مثل هتلر وستالين وموسوليني ونيقولاي شاوشسكو - دولياً - والحبيب بورقيبة وجعفر نميري وأخيراً وليس آخر بن علي ومبارك - عربياً - فإن التاريخ القديم حفل أيضاً بلعنة من انغمسوا في بحر الدم والظلم والفساد.

فهذا نيرون الطاغية الروماني (37 ق.م - 68 م) أصبح رمزاً للدكتاتوريات الدموية والفاسدة في تاريخ الرومان قديماًَ وحديثاً.

ولمن لا يعرف نيرون نورد بعضاً من صفحات حكمه السوداء على الإمبراطورية الرومانية العظيمة.

كان نيرون صغير السن حين بدأ حكمه، فقد كان في سن السادسة عشرة سنة وانغمس في اللهو ويحكى عن بذخه أن سقف قاعات الدعوات كان يمطر رذاذاً من العطور والزهور. وأقنع نفسه بأنه بارع كمغني ولاعب للقيثارة وسائق عربية حربية.

كثرت المؤامرات والاغتيالات السياسية التي كان له يد في تدبيرها وكانت أمه إحدى ضحاياه التي ماتت وهي تلعن ابنها الذي ألقت به لعنة ونقمة على الشعب وعلى روما، وكذلك زوجته قتلها لأنها فضلت حين أدائه مسرحية أن يكون المشهد مغايراً عما حدث، ومن بعدها لم يتجرأ أحد من العاملين في قصره أن يعيب أي عمل له. أما أشهر جرائمه فكان حريق روما الشهير سنة 64م، حيث راوده خيال في أن يعيد بناء روما وبدأت النيران من القاعدة الخشبية للسيرك الكبير وانتشرت في أنحاء روما لمدة أسبوع والتهمت عشرة أحياء من جملة أنحاء المدينة الأربع عشرة. وبينما كانت الأجساد تحترق وسط صراخ الضحايا كان نيرون جالساً في برج مرتفع يتسلى بمنظر الحريق وبيده آلة الطرب يغني أشعار هوميروس التي يصف فيها حريق طرواده. وتزايدت كراهية الشعب نحوه بعد أن تأكد أنه هو المتسبب في هذا الحريق فكان لابد من كبش فداء. فاختار المسيحيين ككبش فداء وألصق التهمة بهم ثم بدأ يتفنن باضطهادهم وسفك دمائهم أمام أهل روما واستمر اضطهادهم أربع سنوات ذاق فيه المسيحيون أصنافاً من التعذيب الوحشي وسادت الإمبراطورية الفوضى والجريمة فأعلن مجلس الشيوخ أنه «عدو الشعب» فانتحر سنة 68م مخلفاً وراءه حالة من الإفلاس والفوضى.

ونيرون هذا لم يخلف الإفلاس والفوضى فحسب، بل خلف إرثاً إجرامياً يستلهم فصوله طغاة آخرون.

ويبدو أن النظام المصري - الساقط - تجرع جرائم نيرون وثمل بها، إذ كان لابد ونحن نتابع أحداث الثورة المصرية أن نجسد تاريخ نيرون حاضراً أمامنا، نجسده في الشرطة التي ما آلت جهداً لسحق إرادة الشعب المظلوم المقهور... نجسده في خراطيم المياه الموجهة ضد المصلين ثم دهس المواطنين بسيارات حكومية وغير حكومية مروراً بضربهم بالهراوات وسحبهم إلى السيارات المغلقة وصولاً إلى إطلاق الرصاص الحي على متظاهرين عزل إلا من سلاح الإرادة والإيمان بنبل قضيتهم التي ثاروا من أجلها ألا وهي العدالة والحرية.

لقد مارس هذا النظام خلال هذه الثورة ألواناً من العربدة السياسية التي عرفها أو لم يعرفها قاموس السياسيين في مصر، لم نستغرب قطع وسائل الاتصالات وشبكات التواصل الإلكترونية بعد أن فضحت كاميرات الثائرين حجم الجرائم البشعة التي مورست في جمعة الغضب 28 يناير/ كانون الثاني 2011.

لجأ النظام النيروني إلى تشويه صورتهم وسلط السجناء - الهاربين أو المهربين - على مؤسسات الدولة وممارسة أعمال الحرق والنهب وسط انسحاب غير مفهوم (آنذاك) للشرطة ورجال الأمن الذين قتلوا ما يزيد على خمسين شخصاً في القاهرة والإسكندرية والسويس في يوم واحد.

كانت الرسالة للعالم أن انظروا إلى هؤلاء الحرامية والعابثين بأمن ومؤسسات الدولة قبل أن تسألوا حين تكشف الجرائم أمام كاميرات الصحافيين لماذا سحقناهم بالغازات والخراطيم والرصاص والسيارات التي تعربد في الطرقات وتدوس أجسادهم كالقطط الضالة.

