عندما نتحدث عن التجربة الخليجية على مستوى البيئة التعليمية فإنها تكاد تكون متقاربة بعض الشيء لتقارب الثقافة والظروف الموضوعية، فقد أثبتت تجربة أجريت على معلمي 13 مدرسة ابتدائية ورياض أطفال في إمارة أبوظبي بالإمارات العربية المتحدة، وجود خصائص مشتركة لنماذج مراجعة أداء المدارس، وأهمية مشاركة المعلمين بوصفهم قادة التغيير في عملية الارتقاء بمستوى المدارس، وتدريبهم على إجراء الأبحاث في عمليتي التعليم والتعلم، ونشر هذه الأبحاث وتعميمها بغرض الاستفادة منها وتطويرها.
إذا أردنا الحصول على نتائج ومخرجات تعليمية عالية، فذلك الأمر مرتبط ببرامج «التمهين»، أي بعدم توقف المعلمين عن التعلم مدى الحياة. بمعنى آخر، تأهيل المعلم من أجل القيام بدوره في عملية التعليم، وفي المقابل تأهيل الطالب نفسياً لاستقبال المعرفة وتوظيفها، لأن سلوك المعلم وإلمامه بمفردات المحتوى والمادة العلمية التي يقوم بتدريسها، وقدرته على الإدارة الصفية وإدارة الوقت، وخلق بيئة قائمة على الاحترام المتبادل بينه وبين الطلبة، من خلال التغذية الراجعة Feedback والتقييم المستمر، وإعطائهم نماذج مرتبطة بالمناهج في مختلف الموضوعات، وأخيراً إضفاء عوامل المتعة على الدرس، كل ذلك سيساهم في تحسين أداء المدارس.
في إحدى جلسات المؤتمر الفرعية، عرضت سو ماكينا، من مركز التعليم العالي للبحث والتعليم والتعلم بجامعة رودس في جنوب افريقيا، في ورقتها المعنونة بـ «جودة التعليم والتعلم والهوية الأكاديمية»، تعاريف الجودة، باعتبارها هيكلية سياسية واجتماعية، فالجودة تؤسس لقاعدة مفادها «ما يتم قياسه يتم تحقيقه (إنجازه)»، وهذا هو الدور الذي تضطلع به هيئة ضمان الجودة في زياراتها للمدارس.
المشكلة التي يعاني منها عدد من المدارس وحتى المعاهد التدريبية هو «حالة الاستنفار»، وما يجعلهم أكثر استنفاراً هو معرفتهم المسبقة بمواعيد زيارات «هيئة ضمان الجودة»، فتجد الزيارات الصفية للمعلمين على قدم وساق، وعلى أعلى المستويات، بدءاً من المعلم الأول وإدارة المدرسة ورئيس المدارس وطاقمه وما إلى ذلك، طبعاً من أجل سواد عيون الجودة وليس الطلبة!
ولعل هذه كانت الرسالة المهمة والمقصودة التي أرسلتها ماكينا في ورقتها، من أن بعض المؤسسات التعليمية والتدريبية تتحفز إلى تطبيق مفاهيم الجودة ومتطلباتها بروح امتثالية لجهات الرقابة الحكومية والمجتمعية، وهذا لا يعطي النتائج المطلوبة، لأن الجودة وقبل أن تكون مطلباً حكومياً، لابد أن تكون جزءاً وثقافة تتبناها المؤسسة التعليمية، لأنها عنوان هويتها، بما يدفعها إلى تطبيق التقييم والنقد الذاتي بعيداً عن الانصياع أو الامتثال.
أحد المحاور التي ناقشت دور المهارات اللازمة لرفد سوق العمل بمخرجات تتناسب مع احتياجاتها، ما ذكرته ريلتون في ورقتها «مهارات التوظيف: إعداد الأجيال الحالية والمستقبلية من خلال مشاريع إبداعية مشتركة في مجال التعليم والتدريب المهني» بأن دول مجلس التعاون الخليجي تضم 9.5 ملايين طالب في 2010، فيما يرجح أن يصل عدد طلبتها إلى 11.3 مليون طالب في العام 2020، ومن ثم فإن الحاجة تبدو ملحة أكثر من ذي قبل إلى اكتساب المهارات الضرورية والمطلوبة للولوج في سوق العمل، وبأن التحديات التي تواجه المتدربين وأرباب العمل، تتلخص في أن 3 من كل 10 متدربين يتوقع أن يقوموا بتطوير المهارات المستفادة من دراساتهم في الوقت الراهن!
منذ إطلاق مشروع «الامتحانات الوطنية»، في العام 2009، وثمة تساؤلات تطرح للوقوف على أهميتها وجدواها، لذا فقد أشارت المدير التنفيذي لوحدة الامتحانات الوطنية بهيئة ضمان جودة التعليم والتدريب زيلكا شاينر، في ورقتها المعنونة بـ «الامتحانات الوطنية: صديق أم عدو»، الأهداف الثلاثة الرئيسية من الامتحانات الوطنية، وهي: قياس فهم الطلبة، وتوفير المعلومات حول إنجاز الطلبة، وأخيراً الاستعداد للمساءلة.
