العدد 2445 - السبت 16 مايو 2009م الموافق 21 جمادى الأولى 1430هـ

قتل (البحر) إعلان عن (الحرب)

عبدالله جناحي comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عبدالله جناحي

«إهداء للصيادين المتضررين من ردم البحار، وإلى المشاركين في مؤتمر تدشين تقرير الأمم المتحدة للحد من م 

من حق وواجب الدولة وضع الخطط الاستباقية لمواجهة أية كارثة بيئية محتملة، ومن واجبها الانتباه للتقارير البيئية التي توضح ارتفاع منسوب البحار سنويا بمقدار مليمتر واحد، مع ضرورة عدم تضخيم مثل هذه الظواهر على حساب كوارث بيئية من صنع الدولة والتي هي أخطر بكثير من كوارث طبيعية محتملة.

ردم البحار واختفاء السواحل وتدمير البيئة البحرية بثرواتها الغنية كوارث من الأجدى مناقشتها في المحافل الدولية التي تستضيفها الحكومة، حيث هي التي ستؤدي إلى دمار بيئي واقتصادي مستقبلي.

يشير غاستون بشلار في كتابه «الماء والأحلام» إلى أن لكل صفة اسمها المفضل الذي يحتفظ به الخيال المادي، فمثلما النداوة صفة الماء، والماء هو من نواح ما النداوة وقد تحولت إلى اسم، فكذا الحال في العلاقة الجدلية بين اسم بعض الأوطان ومناخها وطبيعتها.

وفي هذا المقام يوضح بشلار بأن هناك علاقة جدلية بين الخضراء وايرلندا (Erin) تعني الخضرة والسلام، وبين الصهباء واسكتلندا (Ecosse)، حيث يضع العشب مقابل الخلنج.

ومن المعروف أن الاشتقاق اللغوي لكلمة (Erin) تعني الخضرة والسلام، ولذلك ترى رمزية ايرلندا العشب الذي يعكس كثرة الماء فيها، في حين أن الاشتقاق اللغوي لكلمة (Ecosse) تشير إلى الخلنج، أي الزهر البنفسجي الذي لا ينبت إلا في أرض رملية ومرتبط دلالته باسكتلندا الصخرية.

وجزر البحرين المحيطة بالبحر هي كذلك حضاريا وأسطوريا مرتبطة بدلالة الماء والعشب (الزرع) وبالينابيع والصيد، هي في أعماق الخيال الجمعي لشعب هذه الجزر لا يمكن أن تكون البحرين بحرينا إلا بارتباطها بالماء، لدرجة أن بعض الدراسات الجيولوجية للباحثين تثبت أن هذه الجزر أساسا خلقت أصلا من طمي متراكم عبر العصور والقادم من نهري دجلة والفرات عبر شط العرب وليست من انفصال تدريجي عن الجزيرة العربية الصحراوية!.

ما من حضارة إلا وتمتلك أساطيرها، وأسطورة البحرين الجلجامشية محورها الماء وسر الخلود فيه، هذا السر الذي بقى هذا التراب نقيا طاهرا لا ينعق فيه الغراب ولا يمرض على أرضه الإنسان، هكذا نطقت الأسطورة الدلمونية.

وما من مبدع في صفوف الفن إلا ويحمل في خياله وتأملاته صورة الماء والبحر واللون الأزرق رمز الماء والنقاء وتوأمه اللون الأخضر رمز العشب والزرع.

وما من إنسان تشرب من رحيق هذين اللونين وترطب جسمه ووجدانه وعواطفه وطريقة تفكيره بالماء ورائحة البحر ونداوة العشب إلا وقد أصبح مثله متأملا واسع الأفق كأفق البحر، نديا مرنا كأمواجه. بل إن فلكلور أهل الجزر وأغانيه ندية ورقراقة عكس أغاني الصحراء، حيث تتلاقى المياه الزرقاء بالأسماك الفضية بالنخيل الباسقة بالرطوبة اللاصقة لتخلق فنا وإبداعا في غاية التنوع.

غير أن هذه الرقة والنداوة لا تنفي وجود صفات أخرى لإنسان البحر والعشب من حيوية وتحدٍ وقسوة وهي صفات قد أخذتها أيضا وتشربت منها أجيال هذه الجزر من البحر. وهذا عكس ذلك الإنسان القادم من الصحراء بصخورها وجبالها ورملها يورث منها الخشونة والجفاف واليباس.

البحر والعشب لا يعني فقط ما تقدم ذكره، بل هما يحتاجان كأي كائن حي إلى أعضاء يواصل حياته من خلالها، وأعضاء البحر السواحل والفشوت، وهذا البحر يحتاج إلى عين يرى من خلالها، وعين البحر الأسماك واللؤلؤ وكائناته الهائلة، ويحتاج إلى حوار حتى لا ينسى الكلام وحوار البحر مع شعب كان يعشقه ويحميه ويرعاه ويعتاش عليه وبينه وبينهم مصلحة وصراع وحب وموت ورزق.

وكلما تقلصت أعضاء البحر ودمرت فشوته وردمت سواحله وماتت كائناته وابتعدت الناس عنه، أي كلما بتر عضو من أعضائه كلما ازداد الخناق عليه واقترب الموت منه، وكلما أصبح الربح (ر ـ ب ـ ح) بوصلة متخذي القرار تحول البحر (ب ـ ح ـ ر) إلى محرض لا شعوري للحرب (ح ـ ر ـ ب)، محرض لناسه وعشاقه للتمرد، ومحرض لأعضائه بأن ينتقموا أما بإعلان الموت الجماعي والهروب نحو المحيطات وبالتالي الجوع، أو الارتهان للغير والمزيد من الديون والأمراض.

البحرين كأيرلندا دون الماء تتناثر حروف البحر وتتغير أماكنها، فأما أن تصبح ربحا وبالتالي عبر العصور تختفي دلالة البحر من اسم البحرين، وأما أن تصبح حربا لتتحول البحرين إلى جحيم لمغتصبيها

إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"

العدد 2445 - السبت 16 مايو 2009م الموافق 21 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً