العدد 2445 - السبت 16 مايو 2009م الموافق 21 جمادى الأولى 1430هـ

«البوليتكنك والخليج للتكنولوجيا» وما بينهما من تشابه أو اختلاف

فاضل حبيب comments [at] alwasatnews.com

.

إذا أردنا أن نعرِّف كلية بوليتكنك البحرين فهي «مؤسسة تعليمية جديدة وملتزمة بتزويد الشباب البحريني بالتعليم والمهارات اللازمة لكي يساهموا بها ويستفيدوا من التحول الاقتصادي الذي تشهده مملكة البحرين، إذ تسعى لتلبية الحاجة الملحة لتوفير قوة عاملة بحرينية ماهرة، وإعداد خريجين جاهزين للانخراط في سوق العمل، بالتشاور مع شركات القطاع الخاص والصناعي والجمعيات المهنية والمؤسسات العالمية المتخصصة في التعليم والتدريب».

تأسست بوليتكنك البحرين بموجب المرسوم الملكي رقم 65 للعام 2008، وهي تُشكل إحدى المبادرات الرئيسية للمشروع الوطني لتطوير التعليم والتدريب، فهي مبادرة ذات رؤية جريئة تهدف إلى دعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية بمملكة البحرين بما يتوافق مع الرؤية الاقتصادية للعام 2030 (الموقع الإلكتروني لكلية بوليتكنك البحرين).

دعونا نتفق بأن الحديث عن اهتمام البحرين بالتعليم العالي الفني ليس بجديد، ففي العام 1968 تمَّ إنشاء كلية الخليج الصناعية، التي أُطلق عليها فيما بعد» كلية الخليج للتكنولوجيا»، إذ كان الغرض منها أساسا أن تكون كلية إقليمية تخدم أبناء منطقة الخليج من خريجي المدارس الثانوية الصناعية، بهدف تخريج فنيين على مستوى تقني متميِّز في التخصصات الصناعية بشكل خاص.

وفي العام 1970 أُضيف إلى برامجها السكرتارية والدراسات التجارية، ثم أُلحق بها العام 1975 ثلاث دوائر هي: دائرة الدراسات التجارية والإدارة - دائرة الهندسة المدنية والبناء - دائرة الهندسة الميكانيكية والكهربائية، هذا إلى جانب وحدة اللغة الإنجليزية.

لا يساورنا الشك في أن التعليم الفني أو المهني يهدف أساسا إلى تنمية القوى البشرية، إذ لا بد من نظرة بانورامية شاملة عندما نتحدث عن إصلاح واقع التعليم والتدريب، بدءا من التعليم الأساسي والتوجيه المهني وطبيعة المناهج التعليمية والتدريبية وما إلى ذلك، فثمة طلاب حديثي التخرج وهم لم يتعرفوا بعد على مجالات المهن، فمثلا يلزم البعض من أولياء أمور الطلبة ابنه أو ابنته بدراسة الطب أو الهندسة أو الدراسات المصرفية أو القانون وما إلى ذلك، من غير دراسة موضوعية لمتطلبات سوق العمل، فلو فرضنا أن المناهج الدراسية متطورة، وأن المدرسين أكفاء، ولا يوجد توجيه مهني، فإن ثمة خللا يعتري بُنية العملية التعليمية.

لا يزال الجهل بأهمية التعليم الفني أو المهني -وللأسف الشديد - لدى أوساط الكثيرين من المثقفين، فثمة أولياء أمور يعتقدون بأن التعليم التقني غير محترم في المجتمع التعليمي، إذ يُنظر إلى من يلتحق بالتعليم الصناعي على أنه من الطلاب من ذوي المعدلات الدراسية المتدنية أو الضعيفة، أو أنه غير مؤهل أصلا لمواصلة التعليم العالي، لذا بات من الأهمية بمكان التصدي للثقافة المجتمعية التي تنظر إلى طالب المسار الصناعي الذي يخرج من بيته صباحا وهو يرتدي الـ «OVERALL» على أنه ليس سوى عامل بسيط يعمل في مصنع!