حاولت زيلكا عقد مقارنة بين الامتحانات الوطنية في عدد من البلدان، وخصوصاً تجربتي المملكة المتحدة ومملكة البحرين، ولكن تظل التحديات قائمة مع بدء فترة الامتحانات الوطنية وبعدها، فنحن على موعد مع مرحلة إجراء الامتحانات للصف (12) الثالث الثانوي في العام الدراسي المقبل 2011 - 2012م، وربما قد نختلف في هذا السياق مع ما ذكرته زيلكا بأن الهيئة تلقت تغذية راجعة إيجابية وثرية عن الامتحانات الوطنية، وأن تعامل المعلمين والطلبة مع الامتحانات كان بجدية عالية، فالجدية تكون عندما تحتسب درجة الامتحانات الوطنية ضمن أدوات التقويم المستمر للطلبة، وتوفير بيئة تربوية تحد من بعض الظواهر السلبية كـ «الغش» مثلاً، وخصوصاً بعدما أعلن في يونيو/ حزيران الماضي 2010 عن وجود حالات غش فردية وجماعية في الامتحانات الوطنية تصل إلى 200 حالة تقريباً، أي ما نسبته أقل من 1 في المئة من مجموع الطلبة المشاركين في مدارس ومراحل وفصول مختلفة، وفي المواد كافة التي امتحن فيها الطلبة.
وبالانتقال إلى «تقييم مهارات التفكير العليا» فقد ذكر مدير مجموعة دراسات التقييم والتطوير في وحدة كمبريدج للتقييم في المملكة المتحدة تيم أوتس، أهمية طرق حل المشكلات، والتفكير التحليلي، والاختبارات، إضافة إلى تأثيرات محتوى الدورات والمناهج على تنمية هذه المهارات، وأشار إلى صعوبات التطبيق عند الحديث عن مهارات التفكير العليا، وأهلية الطلبة لممارسة النقد العلمي والموضوعي، مشدداً على ضرورة وجود منهجيات وأدبيات تعين الطلبة على توظيف المهارات في المناهج الدراسية واستراتيجيات التعليم.
مؤسسات التعليم العالي في دول الخليج لم تكن غائبة على طاولة البحث، فقد أشار رئيس هيئة الاعتماد الأكاديمي بدولة الإمارات العربية المتحدة بدر أبو العلا في ورقته «نظام ضمان الجودة الداخلي في مؤسسات التعليم العالي»، في تعريف الجودة، وأسباب تطبيق نظام الجودة الداخلي، وطرق تنفيذه في مؤسسات التعليم العالي، ولماذا يعتبر ضمان الجودة عنصراً أساسياً للتخطيط الفعال، إضافة إلى منهجية تطوير نظام الجودة الداخلي، وأمثلة من أدوات التقييم وأطر العمل، وعوامل الجودة في التعليم والتدريب والمهني، والمسئوليات الخاصة بالتحسين، والتحديات التي تواجه عمليات التحسين، فضلاً عن دور المراجعين. وعرض نموذجاً للتحسين المستمر في مجال التعليم والتدريب المهني، كانت محاور كلمة ديفيد شيرلوك، المدير التنفيذي بمؤسسة بيوند ستاندردز في المملكة المتحدة، في كلمة له بعنوان «التحسين المستمر: المهمة المستحيلة».
أكثر ما يهمنا توصيات المؤتمر، والتي شددت على إيجاد شبكة لضمان الجودة تجمع كافة مؤسسات التعليم والتدريب من مدارس ومعاهد وجامعات، بحيث تكون وصلة تبادل للتجارب الناجحة والخبرات المكتسبة والأفكار الجديدة بين تلك المؤسسات.
ولتجنب الازدواجية في عملية التقييم، التي طالما اشتكى منها الكثيرون من المنتمين للمؤسسات التعليمية والتدريبية، فقد تم التأكيد على ضرورة إيجاد علاقة تكاملية بين التقييم الذاتي للمؤسسات التعليمية والتدريبية والتقييم الخارجي، وإيجاد مكاتب أو دوائر تختص بضمان الجودة في الأداء في مختلف المدارس والمعاهد والجامعات البحرينية، حتى تقع على عاتقها مسئولية متابعة تطبيق مؤسساتها لمعايير الجودة في جوانب الإدارة والقيادة، والتعليم والتعلم، والبيئة التعليمية، واستراتيجيات التدريس، وتعزيز الإبداع، وتنمية القدرات الشخصية وغيرها.
كنا نتمنى على الجهة المنظمة للمؤتمر تخصيص محور لعرض برنامج «تحسين أداء المدارس»، القائم حالياً في 60 مدرسة من المدارس الحكومية، والوقوف على أبرز الإنجازات والتحديات التي تواجه البرنامج، واستضافة الطلبة واستنطاقهم بقصد إثراء المداولات، والخروج بالفوائد المرجوة من إقامته.
إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"العدد 3092 - الثلثاء 22 فبراير 2011م الموافق 19 ربيع الاول 1432هـ