طأطأ رأسه لصراخ شعبه عندما أقال المسئول عن قمع الشعب، ثم انحنى راكعاً عندما ظهر في التلفاز مناشداً شعبه لوقف العنف حتى يتنحى، لكنه أجبر على السجود حينما رفعت الراية في وجهه لترحل الآن وليس غداً، عندها رحل لينهي بذلك قصته التي دامت ثلاثة وعشرين عاماً، ليصبح أول السبحة وليس آخرها، والثاني لم يمل من خطابات تحفظ ماء وجهه الذي أريق على يد صغار شعبه، ومع الاثنين يبقى السؤال أهذا آخر الاستبداد؟
لقد أصبح الاستبداد الذي يعرف بحسب ما جاء في الموسوعة السياسية العربية على أنه «حكم أو نظام يستقل بالسلطة فيه فرد أو مجموعة من الأفراد دون خضوع لقانون أو قاعدة ودون النظر إلى رأس المحكومين».
سمة في التاريخ العربي منذ السلطة الأموية، إذ لم تعرف الشعوب العربية سلطة تنفست في حكمها بالحرية والكرامة حتى من سيطر عليها من الخارج سواء أكانت الدولة العثمانية أو الاستعمار الأوروبي، إذ لم يكونوا أحسن حالاً ممن سبقوهم أو ممن جاءوا من بعدهم كل ما في الأمر هو تغيير صوري، ولم تكن شعارات الحرية والتغيير التي اتخذوها سوى آليات تخدير ومخادعة وعبور، ونتيجة لذلك دخل العرب في تجارب تاريخية عدة، لكنها لم تزدهم سوى خيبة وفشل، لذا تعتبر هذه المرحلة التي تعيش فيها هذه الشعوب حراكاً واسعاً ومغايراً بمثابة تحول تاريخي نوعي، لقد انتقل صدى الإيقاع التونسي إلى مصر، ومعهما بدأ المراقب الخارجي السياسي يسأل من التالي، لكن المراقب التاريخي يسأل هل بدأ التأريخ لمرحلة عصر الشعوب في الوطن العربي؟
من الخطأ فهم ما جرى على الحراك التونسي والمصري أنه خروج من أجل الخبز على أساس بعض الشعارات التي طرحت في السياق الشعبي، ففي تونس رفع «خبز وماء وبن علي لا»، بينما في مصر «عيش... حرية... عدالة اجتماعية».
لقد كانت ثورة من أجل الكرامة التي أهدرت سنين طويلة، لقد جربت تلك الشعوب في العصر الحديث أنظمة سياسية متعددة لكنها في الواقع كما يشير الفيلسوف هيغل ليس إلا «شخص واحد... ليس إلا طاغية»، وهو بذلك يعني بموضوع الاستبداد وهو موضوع رئيسي جدير بالاهتمام والدراسة، فالتاريخ لدى هيغل يسير وفقاً لخطة لقوله «إن مسار البشرية في خط مستقيم يبدأ عند البداوة والتوحش وينتهي إلى تحرر البشرية في ظل القانون»، لذا فإن هذه المرحلة هي حتمية تاريخية لدورة الحياة التي هي بعيدة عن الحسابات ولا تخضع لتوقعات بشرية، فهي سيرورة إلهية لا يعلم مداها وشكلها النهائي سوى خالقها.
العالم الأوروبي وبالخصوص الجزء الغربي منه تعدى حالة حكم الفردي إلى الحكم الشعبي من خلال ثورات وتحولات تاريخية مهمة، ففرنسا التي خضعت التغيرات فيها عن طريق الثورة الشعبية العام 1789م والتي أدت إلى إلغاء الملكية المطلقة، والامتيازات الإقطاعية للطبقة الأرستقراطية، لم تتحول إلى وضعها الحالي الديمقراطي إلا عن طريق مراحل بدأت فيها بالملكية الدستورية ثم النظام الجمهوري الثوري، ثم الحكم العسكري التوسعي، بعدها رجعت إلى الحكم الجمهوري والتي عرفت فيها فرنسا خمس جمهوريات جرت فيها تغيرات شتى.
لذا نحن موعودون بهذه المرحلة، فالطفرة التاريخية التي يعيشها العرب يعلق عليها هنري ويلكنسون من مؤسسة جانوسيان سيكيورتي الاستشارية بأنها «ستقلق حكومات كثيرة في المنطقة لأنها كانت عفوية ولم تكن منظمة» ومعها بدا واضحاً للجميع أن سكوت الشعوب العربية له حدود وأنه إذا ثار لن يوقفه أحد، ويشير السياسي المصري البارز محمد البرادعي للسبب بقوله «سلب حريات الشعوب وغياب العدالة الاجتماعية وانعدام سبل التغيير السلمي يؤدي إلى ما نراه الآن، الحق فوق القوة»، لذا فإن الشعوب العربية وفقاً لما يراه المحلل كميل الطويل أثبتت للعالم أجمع أن بإمكانها إسقاط أنظمة الحكم بالخروج إلى الشوارع والتظاهر.
لا ينبغي النظر إلى القضية على أنها تقف عند حد انتقال عدوى واندفاع وحماس شباب، إنها مرحلة تاريخية قادمة؛ فحين تغلق الحياة احتمالاتها كافة، سيكون السبيل الوحيد أمام الجميع هو التغيير، فالمرحلة القادمة لا تعطي مؤشراً على مستوى العجز الحكومي العربي في معالجة الأزمة فقط، بل على قدرة الشباب العربي على قول «لا» وإعادة ترتيب صفوفه، فإن الظلم المتراكم ينفجر وتأبى الشعوب العطايا الموسميّة، فالحرية لا تقدر بثمن، وبقية الحكومات العربية مدعوة قبل غيرها للإسراع بالإصلاح الحقيقي بقدر ما تستطيع، فالتيار جارف لا يرحم، والتاريخ يعيد نفسه.
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 3095 - الجمعة 25 فبراير 2011م الموافق 22 ربيع الاول 1432هـ
التاريخ يقول كلمتة
شكرا للكاتبة
ارادة الشعوب فوق كل ظالم
وسيقول التاريخ كلمتة وسيحفظ جميع المواقف
حفظ الله حبيبتي البحرين
جعفر التخشة
اتمنى يكون حقيقة