لذا نحن أمام تجربتين، إحداهما كانت رائدة في المنطقة وهي «كلية الخليج للتكنولوجيا»، والأخرى حديثة الولادة «بوليتكنك البحرين» ونأمل لها النجاح، ولكن السؤال المطروح: هل تمَّت الاستفادة من تجربة «كلية الخليج للتكنولوجيا»، وأبرز التحديات والمعوِّقات التي حالت دون بقائها واستمرارها؟، خاصة وأن خريجي تلك الكلية هم الآن من ذوي الكفاءات العالية في المجتمع البحريني من وزراء، ومسئولين ورؤساء في كبرى الشركات الصناعية والتجارية والهندسية وغيرها.

عندما نرجع إلى تجربة كلية الخليج للتكنولوجيا فإننا نجد أنها كانت تجمع بين ثلاث عناصر استراتيجية ومهمة وهي: المعرفة والمهارة والخصائص الشخصية للمتعلم أو المتدرب، إذ كانت المناهج الدراسية مطابقة لمناهج جامعة الملك فهد للبترول والمعادن (أفضل جامعة تقنية في المنطقة) والجامعة الأميركية في بيروت وجامعات أوروبية وأميركية يُشار إليها بالبنان، كما وأن لجانها كانت تضم مسئولين في الكلية، وخبراء ممثلين عن المؤسسات التعليمية، وأصحاب الشركات ومؤسسات التدقيق، فضلا عن أن مبدأ «المسئولية الاجتماعيةSocial responsibility» كان هو السائد لدى معظم تلك الشركات التي كانت تعتبر نفسها مسئولة عن تدريب الطلبة وتأهيلهم وتنمية مهاراتهم، وأن أعدادا كبيرة منهم كانوا مكفولين ومبتعثين من قِبَلِ تلك الشركات.

ليس من الموضوعية والإنصاف أن نغض الطرف عن التحديات والمعوقات التي تواجه التعليم التقني في البحرين، فالمشكلة الرئيسية تتمثل في أن التطور الصناعي والاقتصادي أسرع بكثير من طاقة النظام التعليمي، رغم الجهد المبذول من قِبَلِ المؤسسات التعليمية لملاحقة إيقاع ذلك التطور، ذلك أن تخريج قوى عاملة مؤهلة يحتاج إلى وقت طويل، ونَفَسٍ أطول تماما كنَفَسِ صانع السجادة الفارسية!

كما لا بدَّ من إحداث تغيير جوهري في ذهنية أصحاب الشركات والمؤسسات وخبراء التدريب التقنيين، والذين يعتقدون أن تطوير القوى البشرية هو مسئولية المؤسسات التعليمية وحدها، وأن المدارس والكليات هي المسئولة عن توفير كل المهارات المطلوبة، وبالتالي فإن خريجي المدارس والكليات التقنية يخرجون إلى سوق العمل وهم يفتقرون إلى الخبرة العملية والتدريب الميداني المناسب لأعمال الشركات والمؤسسات.

كما أن التغيير التكنولوجي السريع في كافة الميادين العلمية، وما يقتضيه من رفع المستوى الأكاديمي لأعضاء هيئة التدريس، وعقد البرامج التدريبية الطموحة لتأهيلهم التأهيل الكافي، كل ذلك يستلزم أعباء مادية كبيرة.

غاية ما في الأمر أننا بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى الحرص على تفعيل مفهوم «الحرية الأكاديمية Academic Freedom»، وذلك بإبقاء الجامعات بعيدة عن الضغوطات الشخصية أو السياسية أو المالية وغيرها لكي نضمن إصلاحا حقيقيا في التعليم، ولكي تقوم بدورها في مجال البحث العلمي، وعملية التنمية المستدامة.

إن ما يدعونا إلى التفاؤل بمستقبل بوليتكنك البحرين هو توجهها نحو المجتمع الصناعي، من خلال صقل الطاقات الشبابية البحرينية لمهنة الهندسة -وهي السمة الغالبة على برامج البوليتكنك- والتي تمتلك المهارة المطلوبة، لوضع النظريات والممارسات الهندسية موضع التنفيذ.

يقال إن أفلاطون كان أول من فكَّر في تأسيس المعاهد الأكاديمية قرب حديقة بأثينا كانت تسمَّى «أكاديما»، وكتب على باب الأكاديمية «مَنْ لمْ يَكُنْ مُهَنْدِسَا فَلا يَدْخُلْ عَلَيْنَا»

إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"

العدد 2445 - السبت 16 مايو 2009م الموافق 21 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً