بعد مرور أسبوع على الكارثة، يلتقي الخيطان الشعبي والرسمي على إعلان الحداد على شهداء الوطن اليوم الجمعة (25 فبراير / شباط 2011).

في الساعات الأولى ليوم أمس الخميس، كنت أتجوّل في ميدان اللؤلؤة، شاهدت اللوحات الجديدة التي رسمها بعض الفنانين الهواة، يتوسط أكثرها ميدان اللؤلؤة، ويغلب عليها اللون الأحمر والأسود، وفيها الكثير من مناظر الخيام.

الخيمة الطبية كانت تعجّ بالحركة، انتهزت الفرصة لأسأل الطبيب علي العكري عن صحة ما قيل عن فرض إجازة جبرية عليه فنفى ذلك. كانت أحاديث الأطباء تدور حول وزير الصحة الذي يفترضون استقالته كتحصيل حاصل، ولو من باب احترام المهنة. تكلّموا بمرارة عن موقفه وتخاذله عن القيام بواجبه الإنساني في هذه المحنة العصيبة التي مرت على البحرين يومي الخميس والجمعة الماضيين. أحدهم اعتبر موقفه انتهاكاً للاتفاقات والمواثيق الدولية الموضوعة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية والتي تحرم منع الإسعاف من الوصول للمصابين. ثانٍ استغرب أن يبقى وزير على رأس وزارة فَقَدَ أغلب العاملين فيها الثقة به. ثالثٌ قال بأن أقل ما كان توقعه منه هو الاستقالة، حفظاً لمكانته حين كان يترأس كلية العلوم الصحية، وذلك أضعف الإيمان. وآخر دعا إلى استمرار المطالبة بإقالته، وبغضّ النظر عن أية تطورات سياسية أخرى، حتى يرحل لكيلا يكرّر فعلته أي وزير صحة قادم. بعضهم روى لي قصص منعهم من الدخول لدوار اللؤلؤة يومي الخميس والجمعة، وما تعرّضوا له من تهديد بالرصاص.

ستبقى هذه القضية تؤجج القلوب طويلاً، وتثير حنق المعنيين لبشاعتها وشذوذها ومخالفتها للروح الإنسانية. وآخر تفاعلاتها وصلت إلى استراليا، حيث بعثت الفيدرالية الدولية لطب الطوارئ رسالة استنكار للوزير لمنعه الأطباء والمسعفين من تقديم الرعاية الطبية الطارئة. وقد بثت الـ (سي ان ان) مقابلةً مع أحد المسعفين تحت عنوان: «المسعفون البحرينيون الأبطال». وزارت أمس الجمعيات النسائية المصابين في مستشفى السلمانية، حيث لا يزال يمكث العشرات.

منظمة المؤتمر الإسلامي ومقرها جدة، أعلنت أنها تتابع باهتمام بالغ التطورات الداخلية في البحرين، ودعمها لمبادرة الحوار الوطني الهادفة لإرساء المؤسسات والقانون، على مبادئ سيادة القانون وحرية التعبير عن الرأي وتعزيز ممارسة مواطني البحرين لكافة حقوقهم المشروعة. أما وزيرة الخارجية الأميركية فقالت إنه من دون تقدم حقيقي باتجاه إقامة أنظمة سياسية منفتحة وخاضعة للمساءلة في الشرق الأوسط فإن الفجوة بين الشعوب وحكوماتها ستتسع، وعدم الاستقرار سيستفحل». وحثتها على ضبط النفس، «فلا مكان للعنف ضد متظاهرين مسالمين». ورحبت بـ «إطلاق حوار يشمل جميع أطياف المجتمع البحريني».

هذا الحوار رحّب به أيضاً القيادي بتيار الإخوان المسلمين في الكويت الشقيقة، طارق السويدان، واعتبره مخرجاً من الأزمة، وذلك في القنبلة التي فجّرها مؤخراً حين انتقد العداء الذي يبديه البعض لحركة الشعب البحريني من أجل نيل حقوقه، بينما يؤيّد شعبي تونس ومصر. ولماذا ننتقد أميركا على سياسة المكيالين بينما نمارسها ضد الأغلبية في البحرين حين يطالبون بحقوقهم. وقال: «إذا رأوا أنهم مظلومون فيجب أن يُنصفوا. اعدلوا هو أقرب للتقوى. هذا أصلٌ من أصول ديننا. من الواجب احترام حقوق الناس وعبادتهم وحريتهم بغض النظر عن طوائفهم. من حقّهم أن ينتخبوا ممثليهم، بل من حقهم أن يَحكموا. البحرين حاولت أن تقمع، وهذا خطأ استراتيجي يجب أن يحاسبوا عليه. فالثورة لا تنتهي بالقمع».

