العدد 3092 - الثلثاء 22 فبراير 2011م الموافق 19 ربيع الاول 1432هـ

يوم الحشود والوفود

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بدأ يوم الثلثاء مبكراً، فمنذ الدقائق الأولى بعد منتصف الليل، أعلن في ميدان اللؤلؤة عن إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، فساد جوٌ من الفرح والتصفيق وعلت الهتافات.

شائعاتٌ كثيرةٌ منذ أيام، بعضها فيه تخويفٌ، وهناك من يروّج في اللؤلؤة لأخبارٍ وقصصٍ يتم تداولها في المنتديات أو شبكات التواصل الاجتماعي والرسائل القصيرة. يبدو أن هناك شبكات متخصّصةً للقيام بهذه المهمات في هذه الأوقات المتوترة. وبالقرب من المطافئ أقيم قبر رمزي بسيط للشاب الذي سقط برصاص الجيش، تحفه باقات الورود والشموع.

الدوار ليس كله خطب سياسية، بل هناك خيام كثيرة داخل الدوار وحواليه، تقدّم الطعام والشراب، وتعتمد على تبرعات الجمهور. إنها حالة فريدة وجديدة، تحتاج إلى ساعتين كي تطوف بها لتتعرف على ما تأقلم عليه ناسها من حياة. هناك مجسّمٌ كبيرٌ لا تدري متى وكيف تم صنعه؛ وهناك معرضٌ للكاريكاتير؛ ومعرضٌ ثالثٌ للوحات الفنية. وطبيعي أن يكون دوار اللؤلؤة أحد أيقونات هذه الأعمال التي تعكس حالةً من الغضب الشديد مما حدث يوم الخميس الدامي. حتى الشعارات فيها الكثير من الغضب وهو أمرٌ متوقعٌ في مثل هذه الوقائع، وإن كان بعضها أخذ طابعاً نقدياً ساخراً، وقد تلقى حلقة من الشباب يتوسطها شابٌ طريفٌ ملتفٌ بعلم البحرين يرقص ويلقي النكات الطريفة، ويُشرِك الجمهور في حركاته وتعليقاته اللاذعة. ربما هي محاكاةٌ للنموذج المصري المعروف بطرافته حتى في ساعات العسر والمحن.

إنه جيلٌ جديدٌ، أقصى ما يمكن أن نقدّمه، نحن الجيل الأوسط، هو محاولة فهمه ليفهمه غيرنا أيضاً، لأنه يفكّر بطرقٍ غير تلك التي ألفناها واعتدناها. واحدٌ من أوائل من دخلوا الميدان بعد إخلائه كنت أسأله: ألم تفكّر حينما دخلت بأنك قد تقتل؟ ألم تخف من الرصاص؟ وصدمني ما قال: الموت لا يحدث إلا مرةً واحدة!

في الصباح، كان الآلاف على موعدٍ مع تشييع الضحية السابعة، الشاب الشهيد عبدالرضا محمد حسن، من مدينة حمد إلى المالكية حيث دُفن رحمه الله. كانت الفضائيات منذ يومين مشغولةً بالحريق الكبير في ليبيا، ومع ذلك ظل الخبر البحريني الثاني أو الثالث في نشرات الأخبار، ينافس أخبار اليمن. ونقل أحد المواقع السعودية خبراً عن «مشاركة مجموعة من أبناء ومثقفي المنطقة الشرقية في اعتصام سلمي لنصف ساعة عند دوار السفينة، مساء الاثنين الماضي تضامناً مع الشعب البحريني».

عند العاشرة يستأنف البرلمان البحريني أول اجتماعاته بعد الكارثة في غياب أكبر كتلة نيابية (الوفاق). وعند الثانية عشرة يُعلَن عن تعيين متحدثةٍ رسميةٍ باسم الدولة، في أول بادرةٍ من نوعها على مستوى الخليج. أما في مجمع السلمانية الطبي، فقد تجمّع الكادر الطبي والتمريضي لليوم السادس للاحتجاج على الوزير، ويطالبونه بالرحيل. وعلى هامش هذا التجمع، أقيم معرض للطلقات وعبوات مسيلات الدموع مختلفة الأحجام، التي جُمعت في الأيام السابقة، وكتب بجوارها تحذيرٌ بعدم اللمس لأنها مواد كيماوية خطيرة.

بعد الظهر كان دوّار اللؤلؤة على موعدٍ مع الحشود الغفيرة، حيث لُوحظ ازدحام حركة المرور وتدفق مجاميع كبيرة من الجمهور من عدة محاور للالتحاق بـ«مسيرة الوفاء للشهداء»، ورُفعت فيها الشعارات المعبّرة عن الجمعيات السياسية المتطلّعة للتغيير. كنت ركنت سيارتي بعيداً عند جامع القفول وأتيت مشياً على الأقدام لأكثر من كيلومتر، فوصلت عند الثالثة والنصف، ووصلت طلائع المسيرة عند الساعة الخامسة. كان ثلاثةٌ من الرجال محمولين على الأكتاف بزيّ رسمي، أعلنوا تضامنهم مع مطالب شباب اللؤلؤة، فاستقبلوهم بالتصفيق والورود.

