فاجأ السيد حسن نصر الله الجمهور اللبناني والعربي بعملية هجومية قلب فيها الطاولة التي ظلت مستقرة لمدة عام كامل.
الخطاب الذي ألقاه نصر الله في حفل تخريج 2883 من الجامعة، له بعدٌ انتخابي، وخصوصا لجهة تلويحه لأول مرة، للاستعداد لتشكيل الحكومة فيما لو فازت المعارضة، بقوله: «نحن نحب أن تشاركونا لأننا دعاة شراكة, لكن لو أردتم ألا تشاركونا فلن نتوسل إليكم».
المساحة الكبرى من الخطاب غطّت الجانب السياسي، وبمساحة أقل القضائي، وكلا السلطتين التنفيذية والقضائية محل احتكاك وتجاذب بين الفرقاء في السنوات الأخيرة.
خطاب نصر الله عاد بالذاكرة إلى يوم 5 آذار، مذكّرا بعملية إدخال آلاف المسلّحين إلى بيروت تحت غطاء المكاتب الأمنية، وبقرار الحكومة السابقة قطع شبكة اتصالات المقاومة، معتبرا ذلك وصمة عار على جبينها، إذ كانت مطلبا إسرائيليا حسب تقرير «فينوغراد»، وظهرت أهميتها الآن بعد تساقط شبكات الجواسيس.
الطرف الآخر قاد حملة إعلامية تحت عنوان التذكير بـ «غزو بيروت», وردّ عليه الخطاب الجديد بإعادة الاعتبار لواحدٍ من «أيام المقاومة المجيدة»، ويجب أن لا يُنسى لكي لا يعيد أحدٌ حماقته مرة أخرى! فقد جنّب بيروت الفتنة المذهبية التي كان يُخطّط لها بين السنة والشيعة، وإحداث صدام بين المقاومة والجيش يعيد الحرب الأهلية. كما أشار إلى بعض نتائج 7 أيار، من حيث التمهيد لعودة الحوار، وانتخاب رئيس توافقي وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وحقن دماء كثيرة، وحفظ بيروت من الاحتراق.
الخطاب أشاد بدور الجيش الوطني، وحاول حفظ كرامة المسلّحين الذين سِيقوا إلى حرق بيروت، بقوله إنهم ما كانوا ليرفعوا سلاحهم بوجه إخوانهم، وكانت ستظهر بطولاتهم لو وُجّهوا لمقاتلة «إسرائيل»، مشيدا بتاريخ مناطقهم العروبية.
الخطاب الجديد ذكّر الناسين بمواقف أطراف من الموالاة، فمنهم من وقّع اتفاق 17 أيار المشئوم مع «إسرائيل» بعد غزو 82، ومنهم من يسعى لتقسيم لبنان بينما يتحدّث عن سيادته واستقلاله! وعرض مقابل هذه النماذج المتذبذبة، البديل الحضاري، «فالعقول والعزائم التي هزمت أقوى جيش في المنطقة، يدعمها أقوى جبار في العالم، هي أقدر على أن تدير بلدا مئة مرة أكبر من لبنان».
الجانب الآخر من الخطاب، تضمّن انتقاداتٍ حادة للقضاء، الذي ينبغي أن يكون سلطة حقيقية مستقلة وقوية، تحكم بالعدل وتطبّق القانون على الجميع. وذكّر بمناقبية المقاومة الإسلامية في لبنان غداة التحرير، فهي لم تحاسب العملاء وإنما سلّمتهم للقضاء، الذي وزّع عليهم أحكاما قصيرة بالسجن، ليعودوا للعمل في سلك الجاسوسية وخيانة الوطن. مقابل ذلك قام هذا القضاء بسجن أربعة من الضباط الوطنيين، بقرار سياسي، وبتهمة لم تثبت حتى بعد أربع سنين. واستشهد بما أبلغه لرئيس وزراء فرنسا السابق (جوسبان)، من أن «مقاومتنا لم تسفك دم عميل بعد التحرير، بينما نصبت مقاومتكم المشانق لعشرات الآلاف من المتعاونين مع النازي».
نصر الله أطلق مقولات سيحفظها الزمان، فـ «الفقر والعلم عابران للطوائف»، كما هي «العمالة والخيانة»، وأن يكون لبنان «وطنا لبنانيا بامتياز ولكن بلا عنصريةٍ ولا عصبيةٍ جاهلية»، مطالبا بتأليف «هيئة وطنية لإلغاء الطائفية»، وعلى أساس حوار وطني حقيقي وعميق وجاد.
ترى... هل قلب نصر الله الطاولة... أم فكّكها وأعاد تركيب أرجلها من جديد؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2445 - السبت 16 مايو 2009م الموافق 21 جمادى الأولى 1430هـ