السويدان دعا للوصول إلى معادلةٍ تحفظ حقوق الطرفين. هذا الموقف من المؤكد أنه سيسبب الكثير من النقاش على مستوى الشارع البحريني والخليجي حيث تسود معادلات سياسية خاطئة، بعيداً عن قيم العدل والإنصاف والمساواة، كما سيسبب موقفه الكثير من الحرج لإخوان وسلف البحرين.

الجدل في البحرين طال الإعلام أيضاً، فقد أدى ظهور الإعلامية البحرينية خديجة الحمادي على منصة الخطابة في ميدان اللؤلؤة، إلى تعرضها إلى حرب إشاعات وتشويه سمعة. وكلّ ما فعلته هو الانتصار لحقوق المواطن البحريني وتكافؤ الفرص للجميع دون تمييز, وكفالة حرية التعبير لكل فرد ولكل إعلامي حر، دون المس بكرامة أحد، مسئولاً أو مواطناً. وهي مبادئ عامة يجمع عليها كل البحرينيين دون استثناء.

التاسعة صباحاً، خرجت مسيرة العاملين في البلديات من بلدية المنامة متجهةً إلى دوار اللؤلؤة. ومن المفاجآت أن أحد الأبراج السكنية المطلة على الدوار تلقى ساكنوه تعليمات بشأن منع التصوير الثابث أو المتحرك (الفيديو) حفاظاً على سلامتهم الشخصية! وفي العاشرة أعلن عن انطلاق مسيرة من الدوار إلى باب البحرين الساعة الثالثة عصراً، حيث سيحمل الجمهور نعوشاً رمزيةً للشهداء السبعة.

في الحادية عشرة، أصدرت جمعية «وعد»، بياناً قدّمت فيه تعازيها لأسر الشهداء، الذين ضحوا من أجل الحرية والكرامة والديمقراطية الحقيقية، وأكدت على رفض أي اصطفاف طائفي، وأن تُوجّه بوصلة الحوار الوطني صوب المعارضة السياسية وشباب ميدان اللؤلؤة، بما يحقق مطالب الشعب العادلة والمشروعة التي تم تجاهلها طويلاً. ودعت إلى توحيد المواقف وتشكيل ائتلاف وطني، وفتح باب التبرعات لدعم أسر الشهداء والجرحى، والتبرع لكل أسرة بجزء من الألف دينار التي ستصرف من خزانة الدولة. اقتراحٌ مشابهٌ يتداوله الأطباء بتحديد مبلغ شهري، فهذا الشعب شعبٌ عظيم.

من الصباح استبق الشيخ علي سلمان مسيرة العصر، بإعلانه عدم توجيه الجمعيات السياسية أية دعوة لمسيرة، لكن وكالة (أ.ف.ب) أوردت خبراً في المساء عن خروج مئات البحرينيين من دوار اللؤلؤة إلى ما أسمته بـ «الوسط التاريخي للمنامة (باب البحرين)». وقدّرتْ عددهم بثلاثة آلاف شخص. وأوردت الـ (سي ان ان) تقريراً عن الأسواق العربية، التي مالت تداولاتها للهدوء بنهاية جلسة الخميس، حيث سيطر التراجع على أسواق دبي وقطر والأراضي الفلسطينية، أما البحرين فقد تعرضت لأقسى الخسائر.

في المساء، اختتمت مراسم فاتحة الشاب عبدالرضا بوحميد، الشهيد السابع في حركة فبراير، جعله الله آخر الشهداء، وجعل أحزان عائلته آخر الأحزان. وأذاعت المتحدثة الرسمية الجديدة بهيئة شئون الإعلام إعلاناً باسم الديوان الملكي عن اعتبار اليوم (الجمعة) يوم حداد رسمي على أرواح ضحايا البحرين الذين سقطوا في الأحداث الأخيرة. وبذلك ستلتقي البحرين الرسمية والشعبية على يوم حداد وطني مشترك.