كثيرة هي القضايا التي طفت على السطح خلال الأيام العصيبة الماضية التي انتهت بأحداث «الخميس الأسود»، لكن من بينها جميعاً، كانت هناك القضية الأكثر حضوراً في كل النقاشات، وسيطرة على مجمل التحليلات، وحظت بالاهتمام الأكبر في كل الأوساط السياسية، وتلك هي الطائفية. الملاحظ أن الكل لا يكف عن «لعنها»، ولا يتوقف عن التنصل منها، ويصر في دعوته على استئصالها من الجذور. المواطن العادي، لا يملك هنا إلا أن يتساءل، طالما أن الجميع يحاول تبرئة ذمته من «لوثة الطائفية»، ويتبرأ منها، فكيف لنا ان نفسر انتعاشها، واستمرار حضورها، حتى باتت هاجساً يقض المضاجع، كما يدعي الجميع؟
قبل أي حديث عن هذه المسألة في الشارع السياسي البحريني، لابد من التذكير بحقيقة في غاية الأهمية، ألا وهي أن التعددية الطائفية، أو الاختلافات المذهبية ليست، كما تبدو ويحلو للبعض أن يروج لها، ظاهرة سلبية تخشاها المجتمعات، وعلى وجه الخصوص منها المجتمعات المتحضرة في الدول المتقدمة. بل ربما كان الأمر على العكس من ذلك تماماً، فكلما كثرت أطياف التكوين الاجتماعي والاثني في مجتمع ما، كلما كان عن ذلك تعبير ملموس عن ارتفاع عدد درجاته في سلم رقيه الحضاري، وتأكيد حي على التمدن في سلوك أفراده، طالما نجحت تلك الألوان الاجتماعية في نسج علاقات تعايش سلمية فيما بينها، قادرة من خلال استخدام وشائج ذلك النسيج الاجتماعي الحي، بوعي في فضاء إيجابي، على تنظيم علاقة التعايش المشترك فيما بينها، ونبذ أي شكل من أشكال تهميش أي واحد منها للآخر أو نفي حقه في ممارسة دوره السياسي والاجتماعي بشكل سلمي . تتحول تلك الظاهرة الإيجابية إلى نقيضتها السلبية عندما تستغلها بعض القيادات الطائفية في واحد أو أكثر الأنشطة التالية:
1. تجييش الغالبية العظمى لتلك الطائفة برفع شعارات فئوية توهم أفراد الطائفة بالدفاع عن مصالحهم، في حين إنها في حقيقة الأمر، تساهم في تعزيز سلطة تلك القيادات، ونفوذها السياسي في أوساط الطائفة التي ينتمون إليها، أكثر منها الدفاع عن مصالح تلك الطائفة. يجري ذلك من خلال الادعاءات الباطلة في الدفاع عن تلك الطائفة أو رفع الشعارات الشكلية، المطالبة بتحقيق مكاسب جزئية بعد كسوها بعبارات وطنية شاملة. وتستفيد تلك القيادات من بعض الفتات الذي قد تحققه تلك المطالبات، للاستمرار في استخدام ذلك الإفيون التضليلي لحصر الطائفة في إطار مطالبها الجزئية الضيق، عوضاً عن تفجير طاقاتها في حركة وطنية شمولية.
2. محاربة، بشكل علني أو مبطن، جميع المشروعات الوطنية التي تحاول إذابة الجليد الذي يفصل بين الطوائف أو الإانيات، وتعمل على إزالة الحواجز المفتعلة التي تشظي قوى المجتمع الفاعلة وتشل نسبة عالية من قدراتها. وتحرص تلك القيادات من خلال ذلك، على تشويه مفاهيم وبرامج الطرح الوطني البديل لها، والداعي إلى صهر كل الطاقات في بوتقة المشروعات الوطنية الموازية. يدغدغ مثل هذا المنحى في سلوك تلك القيادات عواطف أفراد الطائفة المخاطبة (بفتح الطاء)، وغالباً ما يوفق في تأجيج طاقاتها. وفي سياق ترويجها لبرامجها الطائفية المبتورة، الموازي لمحاربتها تلك البرامج الوطنية، تحرص تلك القيادات على تغذية عوامل الخلافات الطائفية، كي تضمن استمرار تبوأها المناصب القيادية في صفوف طوائفها، ووضع صمامات الأمان التي تحميها إلى الدرجة التي يبيح لها مواصلة دورها التخريبي الإجتماعي الذي نتحدث عنه.