لم نسمع أي تعليق من المسعورين الذين طالما آذوا آذاننا بنباحهم المستميت دفاعاً عن النظام.

بعد طول غياب ظهر مبارك متعالياً ثملاً بنصر وهمي وهو يبطن كلماته الجوفاء بالتهديد والوعيد... والأهم أنه باقٍ.. والخطوات التي اتخذها فيما بعد من حلّ الحكومة وتعيين نائب له وغيرها من خطوات دخلت كلها في سياسة المراوغة، سياسة مارسها النظام مراراً وكانت كلها حلىً جديدة لهيكل صامد مطعون بشرعيته أبداً في عيون الثائرين.

لاشك أن نظام الاستبداد حاول كثيراً اختراق هذا الصمود وهذا التحدي لذا كان لابد من حوار شكلي هدفه إضاعة وكسب الوقت... إضاعته للثائرين وكسبه للخاسرين. لكن هذه الجولات المحكوم عليها بالفشل سلفاً زادت من تصميم الثائرين وإصرارهم على تحقيق مطالبهم المشروعة.

لم يبقَ أمام حزب «النيرونيين» أمام هذا الرفض وهذه الصلابة إلا اللجوء إلى حزب «البلاطجة» الذين دنوا بنظامهم وصورته إلى أسفل سافلين، «موقعة الجمال» التي اقتحمت ميدان التحرير لتدوس صمود الثوار قبل أجسادهم وتحرق بطولاتهم بقنابل حارقة راهنت وأصحابها على امتصاص طاقة أبطال التحرير وسحق إرادته.

قيل إن أولئك البلطجية «هاربين من السجن» وقيل عنهم «مؤيدي النظام» وقيل هم مزارعون تضررت مصالحهم من الاعتصام فأرادوا الانتقام!

كل هذا والنيرون العربي أبى إلا أن يكون متفرجاً، جاثماً على كرسيه وعلى قلوب الجماهير المشتعلة غضباً وثورة.

لم يستسلم ونظامه المستبد، بل لجأ إلى حيلة مكشوفة مفضوحة أكثر من سابقتها، تفجير أنبوب الغاز الذي يصل إلى إسرائيل، هذه الحيلة كان لها رسالة وهدف رسالتها أنه ليس فقط عملية السلام هي المهددة بزوال مبارك وإنما هناك مصالح حيوية أخرى كالغاز الذي تعتمد إسرائيل فيه على صادرات مصر بنسبة أكثر من 40 في المئة، فالرسالة موجهة إلى إسرائيل للضغط على الغرب وعلى أميركا للوقوف إلى جانب هذا النظام. أما هدفها فإلصاق التهمة بالثائرين المريدين الانتقام مما فعله البلطجية في الميدان. لكن هذه الحيل الخرقاء لم تنطلِ على الإعلام الغربي الذي اكتشف مبكراً هذه المرة مخططات وخطايا هذا النظام.

لم يسأل النظام النيروني نفسه كيف سيصدق الغرب أن جماهير الميدان، التي لا تملك إلا اقتلاع بلاط الأرصفة حتى تدافع عن نفسها أمام بلطجية النظام أين لها بمتفجرات ترسلها إلى سيناء! وأنى لها أو لأهل سيناء الوصول إلى هناك وهي لا ترى هذا المكان إلا عبر شاشات التلفزيون، الرسالة وصلت واللعبة الفاسدة كشفت ورفضت لذلك فقد صحح البيان التالي: أن هذا الانفجار «الاستثنائي» كان بفعل حادث عابر أو طارئ.

هكذا إذن أرادها نيرون حرباً أهلية تشتعل كما اشتعلت أحياء روما، وأراد لأميركا وحلفائها أن يكونوا له عوناً في تدمير بلده وفي سحق شعبه، كل ذلك كان يتم باسم الإخلاص لهذا البلد والوفاء لأهله والحرص على البر بقسم أداه في بدء ولاية جديدة مزورة.

أرادها فوضى عارمة يسد غبارها عيون الثائرين عن مطالبهم وأحلامهم.

أرادها دماراً تُدفن معه كل الطموحات والقامات الشمقمقية.

أرادها قيامة تقوم على رؤوس الثائرين إلى يوم الدين.

لكن الشعب المصري الأبي الذي خرج عن بكرة أبيه، خرج كالبركان في مواجهة الطغيان، كانت إرادته صلبة كالحديد ومزلزلة كحناجر أبطاله الصادحة وأصيلة كتاريخه العظيم، وكذلك كانت إرادته شامخة، ثابتة كروما

العدد 3096 - السبت 26 فبراير 2011م الموافق 23 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:27 ص

      عاد يا ميسون بتخسرينا واجد فلوس

      لازم ناس وجد اتسوى فحص الدي ان ايه المكلف ماديا حتى نعرف الجينات انتقلت لمن بعد من نيرون

اقرأ ايضاً