بيان الجمعيات السياسية تلته السيدة إيمان شويطر، وهي من المناضلات الوطنيات من التيار الديمقراطي، فقدت زوجها هاشم العلوي في السجن في منتصف الثمانينيات. وبدأ البيان بالتأكيد على «الوقوف التام والمساندة غير المحدودة لتجمع الشباب في هذا الميدان الذي سقط فيه خمسة من خيرة شبابنا المناضل، وصار رمزاً للحرية ونموذجاً للعزة والشهامة». وأكد البيان على تأييد «كل المطالب العادلة والمشروعة، وأهمية استمرار التعبير عنها بصورة سلمية والتزام الحكومة بالعهود والمواثيق الدولية لحماية الاعتصام وأرواح المواطنين، وخصوصاً بعد الخميس الدامي الذي راح ضحيته أرواح بريئة دون مسوغ، وهي الجريمة التي هزت ضمير العالم وأدخلت البلد في أزمة خطيرة» كما قال البيان... مضيفاً: «إننا على ثقة تامة بأن الشباب قد فتح أمام البلد مرحلة جديدة تقود إلى تغييرات جذرية، تصب في صالح كل أبناء الوطن دون تمييز».

البيان كان متوازناً وعقلانياً جداً من ناحيةٍ سياسيةٍ بحتة، ومع ذلك كان الجمهور يقابل بعض فقراته بالرفض وصيحات الاستنكار. والمفارقة اليوم أن موقف الجمعيات السياسية التي حاربتها الحكومة وحاصرتها طويلاً، باتت اليوم تمثل الاعتدال، بين حكومةٍ تتهمها بالمبالغة والتطرّف، وجمهورٍ يتهمها بالليونة والتمييع. ومع ذلك من شأن البيان أن يمهّد الطريق لبدء حوارٍ وطني جادٍّ وشامل يرتقبه الرأي العام، بعيداً عن لغة التهديد والوعيد والتحشيد والتحشيد المضاد، وخصوصاً أن الكلفة الأمنية باهظة على الجميع. وإذا كان النظام ألقى بالكرة قبل يومين في ملعب الآخرين، فإن الكرة عادت مرةً أخرى إلى مرماه.

في المساء، كان المشهد الليبي مصبوغاً بالدماء، بعدما بدأ القذافي الأب ينفّذ تهديدات ابنه الذي سوّقه الإعلام في صورة إصلاحي المستقبل. كان القذافي غاضباً، وكان واضحاً أنه خرج من طوره تماماً، فأخذ يتفنّن في شتم الشعب الليبي، من عمالةٍ ونذالةٍ وخيانةٍ، ووصفهم بالقطط والجرذان والفئران التي تنتقل من زنقةٍ إلى زنقة، بعدما أنعم عليهم قبل ليلةٍ بوصف «الكلاب»!

كان عسكرياً من الماضي، ووراء كل هذه الزمجرة شبحُ رجلٍ محطّم، يذكّرك بحسني مبارك في ليلته الأخيرة. تغنّى بأمجاده الشخصية حدّ الملل، في حالةٍ فاقعةٍ من تضخّم الذات. فهو «مقاتل مجاهد، أرفع من المناصب، وهو يقود ليبيا التي تقود افريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، بل والعالم أجمع»! وإذا كان مبارك قرّر البقاء حتى يموت في مصر، فإن القذافي رفض أن يتخلى عن رفات أبيه وجده. وهدّد بقطع الماء والكهرباء، معلناً أنه لم يأمر بالقتال بعد، رغم استخدام القاذفات والطائرات ضد الشعب! إنها كلفة الاستبداد في الشرق، فالزعيم معه بندقيته وسيقاتل حتى آخر قطرة من دم الشعب!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3092 - الثلثاء 22 فبراير 2011م الموافق 19 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 25 | 10:19 ص

      كلهم قذافي

      للأسف ان الحكام المستبدين كلهم مثل القذافي
      عندما يهتز الكرسي فأنهم يستجنون
      يموت الشعب و يبقى الكرسي
      بعضهم اذكياء يبدلون شعوبهم بشعوب جديدة
      بقائهم من بقاء السلطان فيصبحون الزبانية
      يمكن يحاورون يناورون لكن في النهاية هو الكرسي
      من وقف بينهم و وبين الكرسي فمصيره التنكيل.
      انظر كم يوجد في عالمنا العربي رئيس سابق
      الله يساعد الأمة العربية

    • زائر 23 | 8:15 ص

      من المطحون

      لعنة الله على مدمر القردافي .

    • زائر 15 | 2:59 ص

      الشعب لن ينسى محمد

      السلام عليكم
      نتمنى من السيد الفاضل الكتابة عن الاخ الشريف
      محمد البوفلاسه

    • زائر 8 | 12:27 ص

      مجتمع صغير يعكس الوطن الكبير

      هولاء هم اهل البحرين فد كا نو ا ولازالوا ولن يتغيروا

    • زائر 5 | 11:57 م

      لقد فوت احدى الشتائم ياسيد

      لقد نعت الشعب الليبي العظيم بالجراثيم وربما هذه الشتيمة بالذات تكون دقيقة فالجراثيم تتكاثر لتحطم كل دفاعات هذا الطاغية وتقضي عليى للأبد وتتركه مشوهاً يعكس الذل والخراب لا المجد الذي يدعيه

    • زائر 2 | 9:48 م

      super man will back to us

      thanks man
      i dont know why the presidents kill the peasful people
      !!
      they donthave hearts

    • زائر 1 | 9:27 م

      عنواننا الحرية

      ما دمنا نطالب بالحرية لابد أن يستجيب القدر

اقرأ ايضاً