3. التلون الحربائي الذي يزودها بإكسير الحياة، ويؤمن لها في الوقت ذاته، القدرة على الاختفاء عن منافسيها، في صفوف الطائفة ذاتها، والتربص بهم للانقضاض عليهم وإضعفاهم، كي يتسنى لها تجريدهم من تنوير تلك الطائفة وتوعيتها بحقوقها في إطار المشروع الوطني الشامل أولاً، ولتنفيذ برامجها الفئوية التجزيئية ثانياً. هذا التزامن بين الهدم للآخر، والتشييد لقوى الذات، يسوي الطريق أمام تلك القيادات كي تتقدم في مشروعاتها، ويزيح من أمامها كل العقبات المخلصة التي ترى فيها تهديداً مباشراً لنفوذها، وأفكارها المسمومة.
4. الاستعانة الدورية بالقوى اللاهوتية، تماماً كما كانت عليه الأحوال في أوروبا في القرون الوسطى، التي تستمد منها نفوذها الروحاني الذي تتفنن في استخدامه لإحكام قبضتها على أفراد الطائفة الذين تخاطبهم، كي تضمن ولاءهم، وتحاصر «المتمردين» على سيطرتها منهم. و لاتكف تلك القوى، عن إلصاق التهم بأولئك المناضلين للتحرر من سيطرتها، وتعمل على عزلهم عن جماهيرهم، وقطع الجذور التي توصلهم بتلك الجماهير، من خلال «تسفيه» طروحاتهم، ومحاربة برامجهم الإصلاحية كإجراء احترازي ضد كل ما من شأنه تشكيل تهديد لنفوذ تلك القيادة او تقليص سطوتها.
بعد كل ذلك نعود للتمظهر الطائفي في الشارع السياسي البحريني الذي أرغمت الأحداث الأخيره «قيحه» على الطفو على السطح، فسمع المواطن البحريني نداءات طائفية تصم الآذان، وشاهد سلوكاً طائفياً تقشعر له الأبدان، وعانى من مواقف طائفية تشمئز منها النفوس، وكان مرغماً على التعايش مع كل ذلك إن هو شاء، على أن يساهم في أي مبادرة من شأنها ان تنتشل البحرين من المستنقع الذي ساقته إليه قياداته الطائفية في صفوف السلطة قبل المعارضة، دون ان يكون للسلوك الطائفي السلطوي المبرر الكافي كي تغرف بعض قيادات المعارضة، كما فعل ذلك البعض، من ذلك الإناء المملوء بالقذى.
مهمات كثيرة ملقاة على عاتق المعارضة البحرينية، لكنها جميعاً تبقى في مراتب ثانوية عندما نقارنها بالمهمة المركزية الآنية والتي هي اجتثاث الطائفية من جذورها وقطع هذه الأفعى من رأسها، وإلا فسوف تعيد الشجرة بناء فروعها، وستتمكن الأفعى من استعادة ما اقتطع من ذيلها.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 3088 - الجمعة 18 فبراير 2011م الموافق 15 ربيع الاول 1432هـ
آه .. يا أستاذي العزيز "العبيدلي"
ماذا أحكي لك و ماذا أترك .. عن ما شاهدت بأمّ عيني من أهوال ذلك الفجر الأسود!!
((اخوان سنة و شيعة هذا الوطن ما نبيعه))
((لا سنية و لا شيعية كلنا وحدة وطنية))
((بالروح بالدم .. نفديك يا بحرين))
هذه هي الشعارت التي كانت تتردد "قبل وقوع المجزرة"
فلا شيء من قبيل ما يذكر من اندلاع نعرات طائفية (لا نقبل بها مطلقا) و لكن ......... (الرقابة)
الى متى
الى متى ؟؟ الا يكفي دماء ؟؟ اين العقلاء من الجانبين ؟ لنضع يدنا بأيدي بعض في هذا المنعطف الخطر الذي تمر به البحرين
نتمنى ذلك
أتمنى ان يستمع الجميع أستاذ عبيدلي لهذه الدعوات الحكيمة